بقلم : راندا الحمامصي
يتصور بعض الناس أن خطيئة آدم بعصيانه هي التي أخرجتنا من الجنة. ولولا هذه الخطيئة لكنا اليوم هناك. وهذا تصور ساذج لأن الله تعالى حين شاء أن يخلق آدم قال للملائكة: "إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً" ولم يقل لهما إني جاعل في الجنة خليفة. لم يكن هبوط آدم إلى الأرض هبوط إهانة، وإنما كان هبوط كرامة كما يقول العارفون بالله. كان الله تعالى يعلم أن آدم وحواء سيأكلان من الشجرة. ويهبطان إلى الأرض. كان الله تعالى يعلم أن الشيطان(مظهر العصيان) سيغتصب منهما البراءة. وكانت هذه المعرفة شيئا لازماً لحياتهما على الأرض. وكانت التجربة كلها(تدبير وخطة إلهية ليعلم الخلق أن الطريق إلى جنته يمر بطاعة الله والعمل بأوامره وعداء الشيطان(مظهر العصيان). هل يقال لنا أن الإنسان مسير مجبور.. وأن آدم كان مجبورا سلفا على أن يخطئ ويخرج من الجنة ويهبط إلى الأرض. حقيقة إن هذا التصور لا يقل سذاجة عن التصور الأول. كان آدم حرا تمام الحرية. ولهذا تحمل تبعة عمله.عصى وأكل من الشجرة فأخرجه الله من الجنة.. معصيته لا تنافي حريته. بل إنها تستمد وجودها الأصلي من حريته. كل ما في الأمر أن الله كان يعلم سلفا ما سيحدث، يعلم الله الأشياء قبل حدوثها، ولكنه لا يدفعها دفعا أو يقهرها قهرا على الحدوث. إن الله يعطي الحرية لعباده ومخلوقاته.
ويرتب على ذلك حكمته العليا في تعمير الأرض لكى تكون الخليقة ثم يكون عرفان الله وعبادته عن طريق رسله ورسالاته وأوامره.
أصل تسمية آدم وحواء
آدم كلمة سامية قديمة تعني الإنسان سواء كان ذكرا أو أنثى (أي آدم تنطبق على الرجل و المرأة)ويعتقد اللغويون المختصون في اللغات الشرقية السامية أنها مشتقة من كلمة أدمة وهي التربة الطينية . أما حواء فهي تعني في اللغة العبرية "أم كل حي" وأصل هذه التسمية ورد في الإصحاح الثالث من سفر التكوين.
أصل قصة آدم وحواء وظروف تدوينها
لم ترد قصة آدم وحواء في أي من أثار الحضارات القديمة الشرقية (حضرات مصر و بلاد الرافدين وحضارات فارس و الهند والصين) أو أثار الحضارات الغربية (الإغريقية والرومانية و السلتية) و ماو رد من قصص بدئ الخليقة وأصل البشرية لدى أهل الأمم العريقة متنوع تنوع المعتقدات الدينية واختلاف الظروف التاريخية. كما أن قصة آدم وحواء وطوفان نوح وغير ذلك من القصص التوراتية غير موجود لدى أهل الديانات الزردشتية والهندوسية والبوذية والكونفشيوسية التي يمثل معتنقوها معظم سكان العالم. قصة آدم وحواء وكل ما يتعلق بقصص بدئ الخليقة وسير الأنبياء السابقين لم ترد في الأصل على لسان موسى الكليم إذ أنه جعل الأولوية إقامة أساس متين للتوحيد والأخلاق العامة من خلال شريعته و وصياه العشر ولذلك فهو كغيره من الأنبياء في الأزمنة الغابرة لم يناقش أتباعه في كل ما درجوا عليه من المعتقدات والمفاهيم الأسطورية خصوصا وأن الوثنية كانت ما تزال غالبة عليهم. ولم يدون أي من أنبياء بني إسرائيل أو من سبقهم من الأنبياء سيرته الذاتية أو أيا من القصص التاريخية الواردة في العهد القديم من الكتاب المقدس فكل هذه القصص دونت في مرحلة متأخرة إبتداء من القرن السادس قبل الميلاد وذلك بعد انتهاء سبي بابل الذي استمر سبعين عاما وكانت البداية مع عزرا الكاهن كاتب وصايا الرب(عزير في القرآن