بقلم: Oliver
هاجم البعض الحماية الدولية، وهتف لها البعض الآخر، وأطلق عليها البعض اسم "خيانة عظمى"، وقدم البعض الآخر طلبات لجهات دولية يلتمس منها الحماية.
الذين لا يفهمون معنى الحماية الدولية جعلوا المناداة بها تهمة خيانة، وباسمها سحبوا الجنسية من السيد "موريس صادق" القبطي لأنه نادي بها، مع أننا سنرى هنا أن الحماية الدولية تخترق حياتنا اليومية، ونستفيد منها في مجالات شتي.. فما هي الحماية الدولية هذه؟؟
براءة الاختراع الدولية
هل تعلم يا عزيزي أن كل المؤلفين وكل أصحاب براءات الاختراع والابتكارات والاكتشافات ينعمون بالحماية الدولية لأفكارهم ومكتشفاتهم واختراعاتهم؟.
والحماية الدولية الفكرية جهة عالمية تسهل تسجيل الاكتشاف وحصر منافعه لصاحبه لكي يتصرف فيه كما يشاء، وهي تتولى حماية أفكاره من الغير، سواء أكان هذا الغير فردًا أو جماعة أو حتي دولة.
بكل تأكيد أنت قرأت في غلاف أي كتاب عما يسمَّى "رقم الإيداع الدولي"، هذه هي يا سيدي رقم منظمة الحماية الدولية لحقوق مؤلف الكتاب.
الفيفا والحماية الدولية
أكيد أنك تقرأ أن الفيفا، وهي الاتحاد الدولي لكرة القدم، هي الجهة المنوطة بحماية اللعبة ومن ينتمي إليها حماية دولية، بل ويمنع الفيفا أي دولة أن تتدخل في إدارة اللعبة من خلال حكوماتها وقراراتها، ولا تعترف بأي قرار محلي يتعارض مع قراراتها الدولية. حتي في آخر صراع بين جهاز الرياضة في "مصر" وبين الأندية، صرَّح رئيس الجهاز علانية أن الفيفا هي الجهة التي تحكم اللوائح في "مصر" وليست الدولة المصرية. قال هذا ليعلن براءة الدولة من التدخل في مسار العزيزة كرة القدم، ولم يرفع مصري هائج صوته بأن هذه خيانة عظمى، أو أن هذا تدخل لدولة الفيفا في الشئون الداخلية التي تهم المصريين فقط، وأنهم أدرى بمصلحتهم!!.
نظام "مدريد" والحماية الدولية
حتى العلامات الدولية، مثل علامات أي قناة فضائية أو سيارة أو منتج معين يتمتع بحماية دولية تحت نظام يسمي نظام "مدريد". بل لعلك تسمع عن الآي بي، وهي اختصار لمصطلح حماية دولية (International Protection) IP...
ألعلك رأيت كلما فتحت جهاز الكمبيوتر هذين الحرفين؟ إنها الحماية الدولية التي لا تسمح بتكرار نفس الرقم لأي كمبيوتر غير الكمبيوتر الخاص بك.
وهناك الحماية الدولية للرسوم والنماذج الصناعية، وتنظِّمها إتفاقية "لاهاي".
إذن نحن نمارس طلب الحماية الدولية لأفكارنا ومنتجاتنا وعلاماتنا وغيرها.. الناس جميعًا يحتاجون إلي حماية دولية تضمن حقوقها ضد أي اعتداء.
الأقباط المشرَّدون داخليًا
نعم، وينص القانون الدولي على حق المشردين داخليًا في الحماية الدولية. تسأل: ومن هم هؤلاء المشردون؟ حسنًا، بحسب نص القانون الدولي، هم كل من يلفظهم نظام الدولة من حمايته، في حين إنهم لا يستطيعون الوصول إلي حدود دولة أخرى تقبل حمايتهم. فهم مشرَّدون داخليًا.
