بقلم: القمص أثناسيوس فهمي جورج
تسمي الكنيسة فترة الخمسين المقدسة بعد عيد القيامة (بالزمن الفصحي)... ففي الأربعين يومًا بعد قيامة الرب وصعوده، وظهوره لتلاميذه ببراهين كثيرة، وبما لا يدع مجالاً لأي شك، ملأ قلوبهم فرحًا وعزاءًا، وفسر لهم الأمور المختصة به في جميع الكتب... ارتفع عن تلاميذه وصعد إلى السموات وكان عندهم فرح عظيم لأنه سيأتي ثانية... بقى التلاميذ في العلية إلى اليوم الخمسين حتى ملأهم الروح القدس من كل فهم ومن كل حكمة ومن كل معرفة روحية حسب الوعد الصادق.
فيوم الخمسين يوم عيد الحصاد وباكورة ثمار حصاد زرع بني الملكوت، حيث انضم ثلاثة آلاف نفس وتدشنت أول كنيسة في العلية وتزينت الكنيسة بثمارالروح القدس في عيد حلول الروح القدس (البنديكوستي)، فالعدد خمسين يشير إلى العفو والصفح والعتق والتحرير، إذ بعد سبعة أسابيع تأسست الكنيسة الفُلك الحقيقي للنجاة والتي كل من كان داخلها ينجو، مثلما كان عرض فُلك نوح خمسين ذراعًا، ففي الكنيسة ننال الغفران والصفح والتقديس والمسامحة والخلاص الثمين إذ لا خلاص لأحد خارجها.
لقد صاحب حلول الروح القدس على التلاميذ مظاهر ثلاثة، صوت هبوب ريح عاصفة، وظهور ألسنة مقدسة كأنها من نار استقرت على كل واحد منهم... تلك رموز القوة الروحية الخلّاقة والعمل الإلهي غير المنظور وانطلاق الحرية التي للروح القدس، روح المسيح... روح التبني والحق... روح التعضيد والاستقامة... يقيس ولا يُقاس، يَملأ ولا يُملأ، يَحتوي ولا يُحتوىَ... يعرف كل شيء، يُعلِّم، يرشد، يُحيي، ينير، يكمل، يوزع المواهب، يفرز، روح التقديس والمشورة والبركة والتبكيت على كل خطية.
الروح القدس الرب ىالمحيي الذي يقود الكنيسة والفاعل في الأسرار هو الذي يمنح المواهب والثمار، لذلك قال الرب (إنه خير لكم أن أنطلق، لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزي، ولكن إن انطلقتُ أرسله إليكم)(يو 7:16)، فأعمال الرب على الأرض كانت قد تكملت، غير أنه كان يلزم أن نصير شركاء لطبيعة اللوغوس الإلهية، تتغير أعماق كياننا ونتحد به خلال المعمودية والميرون والإفخارستيا، نقتنيه حاضرًا في داخلنا فنستطيع أن نصرخ بدالة (يا أبا الآب) وأن نتقدم بنشاط في كل فضيلة وأن نوجد أقوياء صامدين أمام مكائد الشيطان وعداء الناس الأشرار، لأننا نملك في داخلنا الروح القادر على كل شيء.
لما حضر يوم الخمسين الأول بعد قيامة الرب تأسست الكنيسة ولم يغِب روح الله عنها ولن يغيب، فحيثما توجد الكنيسة هناك روح الله... حضوره قائم من الأزل وإلى الأبد، لكن استعلان حضوره كان لملأ التلاميذ ولقيام الكنيسة، وسيبقى عيد العنصرة عيدها الباقي والخالد، ولن يصبح ماضيًا قط، لأننا به نؤمن ونعترف ونبشر... وقد أعلن الروح القدس عن نفسه علنًا، آتيًا من السماء في (آية) ملأت البيت كله (الكنيسة) برائحة العطر المميزة وبالصوت المجيد ليملأ الكل مرة واحدة، فصار تأسيس الكنيسة آتيًا من السماء للتعميد والتطهير والتقديس والتدشين والتكريس.
إنه يوم الاحتفال بتأسيس الكنيسة وحلول الروح القدس فيها، ففي الصعود ارتفعت الطبيعة البشرية في شخص المسيح (كصعيدة). أما في العنصرة فالروح هو الذي أتى إلينا لنكون حزمة باكورة البشرية، فبعد أن تمجد يسوع بالآلام انطلق ليرسل لنا المعزي كعلامة مصالحة ولم يتركنا يتامى، وها الأعياد تتعاقب وتجعل من أوقاتنا أزمنة خلاص، فقد عيَّدنا لسر صليب وآلام وبصخة المخلص، ثم عيَّدنا لقيامته وصعوده المجيد إلى أن أتينا إلى عيد البنديكوستي حيث النبع الإلهي المُفاض لنا فيه مواهب الاستعلان والشفاء الخلاصية التي تزدان بها كنيسة الله المقدسة.
أما نحن فليكن لنا هِمّة لاقتناء الدالة الأشد وثوقًا لدى الله في هذا العالم وفي الآتي، لنقتطف من هذاالعيد ثمار الفرح والعذوبة وثمار الروح فنأتي بثمار مضاعفة، ونوجد بلا خوف ولا خجل ولا وقوع في الدينونة، ونوجد مستحقين أن نتراءى بالثقة أمام عرش الديان العادل عندما يأتي ليدين الأحياء والأموات الذي ليس لملكه انقضاء.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com