بعد اختراع فأرة الكمبيوتر ولوحة المفاتيح راجت الشاشات العاملة باللمس في سوق الكمبيوتر. لكن التصفـُّح باللمس سيصبح قريبا من الماضي أيضا: فالباحثون يطورون أجهزة جديدة يتم التحكم بها بمجرد تحريك اليد في الهواء والإيماء بها.
لاشك أن فأرة الكمبيوتر أو ما يُعرف بالماوس ولوحة مفاتيح الكمبيوتر في الوقت الحالي من الأدوات التي لا يستغني كأدوات للتحكم بالحواسيب وإعطاء الأوامر لها، وهو الدور الذي أصبحت مؤخرا تلعبه شاشات اللمس وبشكل خاص في الهواتف الذكية وغيرها من الأجهزة النقالة. لكن تقنية تحكم جديدة بالكمبيوتر بدأت بالانتشار وهي التحكم بالكمبيوتر وتصفحه بمجرد تحريك اليد في الهواء والإيماء بها، وهي التقنية البديلة للوحة المفاتيح والفأرة. ويعكف الباحثون في العاصمة الألمانية برلين على تطوير هذا الاختراع التقني الجديد الذي سيمثل ثورة في التحكم بأجهزة الكومبيوتر والآلات الأخرى بحكم اشتماله على فوائد صحية أيضا.
تواصل تفاعليّ دون لمس
في مختبر التقنية في معهد فراون هوفر الألماني توجد شاشة كمبيوتر ضخمة والشاب المتخصص في علم النفس باول شويتسكي موجود أمام الشاشة شارحا كيفية استخدام الشاشات الحاسوبية الجديدة. وفور تصفيقه بيديه صفقة واحدة وبلمح البصر تظهر على الشاشة صورة كتاب قديم ذي غلاف جلدي، ويقول باول شويتسكي:"نرى على الشاشة صورة كتاب ونرى غلافه ولا نرى أي شيء آخر، وفور تحريك يديَّ في الهواء بفتح الكتاب، نرى أن الكتاب ينفتح ونرى الصفحة الأولى فيه وبهذه الطريقة البسيطة يمكننا تصفح الكتاب الذي على شاشة الكمبيوتر دون لمس الشاشة".
باول شويتسكي يحرك ذراعه يمينا ويسارا في الهواء وتنفتح الصفحة التالية في الكتاب. ويتم تحقيق ذلك عن طريق تقنية تستخدم كاميرتين اثنتين معلقتين على الشاشة وهي ذات حساسية لحركات اليد الإيمائية في الهواء. وهناك برنامج حاسوبي في الكاميرتين يتعرف على أشكال إيماءات اليد ويوجه الأوامر المقصودة منها إلى الكمبيوتر. وهناك خيارات أخرى غير التصفح: مثل تكبير صفحات الكتاب ويتابع باول شويتسكي شرحه قائلا:" لتكبير الكتاب أقوم بمد كلتا يديّ في الهواء وعندما أقوم ببسطهما يكبر شكل الكتاب على الشاشة. وبالعكس، فإذا قبضتُ يديّ باتجاهي وضممتهما معا يصغر حجم الكتاب على الشاشة".
تصدر أوامر إلى الكمبيوتر عن طريق إيماءات اليد ويرافق كل أمر من هذه الأوامر إشارات صوتية ومرئية صادرة عن الكمبيوتر تؤكد تلقيه للأمر. وهذه الإشارات بمثابة مؤكدات حسية، أو ما يعرف بالتغذية العكسية، وهي تشير إلى أن الحاسوب فهم التحكم الإيمائي عند طريق تحريك اليد في الهواء. وهي تشبه في وظيفتها إحساسنا عند نقر أصابعنا لأزرار لوحة المفاتيح أو عند نقرها لفأرة الكمبيوتر أو لمسها لشاشته. وعن طريق هذه الإشارات الصوتية والضوئية نتأكد من تفاعل الكمبيوتر مع حركات أيدينا الإيمائية في الهواء ويوضح باول شويتسكي ذلك مؤكداً: "إذا مددتُ يديّ يصدر الكمبيوتر لونا ليزريا أخضر أراهُ على يدي مؤكدا فهمه للأمر الذي أصدرته. وهذا أحد ردود فعل الكمبيوتر التي صممناها خصيصا كي يُظهر الكمبيوتر لمستخدميه أنه تعرف على المقصود من حركة أيدهم".