"مصر" تقبل حماية أفريقية
هل تعلم أنه في 2004 تأسست المحكمة الأفريقية الخاضعة للاتحاد الأفريقي؟ وأنها دخلت حيز العمل الميداني 2006، وأنها متخصِّصة في حقوق الإنسان و(الشعوب)؟ ولها أربعة بروتوكلات؛ واحد للقضاء على التمييز ضد المرأة، وآخر لحقوق الطفل، وثالث للحقوق الصناعية، والبروتوكول الرابع اختياري لم يدخل حيز التنفيذ بعد، وهو لمناهضة التعذيب.. لكن مهمة هذه المحكمة هي الحماية القارية الأفريقية للشعوب والأفراد. و "مصر" واحدة من الموقعين عليها، فهي إذن تقبل الحماية الأفريقية للأفراد والجماعات المغبونة في حقوقها، بل وتدَّعي أنها تساهم مع بقية الأفارقة في حماية شعوب القارة، ومنهم "مصر" ومنْ فيها!!
"مصر" تطلب حماية دولية من "اليونيسكو"
بل نجد أن "مصر" حريصة كل الحرص أن تضع بقاع من أراضيها تحت رعاية دولية، وتسعى لكي تسميها "محمية" طبيعية، وتحصل بموجب هذه الحماية على تعضيد المجتمع الدولي (هيئة اليونيسكو) للحفاظ على هذه المحمية لسبب تفرُّدها بمواصفات خاصة لا تعوَّض. بل طمحت "مصر" ذات يوم في ترأس الهيئة المسئولة عن الحماية الدولية للتراث والآداب في العالم كله، ورشحت وزيرها "فاروق حسني" وزير الثقافة الأسبق، ولكنه طبعًا لم ينل المنصب.
ما يهم هنا أن "مصر" رأت في الحماية الدولية مسئولية، ورغبت في تولي هذه المسئولية. هكذا تنشد "مصر" من هيئة الحماية الدولية تدخلًا لحماية أجزاء من أراضيها ومن تراثها وآثارها.
هكذا نجد أنه توجد بالفعل نشاطات تخضع لحماية دولية في شئون صناعية وثقافية وعلمية، ورأينا أن "مصر" وقَّعت على قانون إنشاء محكمة أفريقية.
إذن ليست الحماية الدولية تهمة أو خيانة.
إذن الحماية الدولية هي سلوك عام تسلكه الدول بما فيها "مصر"، حيث أن الحماية الدولية ليست تهمة نسعى لنفيها عن الغير أو عن أنفسنا، ولا تندرج في أي قانون تحت بند الخيانة، وإلا فـ"مصر" تخون نفسها حين تطلب وضع محمياتها الطبيعية وتراثها وآثارها تحت حماية دولية تمدها بالدعم المالي والفني الذي لا تقدر على توفيره بنفسها لنفسها.
وهل "مصر" تخون نفسها بقبول حماية أفريقية لفئات من شعوبها إذا استنجدت بالمحكمة الأفريقية التي وقَّعت "مصر" على إنشائها، وعلى تحديد مهمتها في حماية الشعوب؟ لن أتحدث عن عضوية "مصر" في الأمم المتحدة التي تحتِّم عليها قبول الميثاق الدولي للأمم المتحدة، والذي يتيح للأفراد والجماعات اللجوء للمجتمع الدولي، حين لا يجد من مجتمعه المحلي حماية متكافئة.
صندوق النقد الدولي هو حماية مالية من المجتمع الدولي للمجتمعات المحلية المعرَّضة لمتاعب اقتصادية لا تقدر على مواجهتها بإمكانياتها وحدها.
هل ساهم جيش "مصر" في حماية شعوب أخرى؟
هل نسيتم حرب "الكويت" التي كان وقودها جيش "مصر" في حفر الباطن؟ لقد تحرَّك الجيش لحماية شعب اُغتصبت دولته، وشارك المجتمع الدولي في الحماية. فهل قال الكويتيون عنهم: هؤلاء مستعمرون؟ وهل قال المصريون عنهم: إنهم خونة؟ هل أصاب البعض أمراض الصرع، وتمرَّغ في التراب منددًا بالتدخل الأجنبي في "الكويت"؟
لقد ساهم جيش "مصر" في حرب "كوسوفو" بـ"يوغوسلافيا" السابقة؛ لحماية المسلمين من الكروات، فهل سمعنا مسيحي يقول إنها خيانة؟ أو تشنَّج أحدنا بحجة التدخل الأجنبي؟
إذا كان جيش "مصر" يقبل أن يقوم بدوره لحماية الآخرين، فلماذا لا يكيل بنفس المكيال لأقباط "مصر"؟ مع أننا لم ننادي يومًا بحماية عسكرية. وأعيد إننا لا نطلب حماية عسكرية حتي لا يتفلسف أحد.
