بقلم: الأب القمص أفرايم الأورشليمى
ما بين نور البصر والبصيرة..
- الله نور وساكن في النور وتسبحة ملائكة النور، ويريد لنا أن نحيا في النور وبقدر ما نقترب من الله نستنير ونعرف الحق والحق يحررنا. لقد جاء النور الحقيقى إلى العالم يسوع المسيح ربنا "كلمة الله المتجسد" لكي ما يعلن لنا ذاته "ثم كلمهم يسوع أيضًا قائلا أنا هو نور العالم من يتبعني فلا يمشي في الظلمة بل يكون له نور الحياة" (يو 8 : 12) وهذا ما أعلنه لنا إشعياء النبى قبل ما يزيد من سبعمائة سنة من التجسد الإلهي "قومي استنيري لأنه قد جاء نورك و مجد الرب أشرق عليك " (اش 60 : 1) وتنبأ ذلك النبي بالروح قائلًا “ولكن يعطيكم السيد نفسه آية ها العذراء تحبل وتلد ابنا و تدعو اسمه عمانوئيل” (اش 7 : 14). لقد كان التجسد الإلهى رسالة محبة واستنارة ومعرفة لله لكل إنسان . جاء السيد المسيح ليهبنا نعمة الإيمان، كنور يشرق فى القلب والفكر والروح. ولكي ما يعطى الخطاة التوبة والرجوع من عالم الظلمة الى عالم النور. أقترب الله الينا لكى ما نستنير بتعاليمه ونعرف محبته وأبوته ولكى ما تكون لنا تعاليمه ووصاياه نور لحياتنا وطرقنا ولكي ما نتعلم منه كيف نسلك مع بعضنا بالمحبة والرحمة والعدل والحق فنكون أبناء نور ومن ثم نكون وارثين للملكوت السماوى في النور.
- إن كثيرين يا أحبائي ممن يدعُون أنهم مبصرين ويحيوا في النور هم في الحقيقة عميان يتخبطون في الجهل ويحيون في ظلام الفكر، ولم يعرفوا الله ولا نور الإيمان به من أجل ذلك قال المخلص “لدينونة أتيت أنا إلى هذا العالم حتى يبصر الذين لا يبصرون و يعمى الذين يبصرون. فسمع هذا الذين كانوا معه من الفريسيين وقالوا له ألعلنا نحن أيضًا عميان. قال لهم يسوع لو كنتم عميانا لما كانت لكم خطية ولكن الآن تقولون أننا نبصر فخطيتكم باقية” (يو 39:9- 41) قال هذا بعد أن صنع طينًا وطلى به عيني المولود أعمى فأبصر. وكان ذلك فى يوم سبت. فحاكم الفريسيين المولود أعمى كيف يشفى فى السبت؟ ولا يجوز أن يمارس المسيح عملًا فيه؟ وقالوا عن السيد أنه كاسر للسبت وخاطئ! أجاب الرجل وقال لهم أن في هذا عجبا أنكم لستم تعلمون من أين هو وقد فتح عيني. ونعلم أن الله لا يسمع للخطاة، ولكن إن كان احد يتقي الله و يفعل مشيئته فلهذا يسمع. منذ الدهر لم يسمع أن أحدًا فتح عيني مولود أعمى. لو لم يكن هذا من الله لم يقدر أن يفعل شيئا” يو 30:9-33.
- أصر هؤلاء العميان على إدانة النور وأتوا بالمولود أعمى الذي شفاه الرب يسوع ثانية وأردوا منه أن ينكر المعجزة ويتبرأ من المخلص وعمله العجيب “ فدعوا ثانية الانسان الذي كان أعمى و قالوا له اعط مجدًا لله نحن نعلم أن هذا الانسان خاطئ. فاجاب ذاك و قال أخاطئ هو لست أعلم إنما أعلم شيئًا واحدًا أني كنت أعمى و الآن أبصر” يو 24:-25. لم يكن هذا هجوم من الرجل على الرب بقدر ما هو أثبات عملى على قدرته على الشفاء. نحن نقرأ هذا الإنجيل في أحد التناصير الذى نعطى فيه سر العماد للمقبلين على الإيمان المسيحى لنعلن أن المعمودية من الماء والروح تعطى بصيرة روحية للمعمدين ليكونوا أبناء النور ويلبسوا حللًا بيضاء وشموع مضئية في أيديهم ليسيروا كابناء النور، ويبعدوا عن عالم الخطية والظلمة ويصبحوا وارثي ملكوت النور.
