بقلم: د.ماجد عزت اسرائيل
2- راغب مفتاح وسيرته الذاتية
ما دامت الأنا حاضرة، فلدى الإنسان ـ أى إنسان ـ ميل فطرى لأن يتحدث عن نفسه، وليس الكاتب بنجوة من هذا الميل الذى يصل به إلى أن يتقنع وراء شخصياته،على أن الكاتب ـ فى أحيان أخرى ـ يفارق قناعه ليتعرى أمام قارئه، فيما يعرف بالسيرة الذاتية، ومع أنها فن قديم فى تراثنا الإنسانى،إلا أن الأمثلة قليلة قبل عصرنا الحديث، ومن بين هذه الأمثلة"اعترافات القديس أوغسطين"
وبرغم أن ذلك الأدب لا يزال شحيحاً فى مجتمعاعتنا العربية، وما زال أيضا محاصراً بتقلدية التناول والابتعاد عن الصراحة والحذر من الانزلاق إلى وقائع بشخصيات معروفة قد تبرز سلبياتها،إلا أن كتب السيرة الذاتية ينظرها القارى بفارغ الصبر ليرى الجانب الخفى من وجوه ساطعة فى مسرح الحياة، وليعشوا خبرات وتجارب عاشها الآخرون.
يبدو أن" السيرة الذاتية لراغب مفتاح" متميزه ومنفرده فى هذا السياق، فمن حس الطالع؛ وجد ضمن الأوراق الخاصه بصاحبنا هذا مقاله كتابها أحد أفراد آل مفتاح يدعى" عبدالله فهيم مفتاح"، تتناول سيرته الذاتية بشىء من الايجاز نوردها كما كتبها، فيقول فهيم:"اسمه راغب حبشى مفتاح، - نشأ فى بيت عائلة مفتاح بالفجالة التى لها تاريخ يمتد لقرابه خمس مائة عام فى خدمة الكنيسة والأمة القبطية، تأثر كثيراً بتاريخ اجداده فحذا حذوهم فأولى كل اهتمامه بموضوع الفن الموسيقى الكنسى – الأمر الذى دعاه بل دفعه إلى الاهتمام بالحفاظ على تراث الموسيقى الكنسى الصوتى، وذلك لقوة روحانيته اذا تردد بدقة وبصوت موهوب".
وبعد دراسة مستفيضة للفنون الموسيقى القبطية، توجه إلى إنجلترا فى مايو 1927 م ،ووفق فى مقابلة المؤلف الموسيقى العالمى Prof Ernest Newlandsmith الأستاذ بالأكاديمية الملكية للموسيقى بمدينة لندن، وتعاقد معه لتدوين ألحان وطقوس الكنيسة القبطية بالنوتة الموسيقية الصوتية، وتكفل بمصروفات السفر والإقامة والإعاشة لمدة تسع سنوات، كان يقضى سبعة أشهر كل سنة فى ذهبية(مركب) على النيل بجاردن سيتى – وقد دون 16 مجلداً بالنوتة الموسيقية لكل طقوس الكنيسة وقداساتها.
وخلال ذات الفترة،بدأ راغب مفتاح العمل فى أول أكتوبر 1928 م، وكانت الخطوة الأولى قيام دكتور راغب مفتاح بمسح شامل فى طول البلاد وعرضها بحثاً عن المعلمين المقتدرين وخاصة الموهوبين صوتا، وأحضرهم الواحد تلو الآخر، واختبرهم البرفيسر "فيولاند سميث" من حيث الأداء الموسيقى ، فوقع الاختيار على المعلم "ميخائيل جرجس البتانونى" معلم كاتدرائية مارمرقس بكلوت بك، الذى حاز تقدير فيولاند سميث من حيث الأداء المميز والوضح حتى اسماه The great master، وكان من بين المعلمين الممتازين المعلم "سلامـه "من المحله الكبرى والمعلم "مجلى" من دمنهور والمعلم "نوس "من بلده بوش والمعلم "توفيق" من الدير المحرق والمعلم "بشاى" بحاره زويله.
صاحبنا هذا أستطاع بعبقريته الموسيقة، وحبه الشديد للحفاظ على تراث الكنيسة القبطية كما هو، حيث جمع ما بين شمال مصر حيث أحضرمعلمين من وسط الدلتا مثل المعلم سلامة ومجلى- للحفاظ على اللهجة القبطية البحرى- ومن جنوب مصر مثل نوس وتوفيق- للحفاظ على اللهجة القبطية القبلى، ومن الوسط من القاهرة وهى ما تجمع ما بين البحرى والقبلى مثل المعلم جرجس البتانونى والمعلم توفيق، وهذا ما يدل على أمناته العلمية وحبه لتراث كنيسته القبطية.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com