عن أية حماية يتحدَّث الأقباط؟
الخلط الذي يحاول الغوغاء ترويجه هو بين الحماية العسكرية وحماية المجتمع الدولي. هم يحاولون تشويه كل المصطلحات التي يستخدمها العقلاء، فلو نادي العقلاء بالتغيير السياسي جعلوا التغيير عندهم هو تنفيذ الحدود الإسلامية، وتأسيس دولة الخلافة! إذا تكلمنا عن الديمقراطية يستغلونها ليتسلقونها، ويكممون أفواه من يعارضهم بحجة: أليست هذه ديمقراطيتكم التي رضينا بها؟ وها نحن نستخدمها لصالحنا. ما شأنكم ولماذا تعترضون؟! ويصبح المعترض على ديمقراطيتهم الغبية هو أحد الكفار!!
إذا تكلمنا عن الحماية، قالوا بل هي خيانة واستقواء بالخارج، واستعداء على الوطن، وكلام لا رائحة من القانون والمعرفة السياسية فيه. لهذا كانت مقدمة المقال أكبر من موضوع المقال نفسه.
لقد أردت أن يصبح لدى القبطي منطق يتكلم به إذا تحدَّث عن حماية دولية، ومنطق يشرح به مقصدنا من الحماية.
الحماية الدولية يا سادة هي أن ينهض المجتمع الدولي بمسئوليته عن أحد الشعوب المقهورة.
الحماية الدولية يا سادة، هي أن يضع المجتمع الدولي "مصر"، ممثلًا في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، تحت رقابة. يقيِّم القوانين التي تصدر ومدى إتفاقها مع ميثاق الأمم المتحدة، ومقدار عدالتها بمقاييس المجتمع الدولي، ويضع أحكام القضاء تحت منظار يقيس به مدى إتساقها مع الأحكام الدولية المماثلة لها. ليكشف الثغرات، ويصحِّح الأوضاع السلبية التي يعاني منها الأقباط. وكما ترون لا يوجد في الأمر جيوش ولا احتلال ولا يحزنون..
الحماية الدولية ترهن فعالية عضوية "مصر" ومعاملات التبادل الاقتصادي بإصلاحات توفيق أوضاع الإنسان المصري القبطي وبقية الأقليات، فهل في كلامنا شبهة خيانة؟ هل البحث عن دعم المجتمع الدولي للأخذ بيد "مصر" في شأن القوانين والدستور هل هذه خيانة؟
الدول المتقدمة ديمقراطيًا تستعين بخبرات من سبقها في الشئون الدستورية، وتستعين بسابقة الخبرات والحلول التي تم الآخذ بها عند التعرض لمشاكل في المجتمع العام. فهل صاح أحدهم هذه خيانة؟ أو صرخ كأحد فوارس بني "عنترة": واديمقراطيتاه؟!!
نحن دولة متخلفة دستوريًا، فهل لا يعرف المجتمع الدولي ذلك؟ بل يعرف. لذا نطلب منه أن يمد يد العون لإصلاح مجتمعنا الذي أفسده الدستور المتهرأ.
تمامًا كما كنا نستجدي تدخل البنك والصندوق الدولي لكي يمد يده للاقتصاد المصري المنهار، فيضع الاقتصاد والقرارت التي تصدر فيه تحت المنظار، ويطلب تعديلات في القوانين والمعاملات لكي يُصلح الاقتصاد، ويقبل أن يدعمه بالمنح والقروض.. فما الفرق إذن؟؟؟ أقول لكم: ما الفرق؟!!
مشكلة الشارع المصري مع مطلب الحماية الدولية
المشكلة أن تحاول إقناع جاهل بما لا يمكنه فهمه ولا ما هو مستعد لسماعه، أن تريد إقناع الغوغاء بأن يخضعوا لقانون عادل هو غاية في الصعوبة، كما أنه يهدد السلوك الذي اعتاد عليه، وهو الفوضى، والانتهازية، والعنف. فتكون كمن يريد أن يقيد أحد الوحوش المفترسة بالطوق، وهو الذي اعتاد الافتراس بغير قانون. ولا أخفي عليكم أن معظم المدَّعين بأن الأقباط يستعدون العالم على "مصر" هم من المسجلين خطر في الحياة السياسية، ولا يمتون بأي صلة لأصحاب المنطق القابل للمناقشة.
