احتمال سيطرة التعصب على الدولة، لا تدعمه قوة الإسلام السياسى بل ضعف المعارضة الثورية. والإنذارات التى يصدرها السلفيون إنذارا تلو الآخر، ليست إلا محاولة لبث الرعب فى صفوف معارضة يرونها ضعيفة ويريدون تحطيم معنوياتها. أصدروا هذا الأسبوع إنذارين، أولهما المطالبة بفصل أستاذ أزهرى بحجة أنه علمانى خطير، والثانى تعيين واحد منهم ليؤم الصلاة فى جمعة التطهير بميدان التحرير.
آن الأوان لأن نتحدث عن خطايا الثورة، ولكل ثورة خطاياها. احتجاج محدود تطور برد الفعل إلى ثورة. تطور سريع لم يتح فرصة لتنظيم الصفوف ولاتفاق على الأهداف واختيار قيادة بناء على ذلك. هكذا حدث فراغ سياسى تتمدد الجماعات المنظمة لملئه قبل أن ينظم الثوار صفوفهم. وسنغفر لأبنائنا أنهم فعلوا هذا بحسن نية، ولا أظن أننا سنغفر لأنفسنا أننا لم نستطع إعدادهم مسبقا لمثل هذه المواجهة، ونحن أنفسنا لم نكن مستعدين، وأظننا ما زلنا غير مستعدين.
خبراتنا قديمة، ومهما قيل عنها فهى لم تكن ترقى إلى مستوى جدير بصنع ثورة. كنا غالبا ما نصف حالة التراخى والسلبية بأنها حكمة وروية، فى مواجهة نظام غير أخلاقى، يفرض حالة الطوارئ وقوانينها الاستثنائية، ويضع خطوطا حمراء لا يسمح بتجاوزها. بهذا المنطق بررت الأحزاب التقليدية ضعفها، وحصرت أنشطتها فى الكتابة فى صحفها، وإدارة المناقشات وعقد الاجتماعات الاحتجاجية داخل مقراتها.
فى المقابل لم يكن السلفيون والإخوان قابعين فى مقراتهم، رسمية أو غير رسمية، بل كانوا فى الشارع. ولم يغرقوا فى أوهام المنافسة الشريفة فى ظل ديموقراطية يعرف الجميع أنها على الأقل ناقصة. وبذلك أمكن لتلك التيارات الدينية أن تصبح قوة سياسية، برغم أن السلفيين كانوا دائما بعيدين رسميا عن السياسة، ورغم أن الإخوان وسائر جماعات الإسلام السياسى تلقوا معظم الضربات الأمنية فى الأعوام الثلاثين الأخيرة. لا داعى لأن ندفن رؤوسنا فى الرمال، وعلينا أن نعالج عيوبنا بدلا من حسابات الخوف من الخطر الآتى.
العيوب كثيرة، على رأسها أن قيادات التيارات العلمانية أثبتت أنها ليست ديموقراطية بالقدر الذى تدعيه. أدانت توريث السلطة وهى فيما بينها تمارس ذلك التوريث، ومن قادتها من بقى فى موقعه أطول مما بقيت القيادات التى أسقطتها الثورة. وهى تنظر للماضى أكثر مما تنظر للمستقبل، وترفع حتى الآن شعارات عامة لا تصلح للتطبيق العملى. وهكذا لا ينقص العلمانية مناخ ديمقراطى قومى، بقدر ما ينقصها بناء ذلك المناخ فى منظماتها.
فضلا عن هذا يحتاج العلمانيون إلى تغيير كيفى فى مناهج عملهم، لكى يصل تأثيرهم إلى نسبة كبيرة من الناخبين الذين ما زالوا عازفين عن الذهاب لصناديق الاقتراع. لم تتعد نسبة من شاركوا فى الاستفتاء الأخير 43% من مجموع الناخبين. ولم تتميز هذه النسبة بالوعى الكافى والتنظيم الجيد، وكان معظمهم فى حيرة هل يقولون نعم أم لا. وبهذا التردد وتلك الحيرة كان باستطاعة حركات الإسلام السياسى مخاطبتهم والتأثير عليهم، وهم ليسوا بالضرورة من أنصارها.
كيف يستطيع العلمانيون أن يمارسوا تأثيرا مماثلا؟ عليهم أن يكتشفوا ذلك، وما لم يفعلوا فليس لهم أن يلوموا أحدا. الذين لا يشاركون فى الاقتراع نسبتهم 57% من الناخبين، ولو كانوا مع الإخوان أو السلفيين لصوتوا معهم. وأظنهم أمناء مع أنفسهم، فهم لا يشاركون لأن أحدا لم يقنعهم، لكن ابتعادهم هذا يعطى للإسلام السياسى أغلبية كاسحة. والمطلوب قراءة جديدة للواقع وأساليب جديدة للتعامل معه. والابتكار مطلوب فى السياسة مثلما هو مطلوب فى الاقتصاد. والانتصار على التعصب لن يكون نزهة يستمتع بها الناشطون.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com