بقلم: مرثا فرنسيس
الإجابة الفورية والقاطعة هي لا. فالمسيحية ليست مجرد دين يضع لاتباعه قواعد وفروض وأوامر ونواهي ، المسيحية هي اتباع شخص السيد المسيح الذي جاء يقدم الحب ويدعو له ، المسيح لم يُعلِم الناس من خلال تعليمات جافة ولكن باسلوب حياته، الذي جمع بين البساطة واالعمق بشكل مذهل، كان عمليا إلى أقصى الحدود وواضحا إلى أبعد مدى. فلم يضع قائمة من الحلال والحرام بل خاطب اعماق الانسان، فكان اهتمامه الأول القلب وليس الشكل الخارجي او السلوك الظاهري. أوضح المسيح أن أثمن شيء عند الله هو نفس الإنسان. لذلك كان من المنطقي المساواة التامة بين الرجل والمرأة في الدرجة وليس في الوظيفة. المسيح علم الناس كيف تكون الاختيارات والسلوكيات راقية ناضجة بدون ضغط او اجبار، وعلى سبيل المثال لم يحذر ويهدد من الزنا ونتيجة الزنا ولكن بعمق خاطب السبب والجذر الاصلي للقضية، وطالب الرجل بأن تكون نظرته للمرأة بتقدير وان يتحكم باختياره وارادته في ما تنظر اليه عينيه وتشتهيه، والا يُحمِل المرأة مسئولية وسبب هذه النظرة الشهوانية من الرجل لها، هذا النوع من الحياة هل يفيد الله ام الانسان؟
المسيحية ليست مجموعة من الطقوس والصلوات المحفوظة التي يؤديها الانسان لمجرد ارضاء الهه؛ ولكنها علاقة شخصية خاصة بين الانسان والله، المسيح هو القدوة والمثل وهو يستحق ان يكون كذلك، فلم يكن يجرح او يهين، بل يُحب ويحتوي، اُتهم انه محب للخطاة، وكان هدفه ان يعود بهم الى انسانيتهم الجميلة التي خلقوا عليها، المسيحية لا تشمل حدود وطرق ومقاييس معينة وثابتة للصوم والصلاة والصدقة وبالتالي ليس هناك اية اغراءات بعدد هائل من الحسنات التي تضاف لرصيد الانسان مقابل كل سلوك او اسلوب عبادة يقوم به ، فيتحكم عدد الحسنات في مصيره في نهاية حياته على اساس الكفة الراجحة بين الحسنات والسيئات!
من اهم اهداف مجئ المسيح على الارض ان يقرب لنا صورة الله الذي لم نراه ولا نستطيع تكوين شكل معين عنه، فعرفنا الله من خلاله اب محب يحتوي الكل ويشفق على الضعيف الذي يئس من اخطائه التي جعلته يرى نفسه ليس انسانا مكرما بل حيوانا تتحكم به غرائزه. فلم يضع له قوانين صعبة تعجزه وتشعره اكثر بالفشل، بل على العكس بدأ بالقلب والعقل؛ فالشرور لا تبدأ من الجسد واعضائه المختلفة، ولكنها تبدأ بالفكر. الله في المسيحية ليس شخصا معقدا يطلب لنفسه المجد وُيذِل الانسان ويتوعده بجهنم النار اذا توقف عن عبادته وتقديم كل فروض الولاء والطاعة له، الله في المسيحية لا يطلب الصوم والصدقة ليأخذ ثمنا للخيرات التي يهبها للانسان ولكن القصة تبدأ بعهد محبة وصداقة لا ياخذ الله فيها من الانسان شيئا فهل يحتاج اله الى مايقدمه الانسان الذي صنعه وخلقه؟ ولكن الهدف هو خير الانسان نفسه ورقي انسانيته ، الحب الذي يعطيه الله هو حب معطي وهو نفس جوهر الحب الذي يتعلمه منه الانسان، الهدف هو خير الانسان فكلما خرج الانسان عن دائرة نفسه وانانيته استطاع ان يحب الآخرين وكلما اعطى من مشاعره ومن ماله كلما ارتقت انسانيته . يصوم المسيحي ليهذب شهواته وليس لكي يمتنع عن الطعام جزء من الوقت بينما قلبه وعيناه وسلوكه في وادِ آخر، الصدقة في سرية ومحبة وقلب فرح تجعل الانسان يشعر بالآخر ويملأ القلب بالتعاطف في اتضاع. هل يسر الله بأن يرى البشر جميعا ساجدين له تأدية لطقس او فرض وواجب؟ الله لا يسر إلا بالقلوب ونقاوتها؛ لأنه يعلم بما في القلوب. التسبيح لله يُفرح قلب الانسان نفسه ويجعله يتأمل في صفات الله الجميلة وينطق اللسان بتلقائية كلمات سبح وشكر واعجاب كلما شاهد الطبيعة الجميلة والجبال والانهار والكائنات الحية المختلفة.
المسيحية علاقة شخصية بالله يفسدها الافتخار بالاعمال وبعدد الصلوات وكثرة المدفوع في الصدقات، يفسدها ايضا الالتزام الشكلي السطحي بالتدين، ويفسدها محاولة اخفاء قلب شرير في ثوب من النفاق والخداع وكأن الله رجل مسن يمكن التشامخ عليه او ارضاؤه ببعض الاعمال الخيرية. ليس في المسيحية اجبار على اي من امور الحياة، فالرهبنة اختيار والزواج اختيار والصدقة اختيار وليس لها حد ادنى ولا اقصى بل تتوقف على القلب المعطي بسرور، المسيحية اساسها المحبة والتصالح مع الله ومع النفس ومع الناس، وقوامها معرفة وفهم النفس، التي من خلال فهمها يعرف الانسان الله اكثر واكثر.
المسيحية طريقة حياة يبين خارجها كل ماهو في داخلها، تماما مثل عين الماء العذب التي لا يمكن ان تخرج ماء" مالحا
المسيحية تؤمن بان هناك حياة ابدية والفكرة ليست عقاب وثواب ولكن بالاستنتاج المنطقي، عندما يتعاهد شخصان على المحبة والوفاء، يُخلق بينهما تواصل مستمر وبطرق مختلفة؛ وهذا مايحدث تماما؛ من ارتبط مع المسيح بهذا العهد من الحب يكون معه كل العمر ويذهب معه حيثما يوجد في الابدية، اما من رفضه على الأرض فكيف يكون معه في الابدية؟
محبتي للجميع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com