بقلم: صبحي فؤاد
تابعت خلال الأيام القليلة الماضية ردود الأفعال التي أعقبت قتل شيخ الإرهاب السعودي "أسامة بن لادن" على يد مجموعة من القوات الخاصة الأمريكية، فوجدت واحد صاحب جريدة عربية تصدر في "لندن" يكتب منددًا بقتل "بن لادن"، ومتهمًا الأمريكان بارتكاب جريمة بشعة لن يغفرها لهم العرب أو المسلمين. ونفس الكاتب الذي ينعم بالحرية في بلاد الغرب ويتمرغ في خيراتهم، كتب بعدها بيوم مقالة طويلة عنوانها "أسامة الذي عرفته"، أشاد فيها فيها بإنسانيته وزهده وتواضعه ورقته ووادعته وجهاده من أجل العرب والمسلمين ضد الأمريكان وبقية الكفرة الملحدين في بلاد الغرب.
واحد آخر عربي مسلم يعمل بروفسور في جامعة "أكسفورد"، طل علينا من التلفزيون الإسترالي ليلة أمس الأول لكي يتَّهم الأمريكان بأنهم تعمَّدوا قتل "بن لادن" رغم أنه لم يكن يحمل سلاحًا؛ لكي يحرموه من فرصة الدفاع عن نفسه في المحاكم الدولية أو الأمريكية، أسوة بما فعلوا مع النازيين وغيرهم من الذين ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية.. وإدعَّى أن مجزرة "نيويورك" التي راح ضحيتها حوالي ثلاثة آلاف رجل وامرأة من كافة الأجناس والأديان، لا توجد أدلة تثبت أن "بن لادن" كان المتسبِّب والمدبِّر لها، رغم أنه اعترف في شريط له بأنه كان العقل المدبِّر لها!!
أما الأزهر في "مصر"، فقد قام بالتنديد رسميًا بالتمثيل بجثة "الشيخ" بن لادن، رغم أنه لا يوجد دليل واحد لديهم على حدوث هذا الأمر، ورغم أن المنطق يقول أن الجنود الأمريكان لم يكن لديهم دقيقة واحدة لتبديدها في التمثيل بجثة "بن لادن".
إنني لم أستغرب لحالة الغضب والهيجان الذي ساد العالم العربي والإسلامي عقب مقتل شيخ الإرهاب "أسامة بن لادن"؛ لأن ملايين المسلمين في "مصر" و"باكستان" و"أندونسيا" و"السودان"، وغيرهم من الدول التي تسكنها أكثرية مسلمة، كانوا يعتبرونه بطلًا عظيمًا ورجلًا زاهدًا في الحياة، ومجاهدًا في سبيل الله وخدمة ونصرة أمة الإسلام، بسبب الدعاية التي كانت تروِّجها له بعض الفضائيات العربية مثل قناة الجزيرة القطرية.
لقد كان العرب والمسلمون يتصورون أن "بن لادن"- 54 سنة- يعيش في الكهوف والجبال يصلي ويصوم ويتعبَّد لربه، ولا يأكل ولا يشرب إلا مثل أفقر الفقراء والغلابة.. ولكن بعد مقتله اكتشف العالم، وخاصة العرب والمسلمون، أكذوبة "بن لادن" الذي صنعته المخابرات الأمريكية بأموال "السعودية"؛ لمساعدتهم على إجلاء السوفيت من "أفغانستان".. اكتشفوا إنه لم يكن زاهدًا في الحياة ولا يعيش عيشة الفقراء، وإنما كان يعيش عيشة الملوك والأمراء، مرفَّهًا في قصر كبير على بعد (100) من العاصمة الباكستانية "إسلام أباد"، مكوَّن من ثلاثة طوابق، ومحاط بأسوار، ترتفع ثلاثة أمتار في منطقة راقية يسكنها الأثرياء وكبار رجال الجيش الباكستاني المتقاعدين.
ولحظة دخول القوات الأمريكية إلى قصره، وجدوا تسعة من النساء و(23) طفلًا وطفلة واثنين من حرَّاسه، وقد قيل أن ثلاثة من النساء هن زوجاته، أما بقية النساء فلم يعرف أحد ماذا كانت العلاقة التي تربطه بهن. بالمناسبة، يجدر الإشارة إلى أن أسامة "بن لادن" تزوَّج وهو في السابعة عشر من العمر من فتاة قاصر عمرها (14) سنة. وفي الفترة ما بين عامي 1980 و1984، تزوَّج بثلاث نساء أخريات.
في اختصار، أود أن أقول إن "أسامة بن لادن" لم يكن نبيًا أو قديسًا أو زاهدًا في الدنيا والحياة، أو مجاهدًا في سبيل الله ونصرة الإسلام والمسلمين كما كان يتخيَّل البعض، بل على العكس كان عاشقًا للحياة، محبًا للظهور، باحثًا عن الشهرة، يعشق النساء، وكان له الفضل الأعظم في تشويه الإسلام والإضرار بمصالح المسلمين.. ويكفي أن أقول إنه بعد فشله في الدراسة الجامعية بـ"السعودية" توجَّه في عام 1984 إلى "أفغانستان"، ووضع نفسه هو وألوف غيره من "مصر" و"السعودية" و"اليمن" ودول أخرى عربية وإسلامية، في خدمة المخابرات الأمريكية، حيث تلقَّى التدريب اللازم والمعدات والأموال لمقاومة الاحتلال السوفيتي لـ"أفغانستان"، وتأسيس منظمته الإرهابية التي أُطلق عليها "القاعده" بالمشاركة مع المصري المتطرِّف "أيمن الظواهري". وبعد أن حقَّق لـ"أمريكا" كل طلباتها وساعدهم هو وبقية المتطرفين الإرهابين في طرد السوفيت عن "أفغانستان".. وعندما وجد أن الأمريكان تخلوا عنه وتوقفوا عن إمداده بالسلاح والمال، غيَّر "بن لادن" موقفه منهم، وبعد أن كان حليفًا أصبح عدوًا لهم وقرَّر الانتقام ومعاقبتهم على تخليهم عن خدماته، فعاد إلى "السعودية" ليعلن العصيان على حكامها ونظامها الحليف لـ"أمريكا"، فكان نصيبه الطرد إلى "السودان" في عام 1991، ثم أُجبر على تركها ليعود ثانية إلى "أفغانستان" في عام 1996 وينضم إلى طالبان ويبدأ التخطيط لتوجيه ضربات تخربية للمصالح الأمريكية في دول عدة، وكان أهمها وأخطرها بلا شك تدمير برجي التجارة العالمية داخل أمريكا نفسها عام 2001، والتي أعطت المبرِّر القوي لـ"أمريكا" والغرب لغزو "أفغانستان" ثم احتلال "العراق" فيما بعد.
خلاصة الكلام، هذا الرجل لم يكن إلا إرهابيًا وعميلًا، تارة لـ"أمريكا" وتارة أخرى لـ"باكستان"، بالإضافة إلى أنه كان ممثلًا بارعًا عظيمًا، بدليل إنه استطاع إقناع العرب والمسلمين بعكس حقيقته الشريرة!!
أخيرًا، كنت أتمنى أن يذكر لنا أحد هؤلاء الكرام الذين حاولوا أن يبكونا على رحيل الإرهابي "بن لادن"، ما هي إنجازاته الضخمة أو أعماله العظيمة التي قام بتحقيقها لخدمة الدول والشعوب العربية أو الإسلامية، باستثناء سفك الدماء وقتل الأبرياء هنا وهناك، وجلب الخراب والدمار والاحتلال لبعض هذه الدول..
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com