يواجه الرئيس المصري السابق حسني مبارك وأبناؤه والعديد من أفراد نظام حكمه تهماً تتعلق بالفساد والتربح الوظيفي. غير أن أخطر تلك التهم هي تهمة قتل المتظاهرين والتحريض على قتل آخرين، حيث تصل العقوبة فيها للإعدام شنقاً. وتعيد تلك الأزمة الصعبة الحديث عن أخطر سبعة أزمات واجهها مبارك في حياته.
الرئيس المصري السابق حسني مبارك
لم يخطر ببال الرئيس المصري السابق حسني مبارك أنه سوف يجبر على ترك الحكم من خلال ثورة شعبية استمرت 18 يوماً فقط، رغم أنه حكم البلاد بالحديد والنار لنحو 30 عاماً. ولم يتخيل يوماً أن يكون مصيره السجن، هو وأفراد أسرته وأصهاره وأركان نظام حكمه.
لم يكن مبارك الذي كان يرى في نفسه بطل الحرب والسلام، ليتخيل أن تكون نهايته بهذه الطريقة المذلة والمهينة. ولم يكن ليدرك وهو الرئيس الرابع بعد ثورة 23 يوليو 1952 التي كانت الأقرب لإنقلاب عسكري، أن يطاح به في ثورة شعبية، وهو من كان لا يقيم أي وزن للشعب، مادام يأمن جانب الجيش والولايات المتحدة الأمريكية.
تعرض مبارك للعديد من الأزمات منذ أن تولى حكم مصر في 14 أكتوبر 1981، بعد اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات أثناء الإحتفال بذكرى الإنتصار في حرب السادس من أكتوبر 1973، واستطاع التغلب عليها. غير أن أصعب تلك الأزمات هي ثورة 25 يناير، التي أزاحته من على كرسي الحكم، وقضت على أحلام نجله الأصغر جمال في خلافته، وزجت بهم للسجن، حيث يواجهون شبح التأرحج على حبل المشنقة، وهو المصير نفسه الذي تعرض له الرئيس العراقي صدام حسين، ولكن هذه المرة بأيدي شعبه، وليس بأيدي الأمريكيين.
إنتفاضة الأمن المركزي
بدأت أول وأشد الأزمات بعد خمسة أعوام من توليه مقاليد الأمور، حيث أندفع عشرات الآلاف من جنود الأمن المركزي للشوارع، يكسرون ويحطمون كل ما يتصادف وجوده أمامهم، وذلك إحتجاجاً على تردي أوضاعهم، وسريان شائعة تزعم مد خدمتهم في قوات الأمن إلى خمسة أعوام بدلاً من ثلاثة. وبدأت "انتفاضة جنود الأمن المركزي"، كما تعرف في الكتابات التاريخية، في 25 فبراير من العام 1986، وتصدى مبارك بكل قسوة لتلك الإنتفاضة، حيث أصدر قراراً بحظر التجوال، وأمر بنزول قوات الجيش للشوارع.
وأسفرت تلك الأحداث عن سقوط 107 قتلى و719 جريحاً، منهم 104 قتيلاً من جنود الأمن المركزي، وصدرت أحكام بالإعدام بشأن بعضهم. وتم تسريح 21 ألف جندي، فضلاً على إعتقال عشرات الآلاف من أفراد أسرهم، وحرمانهم من الإلتحاق بالكليات العسكرية أو كلية الشرطة، أو الإلتحاق بالوظائف المهمة في وزارات البترول أو الأوقاف أو الإعلام أو المؤسسات السيادية حتى الآن.
ورغم أن مبارك كان حديث العهد بحكم مصر، ورغم أنه تعهد باقرار الديمقراطية، إلا أن أحداً من أحزاب المعارضة لم تستطيع أنتقاده في أستخدام القوة المفرطة ضد هؤلاء البسطاء، بل وصل الأمر إلى حد مباركة أستخدام تلك القوة من أحزاب المعارضة الرئيسية، وهي الوفد، والتجمع، والعمل، والأحرار، التي أعربت عن استنكارها للانتفاضة الأمن المركزي، وتأييدها لسياسة النظام في مواجهة مثل تلك الأحداث.
