ÇáÃÞÈÇØ ãÊÍÏæä
طباعة الصفحة

مخاوف متبادلة بين الإسلاميين والليبراليين في "مصر الجديدة"

swissinfo.ch | 2011-07-30 16:23:05

صِـراعٌ مكتومٌ بين الإسلاميين والليبراليين في مصر، بدأ في الظهور على السَّـطح عقِـب نجاح ثورة 25 يناير 2011، في الإطاحة بالنظام السابق ومعه بدت هناك مخاوِف متبادَلة بين الفريقيْـن، وصلت إلى حالة من "التَّـخوين" و"التشكيك"..

.. إلى الحدِّ الذي جعل البعض يتخوّف على مُـكتسبات الثورة، إن استمر الأمر على ما هو عليه، وسط نداءات من وطنيِّـين بأن يبقى الأمر في حدود "التنافُـس السياسي الشريف" وأن لا يصل إلى حدِّ "الصراع الفكري المحموم".

وللوقوف على حقيقة الصِّـراع بين الطرفيْـن، التقت swissinfo.ch كلا من: الدكتور عمرو حمزاوي، الخبير السياسي والناشط الليبرالي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة وكبير الباحثين السابق لدراسات الشرق الأوسط بمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، وجورج إسحق، الناشط السياسي والمنسق العام الأسبَـق لحركة كفاية وعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان؛ والدكتور أحمد أبو بركة، القيادي الإخواني والمستشار القانوني لحزب الحرية والعدالة والنائب البرلماني السابق، والدكتورأحمد منيسي، الخبير بمركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام ومؤلف كتاب "حركات التغيير الجديدة في الوطن العربي.. دراسة للحالة المصرية"، الصادر عام 2009.

مخاوف الليبراليين!!

استهلّ الناشط الليبرالي الدكتور عمرو حمزاوي بقوله: "سأتكلَّـم عن الليبراليين، وهُـم يتخوّفون من علامات استفهام تُـثار حول مدى التِـزام الإسلاميين بالدولة المدنية، في شكل الدولة القادمة بعد الثورة. فمرجعية الدولة المدنية النهائية، هي الدستور ولا شيء آخر، مع التأكيد على إمكانية استدعاء الدستور للإسلام كمرجَـعية. فالدولة المدنية تحترم حقوق الجميع، كما يتخوّفون أيضا من الخلْـط بين الدِّيني والسياسي"، مشيرا إلى ضرورة "أن يتِـم اختصار الدِّين في رأي جماعة، وأن لا يتمّ توظيف الخطاب الدِّيني لخِـدمة السياسة".

وأضاف حمزاوي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة في تصريحات خاصة لـ swissinfo.ch : "هناك أكثر من حالة تمّ فيها توظيف الدِّين لخدمة أغراض السياسة، منها: الاستفتاء الأخير الذي تمّ على التعديلات الدستورية في شهر مارس 2011 والذي سبِـقته وصاحَـبته حالة من الاستقطاب السياسي، التي مارسها الإسلاميون، ومن قبل إصرار جماعة الإخوان على استخدام شعار (الإسلام هو الحلّ) في حملاته الانتخابية، اعتبارا من انتخابات 1987 وما تلاها (1995 و2000 و2005 و2010)، مع كونه شعارا دينيا، لا سياسيًا".

وتابع حمزاوي: "ما قضَـت به المحكمة من عَـدم مخالفة الشعار لدستور البلاد واتِّـفاقه مع المادة الثانية من الدستور، والتي تنُـص على أن (الإسلام دِين الدولة الرسمي والشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع)، هو حُـكم قضائي، لكنه لا ينفي الأثر السياسي الذي خلَّـفه استخدام هذا الشعار لدى عامة الناس"، مشدِّدا على أن "الإخوان ليسوا المتحدِّث الرسمي باسم الإسلام في مصر، مع التأكيد على عدم مخالفة المرجعية الإسلامية للدولة"

"أخطر مراحِـل الثورات"!

ومن جهته، قال جورج إسحق، الناشط السياسي: "نحن في مرحلة توافُـقية، وهي مرحلة يجِـب أن نقبل فيها كافة التيارات السياسية، مهْـما كانت توجُّـهاتها الفكرية، وأن يقدِّم فيها الجميع بعض التنازلات لمصلحة مصر لا أن تتمتْـرس فيها، مُـصرّة على تحقيق أكبَـر مكاسب مُـمكنة. لابد أن يحدُث فكّ اشتباك لنقاط الخلاف، لكي نتمكّـن من التحرّك إلى الأمام"، محذرا من أنه "إذا تمسَّـك كل طرف بما يقول ويعتقد ويريد، فإن مصر ستقف على حافة الخطر".

وأضاف إسحق، المنسق العام الأسبق لحركة كفاية في تصريحات خاصة لـswissinfo.ch "الإسلاميون في مصر تميَّـزوا على الليبراليين، بأنهم نزلوا إلى الناس وقدَّموا لهم مساعدات حقيقية ملموسة، أما الليبراليون، فقد اكتفَـوْا بالظهور في الفضائيات والاجتماع في الغُـرف المُـغلقة!! وعلى الليبراليين أن ينزِلوا إلى الناس ويندمِـجوا مع الجمعية العمومية لعموم الشعب المصري في ميدان التحرير وفي ميادين مصر كلّـها"، مشيرا إلى أن "كل الناس في مصر اليوم، بعد ثورة 25 يناير، تتكلَّـم في السياسة".