المشكلة عند رجل الشارع أن الذي يطلب هذا المدد هو قبطي. والقبطي ليس له حق عند دستور بلده، وقضاء بلده، والنظام الحاكم لبلده.
المشكلة أيضًا عند القبطي نفسه؛ لأنه لا يدري ماذا تعني الحماية الدولية، فهو يستقي معلوماته من مصادر محدودة مشوهة، فيصبح غير قادر على فهم ما وراء المطالبة بالحماية الدولية. فالبعض يتخيل أنها تعني توفير عسكري أجنبي يسير بجوار القبطي ويسهِّل له حصوله علي حقوقه! مفاهيم مغلوطة تروِّجها وسائل إعلام منحرفة وجاهلة في "مصر" سواء صحف أو فضائيات.
الحصول على الحقوق في لغة الشارع دائمًا يرتبط بلغة القوة والقهر، ولا يُفهم لغة القانون الدولي وحقوق الإنسان.
القبطي وديع لدرج أحلت دمه وعرضه وماله. والذين استحلوا ذاك كله لا يريدون أن يخسروا البقرة الحلوب التي تدر الخير على "مصر". وتدخُّل المجتمع الدولي سيوقفهم عن ابتزاز الأقباط، فكيف يصمتون؟!!.
تدخُّل المجتمع الدولي سيمنع القوانين المقيدة لحرية العبادة؛ لأنها ضد الميثاق الدولي لحقوق الإنسان، فكيف يسكتون؟ ثم إذا صار للقبطي حرية عبادة، منْ يضمن أن يبقى مسلم واحد على أرض "مصر" بعد سنوات قليلة؟!! لهذا يلعنون التدخُّل وطالبيه.
لعل القارئ يلاحظ أننا دائمًا نقول المجتمع الدولي وليس دولة بعينها؛ لأن المجتمع الدولي هو أسرة كونية وحيدة، أعضاؤها هم الدول المختلفة في الست قارات. حين نتكلم عن التدخل فالمقصود هو المجتمع الدولي (الذي يحمي الآن المسلمين في ليبيا من نظامهم الديكتاتوري وليس منْ يصيح واإسلاماه؟؟).
المجتمع الدولي الذي أنقذ مسيحيي جنوب "السودان" و"تيمور الشرقية"، وأقام لهم دولة.
لسنا نطلب دولة مثلهم، ولا انفصال، ولا تقسيم. بل نطلب تدخل المجتمع الدولي ليضع حلولًا يرفض النظام الحاكم وضعها. ولا ننادي بتدخل عسكري مطلقًا، ولا نقبله، ولا يوجد من يفكر في ذلك.
فلماذا لا نطلب من المجتمع الدولي أمرًا جادًا حاسمًا يجبر النظام على الكف عن التلاعب بالأقباط ومطالبهم؟
مشكلة الأنظمة الحاكمة مع مطلب الحماية الدولية
التدخل الدولي لحماية حقوق الأقليات لن يعني بحقوق الأقباط فحسب، بل وبكل الأقليات. فماذا ستكون النتيجة؟
اعتاد النظام التلاعب بالأقباط كورقة يلوِّح بها في السياسة الخارجية، فتارة يستخدمها مبرِّرًا لاعتقال خصومه بحجة حماية الوحدة الوطنية، وتارة يستخدمها وسيلة ضغط للحصول على مساعدات تصب في صالح الأشخاص وليس الدولة، وتارة هي ورقة للمساومة مع المعارضين الإسلاميين، يفاوضونهم في صفقات تضمن مصالح لكل طرف (النظام والإخوان)، ويكون الأقباط كبش الفداء!، وتارة يساوم بها الكنيسة ذاتها لكي يكسب تأييدها وتأثيرها على قطاع كبير من الشعب نظير بعض الاستجابة لبعض من المطالب. فماذا لو صارت هناك معاملة عادلة للأقباط؟ على أي شيء يساومون؟ وبأي حجة يعتقلون؟ وبأي ورقة يضغطون؟
ثم كيف يلهي النظام المصريين إذا صارت مواطنة ومساواة؟! فالنظام لازال يستخدم الفتنة كأحد وسائل التحكم في المجتمع، فماذا لو زالت الفتنة، وصارت المواطنة واقعًا؟!!
