بقلم: منير بشاي
تصاعدت أعمال العنف ضد اقباط مصر بشكل غير مسبوق على مدى الاربعة العقود الماضية . ولا يستطيع أحد ان ينكر دور الدولة فى هذا. فالرئيس السابق انور السادات هو الذى أخرج الجماعات المتطرفة من المعتقلات واطلق لهم العنان ليروعوا المجتع المصرى فى محاولة منه لتمكين حكمه ضد الناصريين والشيوعيين. وجاء بعده الرئيس حسنى مبارك الذى كان يتعامل مع المتطرفين بحذر فكان يعقد معهم اتفاقيات وتفاهمات يتعهدوا بموجوبها على ان يلتزموا بمراعاة خطوط حمراء فى قضايا خاصة مقابل ان لا تتعرض لهم الدولة فى القضايا الأخرى.
كان قلق حكومة الرئيس مبارك ينصب بالذات على الاعتداءات على السياح لان هذا يؤثر على الاقتصاد القومى، وأيضا الاعتداءات على رجال الشرطة لانه يمس الشرعية ويهدد هيبة الدولة. أما الاعتداءات على الاقباط فكان يأخذ أهمية ثانوية.
وتمشيا مع رغبات الدولة قررت الجماعات الاسلامية سنة 1997 نبذ العنف.
وكان ذلك بعد القيام بالعديد من العمليات الارهابية وهى طبقا لتقاريرهم:
• الاعتداءات على السياح: 35 حادثا وعدد الوفيات 93 والمصابين 68 وكانت ضمن هذه حادثة الكرنك الشهيرة سنة 1997 فى مدينة الأقصر والتى قتل فيها 58 سائح أجنبى وأدت الى اقالة وزير الداخلية.
• الاعتداءات على رجال الشرطة: 83 حادثا والقتلى 382 والمصابين 400
• الاعتداءات ضد الاقباط: 31 حادثا رئيسيا والوفيات 42 والمصابين 45
واستمرت الحكومة فى عصر الرئيس مبارك فى سياستها التى كانت تراعى توازنات دقيقة طبقا لحسابات خاصة. هذه التوازنات كانت تدعوها الى محاولة مراضاة التيار الاسلامى المتشدد على حساب الاقباط. وقد رأينا هذا واضحا بالذات فى عدم جدية الدولة فى القبض على الجناة فى احداث العنف ضد الاقباط، أوالافلات من العقاب اذا تم القبض عليهم أو اصدار احكام مخففة لا تتناسب مع حجم الجريمة.
انتهى حكم الرئيس مبارك واستلم الحكم من بعده المجلس الاعلى للقوات المسلحة، واستبشر الاقباط خيرا. ولكن سرعان ما استيقظوا على الحقيقة المرة ان أحوالهم بعد ثورة 25 يناير 2011 لم تتحسن بل ازدادت سوءا. فالتيار السلفى المتشدد الذى كان منزويا بعض الشىء فى فترة حكم الرئيس مبارك قد وجد الآن فرصته أن يظهر ويفرض نفسه على المجتمع المصرى من جديد، ويقوم بعملياته الارهابية ضد الشعب القبطى. وبذلك تزايدت الاعتداءات ضدهم أكثر مما كانت عليه قبل الثورة.
وسأورد مثالا لذلك ما حدث فى يوم 4 مارس 2011 حين هجم السلفيون على كنيسة الشهيدين بقرية صول مركز أفطيح. تم استدعاء الجيش ولكنه لم يفعل شيئا امام الغوغاء من السلفيين الذين استمروا يهدمون الكنيسة على مدى 22 ساعة كاملة الى ان أجهزوا عليها بالكامل ثم حولوها الى مسجد واقاموا الصلاة فيها. وبعد ذلك قرروا عدم عودة الاقباط اليها، أو اذا كان لابد من ان تبنى لهم كنيسة فلتكن فى موضع آخر خارج البلد. وبدلا من القبض على الجناة وتقديمهم للمحاكمة رأينا الجيش يحاول الضغط على الاقباط حتى يقبلوا شروط السلفيين. ولكن المظاهرات القبطية امام ماسبيرو اضطرت الجيش الى ان يطلب من السلفيين بمساعدة مشايخهم قبول اعادة بناء الكنيسة فى نفس المكان. ثم قام الجيش باعادة البناء، ولكنه لم يقبض على أحد من الجناة الذين قتلوا الاقباط وهدموا الكنيسة ولم يقدم أحدا منهم للمحاكمة.
مقابل هذا تعالوا بنا نرى ما حدث فى يوم الاحد 15 مايو 2011 امام السفارة الاسرائيلية فى القاهرة. قامت مظاهرة كبيرة بمناسبة الذكرى ال63 للنكبة حين هرب مئات الآلاف من الفلسطينيين من أرضهم وبيوتهم أثناء الحرب مع اسرائيل سنة 1948 والتى أدت الى قيام دولة اسرائيل.
طالب المتظاهرون بانزال العلم الاسرائيلى وهددوا باقتحام السفارة وانزال العلم بأنفسهم. وفى الحال تم استدعاء قوات من الشرطة والجيش الذين حاصروا المبنى واستخدموا ضد المتظاهرين القنابل المسيلة للدموع ثم قذفوهم بالرصاص المطاطي. وأمام اصرار المتظاهرين الاستمرار فى اعتصامهم لجأت قوات الأمن الى استخدام الذخيرة الحية لتفريقهم. ونتيجة هذا تم اصابة أكثر من 350 من المتظاهرين بجروح. كما تم القبض على حوالى 186 متظاهر ويجرى التحقيق معهم فى تهم الاعتداء على موظفين عموميين اثناء القيام بعملهم ومحاولة تخريب المبانى العامة ونجح الامن فى ان يبعد المتظاهرين عن مبنى السفارة ويحبط المظاهرة تماما. ولم يصاب أحد من رجال السفارة بأذى أو يحدث أى تخريب فى مبناها.
ما حدث فى قرية صول بالمقارنة بما حدث امام السفارة الاسرائيلية يضع أمامنا سؤالا ملحا: لماذا هذه الازدواجية فى توفير الأمن فى مصر؟ لماذا عدم اهتمام الحكومة بالمظاهرات التى تهدد الاقباط وتقتلهم وتحرق بيوتهم وتدمر كنائسهم بينما تقف قوات الامن متفرجة لا تحاول ان تتدخل وتوقف المعتدين وتقبض عليهم وتقدمهم للمحاكمة؟ ولماذا اذا تدخلت تلجأ الى حيلتها القديمة فى التوازنات بالقبض على أفراد من الطرفين، مع ان الاقباط هم المعتدى عليهم؟ ولماذا لا يحصل الاقباط على نفس الاهتمام الذى ظهر فى حماية الدولة لسفارة اسرائيل؟
هل ذلك لأن دم القبطى أرخص من دم غيره من الناس؟ أم لأن الالتزامات الدولية والضغوط العالمية تفرض نوعا من التعامل المميز لما هو أجنبى؟ واذا كان الأمر كذلك فهل يلوم أحد الأقباط اذا هم لجأوا الى الضغوط العالمية ليحصلوا على ما هو حق لهم من الحماية، والتى قد حرموا منه فى وطنهم، رغم المطالبة المتكررة؟
ولكن الامر الخطير فى هذا هو اننا كنا نظن ان الحكومة المصرية لا تحمى الاقباط لانها غير قادرة، ولكن أخشى ان يكون السبب الحقيقى انها غير راغبة!!
Mounir.bishay@sbcglobal.net
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com