تطبيقات صحية وسهولة استخدام
في الأساس تم تطوير هذا التطبيق للمكتبات التي يرغب مستخدموها في تصفــُّح الكتب القديمة فيها والتي قد تتلف صفحاتها الحساسة نتيجة لمس وتقليب صفحاتها باليد. وفي مكتبة ولاية بافاريا جنوب ألمانيا يوجد مسبقا كمبيوتر يتم التحكم به بواسطة إيماءات اليد. ورغم الإشارات الصوتية التي يصدرها الكمبيوتر تأكيدا لاستجابته لحركات الأيدي يشعر مستخدمو هذا الكمبيوتر في البداية بعدم الراحة وبعدم تمكنهم من استعماله بالشكل الصحيح كما يقول ومهندس البرمجيات دافيد بتشيفوسكي::"شيء رائع دائما عندما نــُري الناس هذه الأجهزة الجديدة في المعارض. نحن نرى اندهاشهم وهم يستخدمونها لأول مرة. ولكن معظم الناس يعرفون ويجيدون استخدامها بعد تجريبهم لها لأول مرة دون الحاجة إلى شرح كثير. ونحن نستخدم أفلام فيديو توضيحية لتعليم الناس بسهولة كيف يتحكمون بهذه الكمبيوترات عن طريق إيماءات أيديهم".
مبدأ التحكم بالكمبيوتر عن طريق حركة اليد له فوائد أخرى: وخاصة لدى بعض الآلات مثل أجهزة الصراف الآلي التي يستخدمها الناس كثيرا بالنقر على أزرارها، وبالتالي قد تنقل أمراض لمستخدميها بسبب تعاقب عدد كبير من الناس على لمسها واستعمالها. ولهذه الأسباب الصحية يمكن تجنب لمس الآلات وتجنب تلك الأمراض عن طريق التفاعل معها والتحكم بها من خلال إيماءات اليد دون لمسها. كما أن تقنية التحكم بالكمبيوتر بإيماء اليد لها تطبيقات كثيرة أيضا في المجال الطبي.
فمنذ العام الماضي وإنتاج الحواسيب المتحكم بها إيمائيا والمسخرة في المجالات الطبية قائم على قدم وساق. ويستخدم الأطباء وفرقهم الطبية هذه الأجهزة أثناء إجراء العمليات الجراحية، محافظين بذلك على غرف العمليات نظيفة وعقيمة وخالية من الجراثيم التي قد تنتقل من خلال اللمس، ناهيك عن استخدامها في تسجيل نتائج التحاليل المخبرية وفي كتابة التقارير الطبية وفي تصفــُّح صور الأشعة السينية أو ما يعرف بصور أشعة إكس على شاشة الكمبيوتر، وذلك كله دون لمس بل وبمجرد تحريك اليد في الهواء. وبذلك يتم الحفاظ على درجة النظافة في المستشفيات والعيادات الطبية. باول شويتسكي يمد يديه في الهواء مكبِّـراً صورة تشريحية لحوض أحد المرضى موجودة على الشاشة كانت أخذت له بواسطة أجهزة الأشعة التشخيصية ويتابع قوله :"يستطيع الطبيب مثلاً تصفــُّح صور الأشعة وتكبيرها وتصغيرها، بل ويمكنه أيضاً وضع علامة على منطقة ما على الشاشة تكون موضع اهتمام في الصورة ليناقشها لاحقا مع زملائه الأطباء دون أي لمس".
آفاق مستقبلية
أصبح التحكم بالكمبيوتر من خلال الإيماءات كحركة اليد في الهواء، دون استخدام لوحة مفاتيح أو فأرة كمبيوتر أو حتى دون استخدام شاشات اللمس، قيد التطبيق فعلاً في العديد من المرافق كالمكتبات والمستشفيات، لكن العلماء مازالوا عاكفين على تطوير هذه التقنية بحيث يصبح الحاسوب قادراً حتى على فهم الحركات العفوية لليد التي لا يُقصد منها توجيه أمر للحاسب والتي قد تصدر عنــّا ونحن أمام شاشته. وقريبا ستصبح الحواسيب قادرة على التمييز بين هذه الحركات العفوية وبين حركات أيدينا الإيمائية في الهواء التي نقصد منها توجيه أوامر وإيعازات معينة للحاسوب.
توماس غيت / علي المخلافي
مراجعة: عبده جميل المخلافي
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com