التدرج في معرفة النور الحقيقى..
- إن الله يريد ان يعلن لنا ذاته ويكشف لنا عن نوره ومحبته وأسرار ملكوته ويبحث عن العميان ليفتح عيون قلوبهم ليعرفوه. إن النور من طبيعته الإنارة والمحبة طبيعتها حب والله يدعونا للإيمان والسير في النور “ما دام لكم النور آمنوا بالنور لتصيروا أبناء النور“ (يو 12 : 36). هكذا جاء السيد المسيح إلى أورشليم إلى الأعمى ودون أن يطلب منه الأعمى الشفاء لكنه رأى فيه الاستعداد للإيمان والشهادة للنور “وأُسير العمي في طريق لم يعرفوها في مسالك لم يدروها أمشيهم أجعل الظلمة أمامهم نورًا و المعوجات مستقيمة هذه الأمور أفعلها و لا أتركهم” (اش 42 : 16) وهذا المولود أعمى ربما لم يكن سمع عن يسوع من قبل، جاء إليه السيد وصنع طينًا ووضعه على عينيه وأمره أن يذهب ليغتسل فى بركة "سلوام" فأظهر الأعمى طاعة وإيمانًا وذهب واغتسل فعاد بصيرًا وعندما سألوه عن من شفاه قال “فقالوا له كيف انفتحت عيناك. أجاب ذاك و قال إنسان يقال له يسوع صنع طينا وطلى عيني و قال لي اذهب إلى بركة سلوام و اغتسل فمضيت واغتسلت فأبصرت” يو 10:9،-11. كان هذا بدء معرفة بالسيد المسيح ولكنه أخذ يفكر ويتأمل ويبحث وعندما ساله الفريسيين محاولين أن يدينوا المخلص “فسأله الفريسيون أيضًا كيف أبصر فقال لهم وضع طينا على عيني واغتسلت فأنا أبصر. فقال قوم من الفريسيين هذا الإنسان ليس من الله لأنه لا يحفظ السبت آخرين قالوا كيف يقدر إنسان خاطئ أيعمل مثل هذه الآيات وكان بينهم انشقاق. قالوا أيضًا للأعمى ماذا تقول أنت عنه من حيث أنه فتح عينيك فقال أنه نبي” يو15:9-17. نعم ارتفع إلى مرتبة أعلى في المعرفة، فعندما جاء السيد المسيح على الأرض أخذ جسدًا وصار إنسانًا مثلنا لكن بغير خطية “والكلمة صار جسدًا وحل بيننا ورأينا مجده مجدًا كما لوحيد من الاب مملوءً نعمة وحقًا” (يو 1 : 14) ثم كان من أحد أعماله "النبوة" جاء يعلن لنا إرادة الآب السماوي ويعرفنا لأسرار ملكوته السماوي “لكي يتم ما قيل بالنبي القائل سأفتح بأمثال فمي وأنطق بمكتومات منذ تأسيس العالم” (مت 13 : 35).