عودة شبح الإخوان
في العام التالي مباشرة، واجه مبارك أزمة جديدة، ولكنها أزمة سياسية، تنبيء بأن نظام حكمه صار في مرمي الخطر من تيار الإسلام السياسي الذي تمثله جماعة الإخوان المسلمون، تلك الجماعة التي أغتالت رئيس وزراء مصر في عهد الملك فاروق، وخرجت من تحت عباءتها الجماعة الإسلامية التي خططت ونفذت جريمة إغتيال سلفه الرئيس السادات، وتمثل موضع الخطر في فوز تلك الجماعة بعد التحالف مع حزبي الأحرار والعمل ب 56 مقعداً، وكانت القوى الساسية الثانية في البرلمان بعد الحزب الوطني الحاكم. وواجه مبارك تلك الأزمة بالكثير من الخطط السياسية والأمنية التي هدفت إلى ضرب الجماعة في مقتل، من خلال اعتقال أفرادها وقياداتها وضرب البنية التحتية لها، وإحالتهم للمحاكمات العسكرية، وهي الخطط التي ظل حريصاً على تنفيذها حتى الرمق الأخير لنظام حكمه.
الإرهاب
كان الإرهاب أخطر الأزمات التي واجهها مبارك طوال سنوات حكمه لمصر، والذي برز بقوة في 12 أكتوبر من العام 1990، حيث تعرض الدكتور رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب الأسبق للإغتيال بالقرب من ميدان التحرير وسط القاهرة. وأقيل على إثر هذا الحادث وزير الداخلية عبد الحليم موسى من منصبه، وتعرض الراحل الدكتور عاطف صدقي رئيس الوزراء الأسبق لمحاولة إغتيال عبر تفجير قنبلة عن بعد أثناء مرور موكبه بالقرب من مدرسة، وذلك في العام 1993. كما تعرض صفوت الشريف رئيس مجلس الشورى السابق، لمحاولة اغتيال ايضاً في العام نفسه عندما كان وزيراً للإعلام.
محاولات الإغتيال
غير أن أخطر العمليات الإرهابية تلك التي استهدفت مبارك شخصياً، حيث تعرض لمحاولة إغتيال في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا في 26 يونيو 1995، قبيل مشاركته في القمة الأفريقية الحادية والثلاثين، كان لهذا الحادث دلالات عديدة، فيها الإيجابي والسلبي. الإيجابي، قضى بالكشف عن حب المصريين لرئيسهم، حيث خرجت جموعهم للشوارع غاضبة وحزينة، وساخطة على الإرهاب الذي يتربص بهم في الداخل والخارج، لكنه لم يستثمر هذا الحب في العمل على تنمية البلاد بما يعود على شعبها بالرخاء وتوفير فرص العمل. بل قابل الحب بالجحود، وبدأ في خصخصة الشركات الكبرى المملوكة للدولة، وبيعها بثمن بخس لرجال الأعمال المقربين منه.
واتسعت الهوة بين الفقراء والأغنياء، وتم تشريد ملايين العمال من تلك الشركات، وارتفعت معدلات البطالة بشكل مزعج، وتفشت حالات إنتحار الرجال، نظراً للعجز عن توفير متطلبات المعيشة لأسرهم، و ازدادت معدلات الهجرة غير الشرعية لأوروبا عبر البحر المتوسط، والتي راح ضحيتها الآلاف من الشباب المصريين.
كما تعرض مبارك في 6 سبتمبر من العام 1999، لمحاولة إغتيال في مدينة بورسعيد، وقيل إن من قام بالمحاولة شخص من أبناء المدينة، وتعرض للقتل فوراً، حيث أطلق عليه الحراس النار. وأشيع إن ذلك الشخص كان يحاول تقديم مظلة للرئيس السابق، فظن الحراس أنه يحاول إغتياله، فأطلقوا الرصاص عليه. ومنذ ذلك التاريخ صب مبارك جم غضبه على تلك المدينة التي لها تاريخ طويل في مقاومة الإحتلال الإنجليزي وصد العدوان الثلاثي الإسرائيلي الفرنسي البريطاني في العام 1957، حيث ألغى القانون الذي كان يجعل منها منطقة تجارية حرة، وعاني أهلها الذين كانوا يحترفون العمل بالتجارة من الفقر والحاجة.