الكريم) الذي طلب منه اليهود العائدون من السبي تدوين تاريخهم منذ بداية الخليقة على وجه الأرض الذي كتب كل إصحاحات سفر التكوين ومن جملة ما كتب قصة خلق الأرض في ستت أيام وخلق آدم وطرده مع حواء من الجنة نتيجة عصيانهما وأكلهما من شجرة معرفة الخير والشر أما بقية قصص العهد القديم بما فيها مقاطع كاملة من سفر التكوين فقد دونها تلاميذ عزرا الكاهن ومن جاء بعدهم من الأحبار اليهود وبعضها كان تدوينا لروايات شفوية تنقلتها أجيال بني إسرائيل المتعاقبة ومن جملتها سير الأنبياء والمرسلين السابقين وأعمارهم و أسماؤهم إلى جانب سير قضاة و ملوك بني إسرائيل وحروبهم وأعمالهم وبعض هذه الروايات قد يكون صحيحا مستمدا من أصل واقعي وبعضها الآخر باطل من خيال وأساطير ومبالغات الرواة أو مقتبس من التراث الأسطوري والديني لحضارات الهلال الخصيب(العراق وسوريا الكبرى) ومصر
آدم ليس أول الخليقة
الأدلة الدينية والعلمية على أن آدم ليس أول الخليقة
أن الأدلة العقلية و المنطق العلمي دفع الكثير من العلماء وأهل الخبرة إلى التشكيك في هذه المعتقدات وإعادة النظر فيها فإذا أمعنا النظر في هذا النص التوراتي نجد أن الجنة التي عاش فيها آدم جنة أرضية وليست جنة سماوية وذكر نهر أشور دليل على أنها بلاد الرافدين، كذلك تضمن النص التوراتي دلائل تشير إلى أن آدم ليس أول الخليقة وذلك في قصة إبني آدم هابيل وقايين (قابيل في القرآن الكريم) ففي الإصحاح الرابع من سفر التكوين ورد على لسان قايين وهو يناجي الله بعد أن لعنه بسبب ارتكابه جريمته الشنعاء وهي قتل أخيه ما يلي :"14. إنك قد طردتني اليوم عن وجه الأرض ومن وجهك أختفي وأكون تائهاً و هارباً في الأرض. فيكون كل من وجدني يقتلني. وفي هذا إشارة واضحة إلى وجود البشر قبل زمن آدم و بنيه رغم أن أحبار اليهود ورجال الكنيسة المسيحية فسروا عبارة "من" على أنها إشارة إلى الحيوانات الضارية ولكن يسقط هذا التفسير ما ورد كذلك في الإصحاح الرابع عن رد الله على قايين الذي قرر من رحمته أن يرأف به: 15 فقال الرب لذلك كل من قتل قايين فسبعة أضعاف ينتقم منه. وجعل الله علامة لكي لا يقتله كل من وجده. وليس من المعقول أن تميز الحيوانات المفترسة العلامة أو أن ينتقم الله منها سبعة أضعاف وكأنه بشر عاقل له عقل وإدراك. وفي بقية الإصحاح الرابع ورد أن قايين إستقر في أرض نود شرقي عدن (إسم الجنة التي طرد منها آدم وحواء ) وأنه رزق من زوجته (لم يذكر النص التوراتي إسمها و لانسبها وما قيل عنها فهو من إستنتاجات علماء الأديان الثلاثة ) بولد سماه حانوك و ورد أيضا أنه بنى مدينة :" وكان يبني مدينة فدعا اسم المدينة كاسم ابنه حنوك" (سفر التكوين الإصحاح4) ولا يعقل أن يبني قايين (قابيل) مدينة لوحده فلا بد من وجود بشر آخرين سعدوه في إقامتها وهذا يدعم أيضا فكرة وجود الجنس البشري قبل آدم.
كما أن القرآن الكريم تضمن قوله عز وجل: واصطفينا آدم (والإصطفاء هو الإختيار من بين جماعة من الناس) وهذا دليل قرآني على أن آدم ليس أول الخليقة كما أن الرسول (ص) قال في حديثه الشريف:" أنا نبي وآدم بين الروح والجسد" وفي ذلك إشارة واضحة إلى أن وجود المظاهر الإلهية كان سابقا لوجود آدم. وجاءت الآثار المباركة لتبين بشكل واضح حقيقة هذه القصة ومعانيها الكامنة التي تختزنها النصوص المقدسة.
