قراءة في ملف الأمور المسكوت عنها-(355)
بقلم يوسف سيدهم
هدأ مؤقتا الجدل الذي احتدم حول القانون الموحد لبناء دور العبادة تحت وطأة تسارع الأحداث, فما بين صدوروثيقة الأزهر التي أحدثت دويا تنويريا في الساحة السياسية, وبينجمعة الثورة أولا التي دقت ناقوس الخطر إزاء تعطيل وتسويف مطالب الثوار بميدان التحرير...هكذا يلهث المصريون وراء الأحداث والتغييرات لايكادون يستوعبون أحدها حتي يفاجأون بالجديد الذي يباغتهم ويستولي علي تركيزهم.
أمور كثيرة متروكة معلقة لم تحسم ومن بينها ما يتصل بملفات الكنائس المغلقة التي برزت علي السطح منذ شهرين حين وعد الدكتور عصام شرف رئيس الوزراء بتشكيل لجنة لدراسة حالات هذه الكنائس وإصدار القرارات اللازمة لفتحها...وكانت الباقة الأولي التي قدمت له تضم نحو خمسين كنيسة منتشرة عبر معظم محافظات مصر لكن القاسم المشترك الأعظم الذي يربط بينها هو سبب الإغلاق...إنهالأمن أوالدواعي الأمنية وهو الواقع الكئيب الكريه الذي كان يتحكم في مصائر الكنائس عبر العقود الأربعة الماضية ويعرفه كل من كانت له صلة ببناء كنيسة أو تجديدها أو ترميمها أو حتي صيانتها.
أصدرت اللجنة المعنية بدراسة حالات الكنائس المغلقة قرارها الأول بالإفراج عن ست عشرة كنيسة, وصدرت القرارات التنفيذية بالموافقة علي فتح أول ثلاث منها:في أسيوط والمنيا وعين شمس...وتم فتح كنيستي أسيوط والمنيا بينما انفجرت أحداث سلفية أمام كنيسة عين شمس ترفض فتحها, وبعد عقد مؤتمر شعبي هناك رؤي تأجيل الفتح لمدة شهر لحين مراجعة أوراق الكنيسة من قبل السلطات الرسمية...وللأسف الشديد يبدو الأمر معقدا بدرجة كبيرة لأن الأوراق صحيحة وقانونية والسلطات الرسمية تعرف ذلك والإ ما كانت وافقت علي افتتاحها, إنما الحقيقية أنه تم التأجيل كسبا للوقت وامتصاصا لهياج السلفيين الرافضين للكنيسة, ولست أدري ماذا تنوي الدولة فعله لتفعيل القانون لدي انقضاء الشهر؟!!
فإذا كانت تلك هي باكورة المشاكل التي صاحبت فتح الكنائس المغلقة, فلا غرابة إذا في تجمد الجهود نحو مواصلة دراسة ذلك الملف, ولا غرابة في استمرار الاحتقان المصاحب له, وبناء عليه تنحسر الآمال في قرارات الفتح ويعود التطلع إلي حتمية إصدار القانون الموحد لبناء دور العبادة لكفالة الحرية وترسيخ المساواة بين المصريين في هذا الخصوص.
وبينما نحن نترقب تطور الأمور في ملف الكنائس جاءتني أوراق كنيسة مغلقة تجأر بالشكوي من التعسف والظلم الذي حاق بها, وأسرعت أبحث عنها ضمن جدول الباقة الأولي التي قدمت للدكتور عصام شرف فلم أجدها...إنها كنيسة الشهيد مارجرجس للأقباط الكاثوليك بناحية حجازة قبلي- مركز قوص- محافظة قنا- قصة هذه الكنيسة ليست جديدة علي ملف الكنائس وسبق أن تناولت الكثير منها ضمن ملفالأمور المسكوت عنها لكن حرصي علي تسليط الضوء عليها نابع من ضرورة ضمها لجداول الكنائس المطلوب فتحها ورفع الظلم عنها لأن أوراقها سليمة وقانونية علاوة علي كونها الكنيسة الوحيدة للأقباط الكاثوليك بناحية حجازة.
كنيسة الشهيد مارجرجس للأقباط الكاثوليك بحجازة قبلي يعود تاريخ بنائها إلي عام1900 في مستهل القرن العشرين وهي مبنية بالطوب اللبن وبالتبعية من المفهوم أن تظهر علي حوائطها آثار الزمن حيث تشققت وتصدعت وانهار جزء من سقفها, وما عجل بالأضرار التي حاقت بها وطأة السيول التي تعرضت لها المنطقة مرة تلو أخري.
لم تتعثر أوراق الكنيسة عندما تقدم القائمون عليها بطلبات تدعيمها إلي السلطات المختصة, بل أوصي تقرير مهندسي الحي بضرورة هدمها وإعادة بنائها حيث لم يكن يصلح معها التدعيم أو الترميم, كان ذلك في 1987 ثم احتاج الأمر نحو ست سنوات لتصدر موافقات الأجهزة الأمنية في عام 1993 والتي علي أثرها صدرت التراخيص الرسمية وبدأت أعمال الهدم وإعادة البناء تحت إشراف الإدارة الهندسية لمركز مدينة قوص.
انتهت أعمال الهدم وإزالة الانقاض وتبعتها أعمال تنفيذ أساسات وحوائط المبني الجديد ثم إقامة الشدات الخشبية ورص حديد التسليح تمهيدا لصب السقف الخرساني, وهنا ثار بعض ضعاف النفوس من المسلمين محتجين علي إعادة بناء الكنيسة, ولأنهم يعلمون أن أوراق المشروع رسمية وصحيحة وصادر له ترخيص لجأوا إلي حيلة اتهام المشروع بمخالفة الرسومات التي صدر الترخيص بناء عليها...وبالرغم من تأكد الجميع أن ذلك الاتهام محض افتراء إلا أن الأجهزة المعنية تحركت لتشكيل لجان للفحص والمعاينة انتهت كلها إلي إثبات أن الأعمال الجاري تنفيذها مطابقة تماما للرسومات ولاشتراطات الترخيص ولا توجد أية مخالفات أو تجاوزات...لكن كل ذلك لم يشفع لتأسيس براءة مبني الكنيسة من الهجمة الشرسة التي تعرض لها وانتهي الأمر بإيقاف التنفيذ لذات السبب المألوف وهوالدواعي الأمنية.
لجأ القائمون علي الكنيسة إلي القضاء للمطالبة بحقهم وبذلك دخلوا النفق الطويل المظلم للتقاضي حيث يستوي العدل البطئ بالظلم وحيث يسمح القانون للمعتدي والمدعي بالتمتع بغيه سنوات طويلة إلي أن يصدر حكم العدالة, وبالفعل لم تخرج الكنيسة من ذلك النفق إلا عام2005 عندما صدر حكم القضاء الإداري بقنا بإلغاء قرار الجهة الإدارية بإيقاف الأعمال في المبني والسماح باستئناف البناء...الحكم كان مفرحا للكنيسة واستبشر الجميع خيرا نحو الإفراج عن المبني الموقوف, لكن الأمن كان له رأي آخر, ولم يتم تنفيذ الحكم حتي يومنا هذا!!.
إنني أضم هذه الكنيسة إلي جدول الكنائس المغلقة...لكني أعتقد أن الخلاص الحقيقي من هذا الواقع البائس يكمن في القانون الموحد لبناء دور العبادة.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com