- وعندما زاد هجوم الفريسيين على المخلص وأحضروا أهل المولود أعمى وسألوهم أهذا ابنكم الذي تقولون أنه ولد أعمى وكيف أبصر قال أبواه نعلم أن هذا ابننا وأنه ولد أعمى أما كيف أبصر فلا نعلم؟ قالا هذا خوفًا من اليهود لأنهم قالوا أنه إن اعترف أحد ببسوع أنه المسيح يخرجوه من المجمع لذلك قالا “هو كامل السن اسألوه“ فأحضرا المولود أعمى وقالوا له اعط مجدًا لله. لقد قدموه للمحاكمة وسيطرد من المجمع ويحرم من كافة حقوقه كيهودى، هنا رأينا الأعمى يجاوب فى شجاعة أن يسوع من الله “ أجاب الرجل و قال لهم إن في هذا عجبًا أنكم لستم تعلمون من أين هو و قد فتح عيني. و نعلم أن الله لا يسمع للخطاة و لكن إن كان أحد يتقي الله و يفعل مشيئته فلهذا يسمع. منذ الدهر لم يسمع أن أحدًا فتح عيني مولود أعمى. لو لم يكن هذا من الله لم يقدر أن يفعل شيئًا” يو30:9-33. نعم قد يسمع الله للخاطى عندما يرجع بالتوبة إالله ويقبله أما أن يفتح أعين العميان ويقيم الأموات من القبور ويشفى البرص والعرج والعسم ويخرج الشياطين فلابد أنه يكون من الله. لكن الإنسان المصر على عماه والذى يرفض النور فسيحيا فى الظلام إلى منتهى الدهور.
- حكم الفريسيين على الرجل وأخرجوه من المجمع فبحث عنه السيد المسيح وضمه الى حظيرته “ فسمع يسوع أنهم أخرجوه خارجا فوجده و قال له أتؤمن بابن الله. أجاب ذاك و قال من هو يا سيد لأومن به. فقال له يسوع قد رأيته والذي يتكلم معك هو هو. فقال أؤمن يا سيد وسجد له “ يو 35:9-38. نعم قِبل المخلص اعتراف وسجود المولود أعمى بل ودعاه إليه لأنه “ ليس أحد يقدر أن يقول يسوع رب الا بالروح القدس” (1كو 12 : 3). ونحن أخذنا روح التبنى بالمعمودية التى بها نؤمن بإله واحد "كائنا بذاته ناطق بكلمته وحى بروحه القدوس" وهذا ما نؤمن ونبشر ونكرز به “ فاذهبوا و تلمذوا جميع الامم و عمدوهم باسم الاب و الابن و الروح القدس. و علموهم ان يحفظوا جميع ما اوصيتكم به و ها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر آمين” مت 19:28-20. لأن الذي يشهد في السماء “فإن الذين يشهدون في السماء هم ثلاثة الآب والكلمة والروح القدس وهؤلاء الثلاثة هم واحد” (1يو 5 : 7). “من آمن واعتمد خلص ومن لم يؤمن يدن” (مر 16 : 16). ونحن واثقين بمن نؤمن وعالمين أنه قادر على رعايتنا وقيادتنا لنكون له أبناء وخدام لملكوته السماوي في نوره العجيب “الله لم يعطنا روح الفشل بل روح القوة و المحبة والنصح. فلا تخجل بشهادة ربنا و لا بي أنا أسيره بل اشترك في احتمال المشقات لأجل الإنجيل بحسب قوة الله. الذي خلصنا و دعانا دعوة مقدسة لا بمقتضى اعمالنا بل بمقتضى القصد و النعمة التي اعطيت لنا في المسيح يسوع قبل الازمنة الازلية. و انما اظهرت الان بظهور مخلصنا يسوع المسيح الذي أبطل الموت وأنار الحياة والخلود بواسطة الإنجيل. الذي جعلت أنا له كارزًا ورسولاً و معلمًا للأمم. لهذا السبب أحتمل هذه الأمور أيضا لكنني لست أخجل لأنني عالم بمن آمنت و موقن أنه قادر أن يحفظ وديعتي إلى ذلك اليوم “.2 تيمو 7:1-12.
آمنوا بالنور وسيروا فيه...
