العالِم: كثيرًا ما يخضع الأمر لهوى القائم على الوسيلة الإعلامية
شعبان: الإعلام يتعامل مع التيارات الإسلامية والسلفية على أنها السيد المنتصر وصاحب العظمة القادم
عيسى: الإعلام يلفت النظر إلى انزعاج الناس من أفكار معينة لخلق حالة من التفكير
المهدي: ما يحدث هو ارتداد للخلف حيث الإعلام فراغ الدولة ويقوم بتحالف جديد
تحقيق: عماد نصيف
بين ليلة وضحاها تحولت الشخصيات والتيارات التي كانت تحت قصف إعلامي مستمر، إلى أبطال الساحة الإعلامية، ونجوم "التوك شو"!
فجأة تحول الإعلام المصري -باختلاف وسائله- إلى أبواق تسبح بحمد هؤلاء، وتعرض أفكارهم التي تلخصت في بعض الأحيان في إهدار الدماء!
احتفوا ببعض رموز التيارات والجماعات الإسلامية، التي اتخذت العنف منهجًا لها في الماضي، بينما هذا الإعلام نفسه هو الذي كان يتبرأ من الاقتراب منها من قريب أو بعيد… هو نفسه اليوم يفتح الأبواب على مصراعيها، حتى يكاد البعض يشعر أنه يروج للدولة الدينية، للمزايدة على اقتناص رضا الرأي العام والشارع المصري.
ولعل تصريح الدكتور "يحيي" الجمل –مؤخرًا- بأن الإعلام مخطئ، لأنه يحتفي بقتلة أيديهم ملطخة بالدماء، جعلنا نقرر أن نقترب أكثر ونبحث عن أسباب هذا التحول..
مرحلة تحول
بداية أوضح الدكتور "صفوت العالم" -أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة- أسباب تحول الإعلام إلى بوق، لبعض التيارات السياسية أو الدينية المختلفة، خلال الفترة الماضية قائلاً: تتلخص أسباب ذلك في أننا نعيش مرحلة تحول، وفي هذا الوقت لا توجد إدارة إعلامية لكثير من الوسائل، بل يخضع الأمر لهوى كل قائم بالوسيلة، في برنامج أو مقال أو صحيفة، وهو ما يعني أنه لا توجد بوصلة بسبب غياب الإدارة، كذلك عدم وجود حكومة مستقرة، ورئاسة مستقلة، حتى تحدد رؤية إعلامية، كذلك سعى الإعلام إلى حالة من محاولة استمالة واجتذاب كل الأطياف، ويقول على كل شيء؛ سواء كان عن الإسلاميين أو الأخوان أو جبهة البرادعي أو 6 أبريل، وهو ما قد يصل بالأمر إلى المبالغة في التعامل مع هذه التيارات المختلفة، في تناقض واضح وصريح، وهو ما حدث بين يوم وليلة مع النظام السابق، فبعد أن كان مبارك هو كل شيء، تحول بعد يوم من تنحيه إلى "النظام البائد"!
وأضاف العالم: هذه هذه التحولات الدراماتيكية، تؤثر على الإعلامي الذي يبحث دائمًا عن عربة الفوز، بصرف النظر مع من، على عكس الإعلامي الجاد الذي له رؤية واتجاه محدد، وهو ما يتطلب الإسراع بإنشاء نقابة للإعلاميين، حتى يكون هناك معايير وخطوط واضحة للعمل الإعلامي.
أبواق سيد اللحظة!
من جانبه قال الدكتور "أحمد بهاء الدين شعبان": إن ما يحدث الآن ليس بجديد على الإعلام المصري، سواء كان رسميًا أو خاصًا، فظاهرة التقلب راسخة، حيث يتغير الإعلام حسب اتجاه الرياح وخدمة السيد، بصرف النظر عن الضمير الصحفي أو الأخلاقي أو المهني، ولا تكون هناك مرجعية ثابتة بل متقلبة.
وأضاف شعبان: من الملاحظ في الفترة الماضية وحتى تنحي "مبارك"، كان الإعلام الرسمي يبذل أقصى جهده لتشويه الثورة، واتهامها بكل شيء رديء، بل كان يبرر قتل وترويع الثائرين، ثم بمجرد تنحي مبارك انقلبت هذه الأبواق إلى النقيض 180 درجة، رغم أنه لم يتغير أحد من المسئولين، وهو ما يوضح إلى أي مدى هذه الوسائل الإعلامية مجرد أبواق "سيد اللحظة" بصرف النظر من هو.
صاحب العظمة!
واستطرد شعبان: ليس بالغريب أن يتم المبالغة في الاحتفاء بالتيارت الإسلامية والترويج لأفكارها، لأنه يتصور أنها الأقوى، وصاحبة الفرص الأوفر للسيطرة على السلطة، وأنها تملك آليات الاختيار، ولذلك بدأ الإعلام ينشر ويتعامل مع التيارات الإسلامية والسلفية، على أنها السيد المنتصر، وصاحب العظمة القادم.
