بقلم: د. حمدي الحناوي
نحلم بالنهضة، وسنحقق الحلم بقدر ما ندرك معنى النهضة، والعوامل التى تعطلها. وأهم العوامل قوى تعيش فى الماضى وتحاول إعادتنا إليه، دون أن تدرك معنى الحاضر أو المستقبل أو حتى معنى الوطن. هنا تسيطر آليات دفاع نفسى تدور حول إنكار أسباب التخلف الكامنة فى مجتمعنا، وتدفع فى اتجاه نضال صورى عرفناه كثيرا ولم نكسب من ورائه غير الهزيمة.
تتحدث قوى الماضى عن الأمة بدلا من أن تتحدث عن الوطن، وهذا ليس خطأ بذاته، لكنه حديث حمال أوجه، لا يدور حول الأمة المصرية، بل حول ما يسمى الأمة الإسلامية. هذه أمة وهمية لا وجود لها إلا فى الخيال، ففى عالمنا اليوم أمم من المسلمين، يمكنهم التعاون ولا يمكن دمجهم فى أمة واحدة. وهذا الفهم البدائى لمعنى الأمة يقود إلى عكس طموح أصحابه، إذ يفتح على معبر للهروب من مسئوليات النهضة.
صدعوا رؤوسنا بما لا يملون تكراره من حديث عن عوامل التفتيت، وعن عدو يسمونه الهيمنة الخارجية، وظنهم أن هذا يمكن أن يوحد أمما لم يربط بينها تاريخيا سوى غزو أجنبى باسم الإسلام. وفى النهاية يدركون حجمهم الحقيقى، ويعرفون استحالة تحقيق دعوتهم، فيبحثون عن مهمة أسهل. يفتعلون صراعا مع الآخر، والآخر هنا هو المختلف فى العقيدة. وبهذا المنطق يديرون الصراع ضد أبناء الوطن، لا ضد الأقباط وحدهم، بل ضد كل مسلم خارج معسكرهم، وضد كل النساء. يسمون ذلك جهادا فى سبيل الله، ولو كان يبدد جهود الأمة المصرية ويهدر طاقاتها ويكرس بالتالى تخلفها.
لا يعنيهم من ذلك كله سوى ما يرونه من بطولات وهمية باسم الجهاد، حيث لا يتجاوز خيالهم ما كان يفعل أسلافهم لفتح بلاد "الكفر". وهم من الناحية الفعلية يسعون الآن إلى إعادة فتح مصر. وقد أعلن زعماؤهم منذ نصف قرن أننا فى عصر جاهلية جديدة، يقف فيه الإسلام غريبا كما بدأ. والمأساة أن يطلبوا موافقتنا على إعلان حرب الفتح هذه من خلال صناديق الانتخابات. يلبسون ثياب الديمقراطية، وهم يعرفون أنهم يسعون إلى ديمقراطية المرة الواحدة، فبإعلان الحرب يتغير كل شئ، وتسود شرعية الحرب بدلا من شرعية القانون.
تسمح شرعية الحرب بتصفية الخصوم تصفية جسدية، ولا أقول بلا محاكمة، فالمحاكمة قد تمت ونتائجها الآن معلنة، وهم أنفسهم المدعى والقاضى والسياف. والجهاد مراحل تبدأ باعتلاء العرش، ثم يقسم الخصوم إلى فئات يعالج أمرها فئة بعد أخرى. وإذا سمعنا اليوم حديثا إلى الأقباط أو إلى المرأة بلهجة مصالحة فهو بيان عن الأولويات، وبعد أن فشلوا فى توحيد المسلمين ضد الأقباط والنساء، ربما يقررون مهادنة الفئتين، ليتفرغوا لعدو تستحيل مهادنته. يفترضون أن المسلمين يجب أن يصطفوا خلف قيادتهم بلا قيد أو شرط، فإذا لم يفعلوا فهنا طابور خامس تبرر الحرب القضاء عليه أولا، لتأمين الجبهة الداخلية. وقد تكون البداية أمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر على غرار ما يفعل أهل البادية، ثم تطبق قواعد الجهاد المعروفة.
تلك هى استراتيجية إعادة فتح مصر، لن يكتبوها فى منشور ينبه الأعداء، لكن ذكاءنا لن يعجز عن إدراك البديهيات. إنها حرب فتوحات عقائدية، والفيصل هنا ليس الإعلان عن عدم ترشحهم للرئاسة أو عن تفضلهم بقبول رئيس قبطى أو رئيس من النساء. هم يكذبون وذكاؤهم يخونهم، فقد أعلن أحدهم عن ترشحه، وسينفصل عن مكتب الإرشاد أو يترك مؤقتا عضوية الجماعة، وهذه مناورات مفهومة. والأحرى أن يعلنوا تفاصيل "الحل" الذى يضمرونه وهم يرفعون شعار "الإسلام هو الحل".
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com