- جاء المسيح يسوع نورا للعالم ومن يؤمن به يحيا فى النور ويسير فى النور ويكون له نور ابديًا ليرث الملكوت السماوى ويكون كملائكة النور “ في البدء كان الكلمة و الكلمة كان عند الله و كان الكلمة الله. هذا كان في البدء عند الله. كل شيء به كان و بغيره لم يكن شيء مما كان. فيه كانت الحياة و الحياة كانت نور الناس. و النور يضيء في الظلمة و الظلمة لم تدركه. كان انسان مرسل من الله اسمه يوحنا. هذا جاء للشهادة ليشهد للنور لكي يؤمن الكل بواسطته.لم يكن هو النور بل ليشهد للنور.كان النور الحقيقي الذي ينير كل انسان اتيا الى العالم.كان في العالم و كون العالم به و لم يعرفه العالم. الى خاصته جاء و خاصته لم تقبله.و اما كل الذين قبلوه فاعطاهم سلطانا ان يصيروا اولاد الله اي المؤمنون باسمه.الذين ولدوا ليس من دم و لا من مشيئة جسد و لا من مشيئة رجل بل من الله. و الكلمة صار جسدا و حل بيننا و راينا مجده مجدا كما لوحيد من الاب مملوءا نعمة و حقا”.يو1:1-14
- علينا ان نسلك فى النور ونتوب عن الخطايا والذنوب “ و هذه هي الدينونة ان النور قد جاء الى العالم و احب الناس الظلمة اكثر من النور لان اعمالهم كانت شريرة لان كل من يعمل السيات يبغض النور و لا ياتي الى النور لئلا توبخ اعماله و اما من يفعل الحق فيقبل الى النور لكي تظهر اعماله انها بالله معمولة (يو 3 : 19- 21). فالايمان نور نشكر الله عليه ونحياه “ شاكرين الاب الذي اهلنا لشركة ميراث القديسين في النور (كو 1 : 12) وكلام الله نور نهتدى به فالوصية مصباح والشريعة نور وسراجًا لارجلنا وسلاح لنا للنصرة على قوات الظلمة “ قد تناهى الليل و تقارب النهار فلنخلع اعمال الظلمة و نلبس اسلحة النور” (رو 13 : 12). وكلما ثبتنا فى الله ومحبته نثبت فى النور ونكون نورا “ انتم نور العالم لا يمكن ان تخفى مدينة موضوعة على جبل.و لا يوقدون سراجا و يضعونه تحت المكيال بل على المنارة فيضيء لجميع الذين في البيت. فليضئ نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا اعمالكم الحسنة و يمجدوا اباكم الذي في السماوات” مت 14:5-16.
أنت يالله تنير ظلمتى
لقد دعوتنا للإيمان بك ولكى نحيا فى نور الإيمان بك فانر يارب ظلمة حياتنا بنورك العجيب ولا تدع ظلمة هذا العالم الشرير تقوى علينا بل لتنير عيوننا و قلوبنا وافكرنا واروحنا بنور معرفتك فنحيا نور الإيمان ونشهد له باعمالنا واقوالنا وحياتنا.
يامن بحثت على المولود أعمى قديما ووهبت له نور البصر والبصيرة، أنت هو أمس واليوم وإلى الأبد فابحث يارب عن العميان والضالين يامن بنوره أهتدى شاول المقاوم وصار كارزًا بنورك العجيب، أهدى يارب كل النفوس ليعرفوك ويحيوا فى النور.
لتكن كلماتك نورًا فى قلوبنا وهاديًا لسلوكنا وسلامًا فى حياتنا وعندما تهاجمنا قوات الظلمة فلتكن كلماتك سلاح الغلبة الذى ننتصر به على كل الأعداء.
ايها الرب الاله الذى أحبنا وجاء ليعلن لنا نور محبته وخلاصه لا تدع موت ظلمة الخطية يقوى علينا ولا على كل شعبك بل كن نورًا دائمًا لحياتنا وعندما تأتي ساعة انطلاقنا إلى السماء فلترافقنا ملائكة النور لنحيا نور الملكوت السماوى فى النور.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com