سوف تكون هناك ديمقراطية حقيقية (على المدي المتوسط)، وهذه لن تضمن بقاء أي نظام ليتقادم، بل تجعل بقائه مرهونًا بإنجازاته، وهذا ما لم يعتده أحد في "مصر". ففي "مصر" البقاء لمن يصل للكرسي، ثم لأولاده من بعده. فكيف يقبل النظام أن يتهدد بقائه؟ المواطنة تهدد بقاء الأنظمة الفاسدة، والقوانين الفاسدة، والقضاء الفاسد.
الحماية الدولية من منظور إنجيلي
دأب البسطاء، ولا لوم عليهم، على تسمية الحماية الدولية بغير أسماءها، تمامًا كما يفعل المتأسلمون. فمنهم من يقول ملعون الإتكال علي ذراع بشر، ومنهم من يقول إننا في حماية الله وحده، ومنهم من يضيف المسلمين إلي الله، ويقول إنه في حماية الله والمسلمين، كما قال أسقف الشباب. فهل أحل الإنجيل حماية الله والمسلمين، ولم يحل حماية الله والمسيحيين وغير المسلمين؟
السؤال بكل وضوح، هل طلب الحماية الدولية إتكال ملعون على ذراع بشر؟
لقد كان لبولس الرسول جنسيتان؛ جنسية إسرائيلية كعبراني من سبط بنيامين (فيليبي 3) والأخرى جنسية رومانية بحكم ولادته في "طرسوس" مقر الحاكم الروماني في "كيليكية"، وبسببها نال الجنسية الرومانية (أع 22). ولكل جنسية امتيازات خاصة بها.
لما أراد اليهود، أي بني جنسه، أن يجلدوا "بولس الرسول"، استغاث بجنسيته الرومانية وبـ"قيصر" قائلًا: إنهم جلدوهما (بولس وسيلا) (أع 16) وهما رجلان رومانيان حيث يقضي القانون الروماني بعدم جلد الرومانيين مطلقًا، لذلك خشي الوالي على نفسه بارتكاب هذه المخالفة، وأراد إطلاق سراحه. لاحظ أن "بولس" و"سيلا" لم يصليا إلي الله أن ينقذهما بل طلبا حقهما أولًا، ورفعا قضية دولية أمام "قيصر". (إلي قيصر أنا رافع دعواي).
فهل إعلان بولس الرسول وشريكه سيلا أنهما يحملان الجنسية الرومانية، مستخدمين حقهما في الاستفادة من امتيازات الجنسية، وبطلب التقاضي في "روما" عند "قيصر"، هل كان هذا إتكال علي ذراع بشر، ونالا بسببه اللعنة؟؟؟؟ هل قال أحد ذلك في أي وقت؟ قطعًا لا.
أعرف أن القديس "بولس" قد استغل هذه الاستغاثة بالقيصر لكي يبشر في "روما"، لكن هل هذا يمنع أنه استخدم حقه وامتيازات جنسيته الثانية التي يحملها لمجد اسم الله ولخدمته؟ وهل الإخوة أقباط الخارج لما يستخدموا امتيازات جنسياتهم الثانية لخدمة إخوتهم في "مصر" يكون ذلك مختلفًا عما فعله بولس الرسول؟ أين إذًا فكرة وحدة الكنيسة ومشاركة أعضاءها معًا كل الظروف؟ هل يشارك أقباط الخارج في الاحتياجات المادية، وحين يريدون مشاركة إخوتهم أقباط الداخل في ظروفهم السياسية يصبح تدخلهم لعنة في نظر البعض وعدم إتكال؟ ما معني الجسد الواحد إذن؟
ها هو بولس الرسول يطلب حقه بحماية دولية من أكبر إمبراطورية عرفها التاريخ، ولم يلمه أحد.