واختتم شعبان: إن ما يحدث من الإعلام يدل على عدم المسئولية الوطنية، والانحطاط المهني، على حساب المصلحة العليا للوطن، وخاصة إنه يخاطب شعب أمي محدود الثقافة، فهو يشكل تفكيره ومرجعيته السياسية، وهو ما يحتاج أن يكون هناك معالجة وتقييم لنقاط الضعف وكشف الأخطاء الموجودة، فلا ينبغي أن يتم الاحتفاء بالعناصر الإسلامية التي مازالت أيديها ملوثة بالدماء، لأن الخاسر الوحيد هنا هو مصر.
لفت نظر
وهنا يختلف "صلاح عيسى" -رئيس تحرير جريدة القاهرة- قائلا: تناول الإعلام لكافة التيارات والقوى السياسية المختلفة مطلوب في الوقت الحالي، وتقديم أصحاب هذه التيارات إلى العامة، وخاصة إذا كانت غير معلومة للقارىء أو المشاهد، ولابد أن يعرف الناس كيف يفكر هؤلاء الناس.
وأضاف عيسى: في الوقت الحالي ليس مطلوبًا أن يكون هناك تعتيم إعلامي، ولكن لابد أن يكون إعلام يستند إلى تحليل المادة المطروحة، والتي يتصور البعض أنها مصدر إزعاج أو ترويج لفكر معين، ولكن هنا يكون الإعلام مقدم للمعلومة وليس مروجًا أو لافتًا النظر لفكر معين، بل العكس يقوم الإعلام هنا بدور لفت النظر إلى انزعاج الناس من أفكار معينة، لمحاولة خلق حالة من التفكير وليس الانزعاج.
إعلام شمولي
في حين يرى المفكر الليبرالي "أمين المهدي" أن الإعلام المصري، سواء كان خاصًا أو عامًا هو إعلام دولة شمولية مركزية، تأسس منذ ثورة 23 يوليو 1952.
وعن الوضع الراهن قال المهدي: إن ثورة 25 يناير حدثت في الشارع ولكنها لم تحدث على مستوى الدولة أو المسئولين، وخاصة أن تركيبة مصر السياسية والاجتماعية مازالت موجودة، وكما هو الحال بالنسبة للإعلام استمر كقوقع مجوف "ليس له توجيهات للقارئ" وإنما يكون لأي قوة يراد لها مركزية، من خلال الاحتلال الفكري للإعلام، وهو مازال موجودًا حتى عقب ثورة 25 يناير.
ويضيف المهدى: إن ما يحدث الآن هو ارتداد للخلف، حيث يرجع الإعلام ويستغل فراغ الدولة ويقوم بتحالف جديد، أمني– أصولي، كما أن الجيش ليس بعيدًا عن المشهد، وهو ما وضح في الخطاب الأصولي، واتساعه في الصحف.
ويستشهد المهدي بلجنة تعديل الدستور، كانعكاس لحالة الإعلام في مصر قائلا: لقد جاءت لجنة تعديل الدستور متأسلمة، حتى عندما اختاروا مسيحيًا جاء "قسيسًا" وليس بشكل تكنوقراطي، حيث كان مستشارًا وأصبح قسيسًا، وهذا يدل أن الإعلام هو امتداد لحالة عامة موجودة في مصر، بالوقت الحالي، هذا إضافة إلى ترقب القوى الإقليمية المحيطة كالسعودية، والفكر الوهابي الذي يرى أن مصر هي خط دفاعها الأول، وهذه الأنظمة هي المستفيد الوحيد مما يحدث بمصر، لأنها تترقب وتتابع ما يحدث لأنه يحدد مصيرها.
ويستطرد المهدي قائلاً: حالة الفراغ السياسي في مصر ستسمح للقوى الإقليمية بالاستفادة مما يحدث، وتحول الدولة إلى دولة دينية، والتي ستصبح مرتعًا للجماعات الإسلامية والسلفية، وفلول الحزب الوطني، وجهاز أمن الدولة الذي يتضرر من الدولة المدنية.
الإعلام الحديث
ويرى المهدي أن الحلول لمواجهة ما يحدث، هو قيام الثورة بمواجهة ذلك، من خلال استخدام وسائل الإعلام الحديثة، مثل الإنترنت، والتي تحولت إلى منابر للقوى المعارضة، والتي عليها أن تتوسع في استخدامها، للوصول إلى قاعدة عريضة من الشارع، حتى تقف حائلاً ضد أجهزة الإعلام الشمولية المتحولة حسب السيد الجديد.
ويهيب المهدي بالشارع أن يستيقظ، ويعي أن الخطاب الديني أصبح يبعد الناس عن الواقع، حيث أصبحت السلطة الدينية هي أغلبية تاريخية فقط، في حين يكون الخطاب المدني والدولة المدنية أغلبية سياسية تكون مرجعيتها مدنية.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com