انتخاب خليفة بن لادن بـ«بيانات البيعة» بدلا من انعقاد «مجلس شورى القاعدة»
لقي تنظيم القاعدة ضربة موجعة بمقتل زعيمه أسامة بن لادن في عملية عسكرية أميركية، والسؤال المطروح اليوم هو من يخلف بن لادن في زعامة التنظيم الإرهابي؟ ويبدو أن أيمن الظواهري، الرجل الثاني في «القاعدة»، هو الأوفر حظا لتولي الزعامة، بحسب مجموعة من الخبراء في مسائل الإرهاب.
أيمن الظواهري، وسيف العدل، وأنور العولقي، وأبو يحيى الليبي، قياديون بارزون في تنظيم القاعدة، والمرشحون الأقوى لقيادة التنظيم بعد مقتل زعيمه أسامة بن لادن في عملية نفذتها قوة أميركية، في أبوت آباد، المدينة الواقعة شمال إسلام آباد في باكستان.
إلا أن الظواهري يستمد شرعيته في خلافة الزعيم التاريخي لـ«القاعدة» كونه من مؤسسي التنظيم والرجل الثاني في الترتيب بعد بن لادن، يضاف أن قادة «القاعدة» الكبار غابوا عن مسرح الأحداث قتلا وسجنا منذ اندلاع الحرب الأميركية على الإرهاب عام 2001.
ويعتبر أيمن الظواهري عقل التنظيم والمسير الرئيسي لأموره، كما كان من المقربين من بن لادن، وكلها صفات تؤهل الظواهري الذي يتمتع باحترام الأوساط الإسلامية المتطرفة إلى تولي قيادة «القيادة» بعد رحيل رمزها أسامة بن لادن.
إلا أن منتصر الزيات، محامي الأصوليين الذي اقترب من قبل من الظواهري خلال محاكمات قضية الجهاد عام 1981، عقب اغتيال الرئيس المصري الراحل أنور السادات، قال لـ«الشرق الأوسط»: «هذا أمر تنظيمي بالغ الدقة يرتبط بـ(القاعدة)، ولا يستطيع أحد التكهن بطريقة أو شخصية من سيقع عليه الاختيار ليكون خليفة بن لادن.. لكنني كمراقب متخصص أستطيع أن أرصد ملحوظة في هذا الخصوص؛ وهي أن الظواهري دائما ما يفضل أن يكون (رقم 2) أو لديه زهد في تولي الإمارة، هكذا فعل حينما كان يدير شؤون جماعة الجهاد في مصر، وقدم الدكتور سيد إمام ليكون الأمير بينما الدنيا كلها كانت تتعامل على اعتبار أنه الأمير، وهكذا فعل في (القاعدة)، فتقديري أن المحرك الرئيسي لـ(القاعدة) هو الظواهري، تأثيراته في بن لادن كانت واضحة. وتأثيرات الظواهري في تحولات بن لادن من الجهاد الإغاثي وتلقينه فكر الجهاد القتالي أيضا كانت واضحة».
وأوضح الزيات: «أن القيود الأمنية ربما ستمنع أو تؤجل اختيار خليفة بن لادن، لكن سيبقى الظواهري هو المعبر عن (القاعدة) وسيواصل طريقته في القيادة من المقعد (رقم 2)»، وقال: «كنت وما زلت أقول إن الظواهري من بن لادن بمنزلة المخ من الجسد، وسيبقى هكذا، في الفترة القادمة أتوقع أن يصدر بيان يحدد اسم أحد الشخصيات من الجزيرة العربية ليخلف بن لادن كنوع من التقدير والعرفان، لكن ستبقى رمزية الظواهري وسيبقى ممسكا بخيوط (القاعدة)».
ويعيش الظواهري، وهو جراح مصري يبلغ من العمر 59 سنة، في الخفاء منذ اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001، وكان الظواهري من قادة المجموعة الإسلامية المتشددة «الجهاد الإسلامي» في مصر قبل التحاقه بابن لادن في أفغانستان في ثمانينات القرن الماضي. وقد خصصت واشنطن جائزة 25 مليون دولار لكل من يدلي بمعلومات تؤدي إلى إلقاء القبض على الرجل الثاني في تنظيم القاعدة. من جهته يقول الدكتور هاني السباعي، مدير مركز المقريزي للدراسات، لـ«الشرق الأوسط»: «إن تولي الظواهري القيادة أمر مرجح»، ويضيف: «لا أجد اليوم من سيأتي لمنافسة الظواهري على هذا الموقع»، ويرجح سعي الظواهري إلى تنفيذ عملية إرهابية كبرى لطبع بصمته على «القاعدة» وتكريس قيادته للتنظيم.