هل طلب المساعدة من دول أخرى ضد الإيمان؟ بل هو تطبيق صحيح للإيمان بحياة الشركة، تمامًا كما ساعدت الكنيسة الأولى المحتاجين في دول أخرى كان القديس بولس الرسول يجمع مساعدات من المسيحيين في كورونثوس إلي المسيحيين في أورشليم. أليست مشاركة من يملك لمن لا يملك هي جوهر الخلاص والمحبة؟
الحماية الدولية عمل سياسي مجتمعي دولي لا يتعارض مع الإنجيل بتاتًا، وليست بديلًا عن الإتكال علي الله، بل هو دور إنساني يترجم قول السيد المسيح له المجد "لماذا تلطمني؟"..
"اعبر إلينا وأعنا" لم تكن مناشدة لله، بل طلب عون من الأمم لأحد رسل لمسيح لكي يوصل رسالة المسيح للأمم. فهل طلب العون هذا كان إتكالًا على بشر، وإلغاءً للعون الإلهي، أو إنكارًا له؟ كلا البتة. هو طلب أيَّده الروح القدس، وكان مدخلًا لصوت الحق في وسط الأمم. وكانت الرؤيا التي فيها تلقي دعوة الرجل المكدوني هي صوت الله أيضًا لبولس الرسول، فقام حالًا وإتجه إلي مكدونية. فهل هناك ما يمنع أن يكون أعبر إلينا وأعنا هي صوت أقباط مصر لإخوتهم في الخارج؟ أم هي بدعة وضلالة؟
مسئولية الكنيسة عن أقباط الخارج رعويًا يصاحبها مسئولية أقباط الخارج عن الكنيسة اجتماعيًا وسياسيًا. فهم صوت للكنيسة وضمير لها في الخارج. عمل أقباط الخارج ليس بعيدًا عن دور الكنيسة الروحي، بل هو في قلب الروحيات، لكن كل فيما وُهب له..
أخيرًا نأتي إلي راحة القلب
أيها الرب الروح القدس. تفاضلت نعمتك جدًا وانسكبت علي القريب والبعيد، حتى لم يفلت إنسان من عملك المحيي. بوجودك أيها الساكن في المؤمنين جمعت المتفرقين إلي واحد. وبعملك فيهم صار الضيف بطلًا والبائس رئيسًا.
أحييت القصبة المرضوضة فصارت عصا لراع وصولجانًا لملك. أعدت تشكيل الطبيعة إلى صورة الله ومثاله، فصرنا كما نحن دائمًا مدينين لك. تضع لمساتك فتعط جمالًا لأعضاء ظن البعض أنها قبيحة، وتعط كرامة من عندك لأعضاء ظن الناس أنها بلا كرامة.
أيها الرب الروح القدس، ما أجمل تحننك علي الإنسان، ما أوفر عطاياك للبشرية؛ لأنك أخذت ما هو للآب والابن وأعطيتنا. جعلتنا أعظم من منارات العالم لما وهبتنا الطريق والحق والحياة.
أنت كنز الأبدية الذي لا ينقص ولا يضمحل. أنت غني وفرح لا ينقطع وفيك شبع النفوس وعزاءها.
من سواك يشعل الفتائل المدخنة فتتوقف عن إيذاء البشر بدخانها، وتصبح شعلة منتشلة من النار مثل بولس الطرسوسي؟!!
أنت الذي وضع في الإنسان روحًا، لهذا نفتح أفواهنا ونجتذب منك روحًا. روحًا مستقيمًا وقلبًا نقيًا.
يا روح الآب، إعطنا حياة البنوة لنرث في ملكوت الآب.
يا روح المسيح، اجعل خلاص المسيح مبتغانا وربحنا للأبدية، وسر قبولنا لدى الآب.
يا روح الحق، فليكن الحق أمامنا منهجًا لكي تبق فينا غير منطفئ.
يا روح العزاء، لتنسكب تعزياتك غير المحدودة على شعبك، ولا سيما المنكسرين منهم المستندين عليك.
يا روح المحبة، أعد توطين المحبة في بلادنا، في قلوبنا، في كنائسنا.
أيها الروح القدس الإله الساكن في الإنسان، لك المجد من الإنسان الضعيف الذي يعرف سخاء نعمتك وعظمة أعمالك اللانهائية.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com