ضغوط جورج بوش الإبن
ه من الحكام العرب، بدأ مبارك يشعر بالخوف والخطر على نظام حكمه، بعد سقوط العاصمة العراقية بغداد في 9 أبريل من العام 2004، وإختباء الرئيس الراحل صدام حسين في قبو ببلدته تكريت، ثم إلقاء القبض عليه، وتنفيذ حكم الإعدام شنقاً بتاريخ 30 ديسمبر من العام 2006. وهاهو مبارك يواجه المصير نفسه، ولكن على أيدي شعبه، وليس الأمريكيين.
وفي العام 2004، بدأ الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش، يمارس ضغوطاً شديدة على مبارك لإجراء إصلاحات سياسية في مصر، وإصلاح سجلها في مجال حقوق الإنسان. ولم يتورع عن إنتقاد مبارك ونظام حكمه صراحة في العديد من المحافل الدولية. كما مارس ضغوطاً شديدة على مبارك من أجل الإفراج عن المعتقلين، وخصوصاً الدكتور أيمن نور الوصيف الرئاسي لمبارك في أول أنتخابات رئاسية شهدتها مصر وجرت في سبتمبر من العام 2005.
استطاعت ضغوط بوش فتح ثغرات أمام النشطاء السياسيين والحقوقيين والصحفيين في مصر في نظام الحكم الحديدي، حيث ارتفع سقف حرية الرأي والتعبير بالنسبة للصحفيين، وبعد أن كانت الإنتقادات مقتصرة على الوزراء ومسؤولي الهيئات الحكومية، طالت رئيس الوزراء والرئيس نفسه، وأسرته أيضاً، وصار لمنظمات حقوق الإنسان صوت مسموع في الداخل والخارج، وأستطاعت جماعة الإخوان المسلمين الفوز ب88 مقعداً في أنتخابات مجلس الشعب 2005. وتوترت العلاقات بين مصر وأمريكا على مدار ثماني سنوات، لم يزور مبارك واشنطن فيها مرة واحدة، رغم أن منذ أن تولى الحكم، كان قد تعود زيارتها سنوياً.
المسمار الأخير
كانت الضغوط الأمريكية، بالإضافة إلى الضغوط الداخلية، التي صارت قوة لا يستهان بها، لاسيما مع التقدم التكنولوجي، هي المسمار الأول في نعش نظام حكم الرئيس مبارك. بينما تكفل نجله الأصغر جمال الذي كان يطمع في الوصول لكرسي الرئاسة بدق المسمار الأخير.
و شهدت الإنتخابات النيابية والرئاسية في العام 2005، صعود نجم جمال مبارك، وانفراده بإدارة الشؤون الداخلية للبلاد في ظل إعتلال صحة والده. ووجد مجموعة من رجال الأعمال والسياسيون الطامعون في السلطة ضالتهم في جمال. فاحتشدوا حوله، وزينوا له ما يرغب فيه، وجعلوه سهلاً، ومهدوا لمشروع الثوريث بشتي الطرق، حتى بات الأمر مجرد وقت ليس أكثر. وفي المقابل غض مبارك ونجله الطرف عن فساد هؤلاء.
وسخّر مبارك ونجله كافة إمكانيات الدولة لإتمام هذا المشروع، وخاصة الأجهزة الأمنية، وتحديداً جهاز أمن الدولة، وأطلق يده في التعذيب والإعتقال وتغلغل في كافة مناحي الحياة وصار يعد على المصريين أنفاسهم. وتتجلى خطورة ذلك في تصريح اللواء على سامح مساعد وزير الداخلية ونائب رئيس جهاز مباحث أمن الدولة الأسبق في وسائل الإعلام بعد سقوط مبارك، حيث قال إن جهاز أمن الدولة تغلغل في شتى مؤسسات الدولة عندما بدأ الإعداد لمشروع التوريث.