أما البراهين العلمية على أن وجود البشر قديم قدم هذه الأرض فهي كثيرة ومسلم بها اليوم لدى كل الهيئات العلمية العالمية. فمنذ الجدل الذي أثاره كتاب شارلز دروين "أصل الأنواع" والذي رجح فيه أن يكون النوع البشري سليل فرع متطور من القردة ، والكشوفات والأبحاث العلمية لم تنقطع.
لم تتضمن أسفار العهد القديم تواريخ محددة عن قصص بدئ الخليقة لكنها تضمنت تفاصيل تتعلق بأماكن الأحداث وأسماء الملوك المعاصرين لها وأعمار الأنبياء السابقين وموالديهم مما مكن رجال الكنيسة من القيام بعمليات حسابية تناقضية بدءً من ميلاد المسيح وانتهاءً بظهور آدم والتوصل إلى النتائج التالية وهي في غاية الغرابة بالنسبة لمعطيتنا العلمية:
*خلق الأرض وما عليها من الحيوانات والنبتات في ستت أيام 4004ق م
*خلق آدم من تراب حيث عاش في جنة عدن في بلاد الرافدين 4002 ق م
* طرد آدم وحواء من جنة عدن نتيجة عصيانهم 4001ق م *ميلادهابيل وقابين (قابيل في القرآن) 3875ق م
*أول جريمة قتل في التاريخ هابيل قتل أخاه قايين 3874ق م
* ميلاد شيت الإبن الثالث لآدم وكان عمر آدم أنذاك 130 عاما 3382ق م
* ميلاد حانوك Enoch إبن قايين Cain الذي 3317ق م
أقام أول مدينة على وجه البسيطة تحمل اسم بنه 3074ق م
* ميلاد ميثوشلاح Methuselah بن حانوك 2962ق م
* وفاة آدم عن عمر يناهز 930 سنة 2948ق م
* وفاة شيث Seth عن عمر يناهز 912 سنة 2347ق م
*ميلاد النبي نوح 2247ق م
* وفاة ميشوشلاح عن عمر يناهز 969 سنة 2003ق م
* الله يسلط طوفانا على الأرض و نجاة نوح ومن ركب معه السفينة وعودة الحياة على الأرض 1998ق م
*إنتشار أبناء نوح سام ورفت وحام في الأرض لتنحدر منهم السللات البشرية 1928 ق م
* نمرود بن كنعان يقيم مملكة بابل ويصبح أول جبار في الأرض ويأمر البشر ببناء برج عالي لكي يحاربوا الرب فغضب الرب على البشر وفرق ألسنتهم بعد أن كانت لهم لغة واحدة 1926ق م
* وفاة النبي نوح عن عمر يناهز 950 سنة 1912ق م
* خروج أبرام (إبراهيم) و زوجته سراي (سارة) وبن أخيه لوط من أرض ميلادهم مدينة أور جنوب بلاد الرافدين وانتقالهم شمالا إلى أرض حران.1897ق م
* بعد شجار وقع بين رعاة لوط ورعاة أبرام يتم الفراق بينهما فاختار لوط دائرة الأردن بينما اختار أبرام مواصلة الرحلة إلى أرض كنعان (فلسطين).
* النبي لوط يقع في أسر الملك"شيدولاعومر" chedorlaomer حاكم مدينة سدوم
* الرب يبرم ميثاقه مع أبرام
*ميلاد إسماعيل في أرض "حبرون" من هاجر المصرية و كان أول ابن لأبرام
* الرب يجدد ميثاقه مع أبرام فغير اسمه من أبرام Abram إلى إبراهيم Abraham
* الرب يدمر مدينة "سدوم الفاجرة" وينجي لوط ومن معه عدا زوجته
* ميلاد إسحاق الإبن الثاني لأبرام من زوجته ساري التي كانت عاقرا
* هجرة هاجر وإسماعيل إلى أرض الحجاز بصحراء شبه الجزيرة العربية
ونتابع مع آدم وحواء............ تحياتي
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com