وأوضح السباعي أن «مجلس شورى التنظيم سيجتمع ويتبادل الرأي بطريقته الخاصة، وعلى الأرجح خلال أسبوع أو 10 أيام سيصدر بيان من (القاعدة)، ينعى بن لادن، ويحدد زعيم التنظيم المقبل»، وقال: «إن الظواهري هو الأكبر سنا بين قادة التنظيم الباقين، والأكثر التزاما بالعمل الجهادي، وهو من مؤسسي التنظيم». وقال الإسلامي المصري السباعي إن أبرز عناصر «القاعدة» كانوا من جماعة الجهاد المصرية مثل أبو عبيدة البنشيري، وأبي حفص المصري (محمد عاطف)، وسيف العدل المسؤول العسكري للتنظيم، وأبو خباب «كيماوي (القاعدة)». إلا أن واحدا من قيادات الأصوليين في باكستان قال عبر الهاتف لـ«الشرق الأوسط»: «من ناحية واقعية وعملية، فإن الرجل الثاني يصير الرجل الأول بعد غياب الرجل الأول، وهذا الأمر يعود إلى مجلس الشورى للتنظيم، يجتمع وإما يقر ويبايع الدكتور أو يختار شخصا آخر، لكن لن يكون الاختيار إلا بعد أن يحدد المجلس ما يريده في المرحلة المقبلة». مشيرا إلى أن: «هناك آلية لاجتماع العدد الأكبر منهم، وقد يعمدون إلى التشاور مع الآخرين بوسيلة أو بأخرى إن لم يتمكنوا من اللقاء المباشر». من جهتها أوضحت مجلة «فورين بوليسي» الأميركية، في مقال نشرته أمس، أنه من الممكن أن يتم الاستغناء عن عملية التصويت لاختيار خليفة لزعيم «القاعدة» بسبب المخاطر الأمنية في هذا الوقت العصيب، فمن الأرجح أن تصدر بيانات البيعة للرجل الثاني، أيمن الظواهري، من قادة «القاعدة» التاريخيين الموجودين في أماكن أخرى، وأضافت المجلة أنه «مع تواتر الحديث عن خليفة بن لادن في زعامة (القاعدة)، تجب الإشارة إلى أن الإجابة تكمن في قواعد ولوائح (مجلس شورى القاعدة)».
وهذه القواعد صاغها وراجعها كبار قادة «القاعدة»، الذين من بينهم من يرغب في خلافة بن لادن الآن. وتحدد هذه القواعد كيف يمكن التعامل مع عملية اختيار المسؤولين في كافة المناصب، وتحدد من ثم من سيتم اختياره لكي يترقى في سلم الزعامة. ويوضح بروتوكول مجلس شورى التنظيم التنظيمي (بحسب النسخ القديمة الموجودة في مركز مكافحة الإرهاب في ويست بوينت)، أن هناك تسلسلا للخلافة. ففي حالة القبض على أو موت «أمير القاعدة»، تنتقل السلطة بصورة آلية إلى نائبه (وهو حاليا أيمن الظواهري)، يلي ذلك إجراء تصويت في مجلس الشورى لتأكيد بقائه في منصبه أو اختيار أمير آخر. فإذا كان حادث القتل أو الاعتقال يشمل الأمير ونائبه، تنتقل السلطة بصورة مؤقتة إلى رئيس مجلس الشورى. ويتشاور المجلس التنفيذي حول الأمير ونائبه، بالإضافة إلى القادة الكبار في «القاعدة»، وعادة أولئك الذين يترأسون أقسام المنظمة، مثل: القسم العسكري، وقسم الأمن، أو الأفرع الإدارية.
ويتداول المراقبون وخبراء التنظيمات الإسلامية، أسماء شخصيات أخرى إلى جانب اسم الظواهري، يمكن أن تخلف بن لادن وتعالج مشكلة القيادة في «القاعدة». ومن هذه الأسماء: سيف العدل، مصري الجنسية وهو مسؤول الفرع العسكري لتنظيم القاعدة، ومطلوب للاشتباه بضلوعه في الاعتداءات ضد السفارات الأميركية في نيروبي ودار السلام عام 1988. كذلك اليمني أنور العولقي، وهو إمام أميركي متطرف ويدعم طروحات «القاعدة» ويدعو إلى الجهاد على الإنترنت، حيث يملك نفوذا واسعا، وبالتالي يمكن أن يخلف بن لادن في قيادة التنظيم. ويعتبر المصري عبد الله أحمد عبد الله (50 عاما)، أيضا من المرشحين لخلافة بن لادن، وهو مشتبه به في مشاركته سيف العدل بتأسيس ونشر تنظيم القاعدة في أفريقيا الشرقية، ومدرج أيضا على لائحة تضم أبرز 22 إرهابيا من المطلوبين من قبل المباحث الفيدرالية الأميركية (إف بي آي).
واستطرد خبراء التنظيمات أن مجلس شورى التنظيم جهاز محدود العدد حاليا، وربما لا يتجاوز عدد أعضائه أصابع اليد الواحدة، على الرغم من أنه كان يصل إلى 10 أعضاء عندما كانت «القاعدة» آمنة في أفغانستان، «ومن بين هؤلاء الأعضاء سيتم اختيار الأمير الجديد إذا تعرض الظواهري ونائبه الجديد إلى القتل أو الاعتقال، أو صار غير مؤهل للقيادة»، ولسبب ما، لم تدفع «القاعدة» بالكثير من القادة الذين تولوا تلك المناصب إلى دائرة الضوء. وفي المقابل، بنت «القاعدة» صورتها حول أولئك الذين يحظون بالحضور الإعلامي ويتمتعون بالشخصية الكاريزمية ويستطيعون أن يجذبوا آخرين للانضمام ويدافعوا في الوقت نفسه، عن «القاعدة» عندما تتعرض للانتقادات.
وقال خبراء التنظيمات الإسلامية أنه منذ أواخر عام 2001، كان مجلس الشورى يتواصل بصورة افتراضية، بعد أن تفرق أعضاؤه على أثر الضربات الجوية الأميركية. فأي تصويت أو قسم بالولاء جرى في تلك الفترة كان يتم بالوكالة إلى مسؤول كبير آخر أو يتم توصيله للقائد عن طريق رسول. وفي حالة قسم الولاء، يمكن أن يتم ذلك عن طريق بيان علني، لكن من المهم ملاحظة أن قسم الولاء الذي يقدمه الأعضاء الجدد يكون لمنصب الأمير لا للشخص نفسه. فبعد وفاة بن لادن تنتقل تلك الولاءات بطريقة آلية إلى الظواهري، على الأقل في المدى المنظور، ومن المحتمل أن يتم تأكيد ذلك في غضون الأسابيع أو الشهور المقبلة.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com