وأشار إلى أن محافظة القاهرة وحدها كانت تضم 10 مكاتب فرعية، بالإضافة للمكاتب الموجودة فى أقسام الشرطة، ومؤسسة الأهرام الصحفية، والتليفزيون، والفنادق، والوزارات، والشركات، والنقابات، والمساجد والكنائس، وغيرها من المؤسسات. وقال نصاً "يعنى بالبلدى كده، دخلوا أمن الدولة حتى فى غرف النوم"، مؤكداً أن ذلك كان يتم بالتنسيق بين المشرفين على مشروع التوريث، فى حين أن أي قضية أخرى، كانت تهم المواطن يتم تجاهلها تماماً، لأنها ليست على هوى القيادة السياسية.
25 يناير
كان مبارك ونجله وحاشيتهما يظنون الأمور تسير كما يخططون، إلى أن تعرض الشاب خالد سعيد للموت نتيجة للتعذيب على يد مجموعة من أفراد الشرطة بالإسكندرية في شهر يونيو من العام 2010. وبدأ المصريون سلسلة طويلة من الإحتجاجات في شتى أنحاء البلاد خاصة في مدن القاهرة والإسكندرية والمنصورة والسويس. وتعرض النظام لإنتقادات واسعة من قبل الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية. وماطل نظام حكم مبارك في تقديم المتهمين للمحاكمة، بل حاول العمل على إفلاتهم من القضية عبر الضغط على أسرة الضحية أو إعتقال الناشطين المنادين بمحاكمة المتهمين، وإيقاف التعذيب الذي كان يتم بطريقة ممنهجة في شتى أقسام الشرطة ومقار إحتجاز أمن الدولة.
واطلق بعض النشطاء دعوة للتظاهر ضد التعذيب في 25 يناير يوم الإحتفال بعيد الشرطة، ولقيت الدعوة إستجابات واسعة من قبل الشعب المصري، ونزل عشرات الآلاف من المصريين للشوارع والميادين، وقوبلت المظاهرات بعنف مفرط من قبل الشرطة. وسقط المئات من الشهداء، واستمرت الإحتجاجات السلمية المطالبة برحيل مبارك، لمدة 18 يوماً. وكانت تلك أصعب وآخر أزمة يوجهها مبارك طوال 30عاماً، ولم يستطع الإنتصار عليها، حيث أجبر تحت الضغوط الشعبية على التنحي وتسليم سلطات رئيس الجمهورية للمجلس الأعلى للقوات المسلحة بتاريخ 11 فبراير الماضي.
المحاكمة والإعدام
رغم أن ثورة 25 يناير أسقطت نظام حكمه وقضت على مشروع التوريث، كانت الحدث الأخطر والأصعب في فترة حكمه، حيث قضت على تاريخه العسكري والسياسي. إلا أن مبارك يواجه حالياً ما هو أصعب وأخطر، حيث يتعرض لمحاكمة بتهم تتعلق بالفساد والتربح الوظيفي والإثراء بطرق غير شرعية. والإتهام الأخطر هو التحريض على القتل الذي تصل العقوبة فيه للإعدام، وفقاً للمستشار عبد الحميد السباعي رئيس محكمة سابق.
ويقول الباعي ل"إيلاف" إن قانون العقوبات المصري ينظر إلى تهم التربح الوظيفي والإثراء بطرق غير مشروعة، على أنها إختلاس للمال المال. وتتراوح العقوبة من 3 إلى 15 عاماً سجن مشدداً، أو السجن المؤبد إذا اقترنت الجريمة بإحداث أضرار بالإقتصاد القومي. وأضاف أن قانون العقوبات ينظر إلى الإتهام بالقتل في حالة ثبوته من عدة زوايا.
لأولى: القتل الخطأ وتتراوح العقوبة من 6 أشهر إلى خمسة سنوات، أما القتل العمد فهو نوعان: الأول هو القتل العمد غير المقترن بالإصرار والترصد، وتتراوح العقوبة من السجن 15 عاماً إلى السجن المؤبد.
والثانية: القتل العمد مع سابق الإصرار والترصد، وتكون العقوبة هي الإعدام، ويعاقب القانون المحرض بنفس عقوبة الفاعل. وأوضح أنه إذا ثبت إعطاء مبارك أوامر بإطلاق النار على المتظاهرين خلال الثورة، فإنه يواجه مع حبيب العادلي وزير الداخلية السابق وقيادات الوزارة والضباط الذين نفذوا الأوامر عقوبة الإعدام، لأن توصيف الجريمة هي القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com