وتابع: "أنصح الإسلاميين بأن لا يستخدِموا فائِـض القوة، لأن هذا هو ما دمّـر الحزب الوطني (المُـنحَـل)، كما يجب عليهم أن لا يستخدموا المساجد في تدعيم خطابهم السياسي، لأن استخدام منابِـر المساجد أو الكنائس في الدّعوة السياسية لحزب ما، ينحرف بها عن وظيفتها الأساسية"، مؤكدا أنه "لن يستطيع أحد أو قوة ولا يملك إقصاء أي أحد أو أي فصيل، وما لم يتعلم الإسلاميون الدّرس، فسيكونون هُـم الخاسرون".

ورفض إسحق ما صرّح به محمد سلماوي، رئيس اتحاد كتَّـاب مصر والأمين العام لاتحاد الكتّـاب والأدباء العرب، لوكالة أنباء الشرق الأوسط من أن (الإخوان والإسلاميين يمثِّـلون خطرا داهِـما يهدِّد المبادِئ التي قامت من أجلها الثورة، وأولها الدولة المدنية، نافيا وجود ما يسمُّـونه "دولة مدنية، ذات مرجعية دينية"، مضيفًا أنه، إزاء هذا التّـهديد لابُـد من تكتُّـل أنصار الدولة المدنية والديمقراطية والحرية، وراء أقوى مرشحيهم أيّـاً مَـن كان.. وإلا فستتفرّق أصواتنا في مواجهة تكتُّـل أصواتهم لمرشح واحد)، موضحا، "نحن لا نتكتَّـل ضد أحد ولا نسعى لإقصاء أحد".

وقال إسحق: "نحن في مرحلة الوطنيين الذين حرّروا البلد من الاستبداد والذين يجب عليهم أن يتكاتَـفوا ليصلوا إلى صيغة توافُـقية"، مشيرا إلى أن "هذه المرحلة ليست مرحلة صراع. مرحلة الصِّـراع قادمة، لكن ليس الآن. أما الآن فنحن جميعا في مأزق في مرحلة انتقالية للثورة، وهي أخطر مراحل الثورات، لأن الأوضاع فيها تكون غيْـر مستقِـرّة، والناس جميعا تتحدّث في السياسة. فهناك حالة سُـيولة وارتِـباك".

ويضع إسحق روشِـتةً (وصفة) للخروج من هذا الصِّـراع، تتلخَّـص في "وضع ميثاق أو رُؤية نتفق عليها جميعا، تكون بمثابة إطار مرجعي ووضع معايير تلمّ شمْـل الأمة للهيئة أو الجمعية التأسيسية، التي سيقع على عاتقها وضع دستور جديد للبلاد، إضافة إلى إجراء انتخابات (برلمانية ورئاسية) حُـرة ونزيهة، على أساس القائمة النِّـسبية المُـغلقة".

"محاولة لتزييف الحقائق"!

وردّاً على كلام حمزاوي وإسحق، استهل الدكتور أحمد أبو بركة حديثه قائلا: "لا يوجد ثمّـة صراع بين الإسلاميين والليبراليين، وإنما هناك فصيل يلتزم بالمشروعية وسيادة القانون وقواعد الديمقراطية واحترام سيادة الشعب، ويتحرك لإنجاز التغيرات الجِـذرية في النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي، مقابِـل فصيل آخر، نلمَـح من سُـلوكياته أنه يسير أو يريد أن يسير على خِـلاف هذه القواعد. فهو يُـمارس الديمقراطية عندما يراها في مصلحته فقط، وقد شاهدنا هذا واضحا في محاولته الالتِـفاف على رأي الشعب الذي قالت غالبيته (77.2%) نعم للتعديلات الدستورية، ثُـم شاهدناه في جُـمعة (الدستور أولا) ثم في مطالبته بوضع ما أسْـماه (المبادِئ فوق الدستورية!).

وقال أبو بركة، المستشار القانوني لحزب الحرية والعدالة في تصريحات خاصة لـswissinfo.ch "أكاد أجْـزم بأنه لا يوجد خلاف بين أيّ مصري حول شكل الدولة وعلاقة السلطات الثلاث (التشريعية/ التنفيذية/ القضائية) ببعضها البعض، لكن البعض من هذا الفصيل (الليبرالي) يُـحاول إثارة معارِك وهْـمية لا وجود لها إلا في خياله هو، بهدَف تعطيل مسيرة الديمقراطية ونشر التوجُّـس، محاولا فرض إرادته (الأقلية) في مواجهة (الأغلبية".

وأضاف: "الحديث عن المرجعية الإسلامية للدولة المدنية بهذه الصورة، هو نوع من الخلْـط أو الجهل أو التَّـزوير، وهو محاولة لتزييف الحقائق، رغم أن المُـصطلح العِـلمي يعبِّـر عن الحقيقة، فلا يوجد شيء إسمه الدولة المدنية في العلوم السياسية، كما لا توجد جماعة إنسانية بدون دِين، لأن الدِّين مُـقوِّم من مقوِّمات المدنية"، مشيرا إلى أن "مصطلح دولة مدنية، هو مصطلح مضلِّـل لم تعرفه العلوم السياسية، ومِـن ثم، فإن هذا خلْـط ماكر وخبيث".

وأوضح أبو بركة أن "كل القِـيم الإنسانية (الحرية/ العدالة/ المساواة/...إلخ)، لم تعرفها البشرية إلا من خلال الأدْيان"، معتبرا أن مشكلة مَـن يسمُّـون أنفسهم بالليبراليين، أنهم يكرَهون فِـكرة الدِّين ويعادونها ويحاولون محاربتها، وذلك نظرا لأن الشعوب العربية متديِّـنة بطبعها (مُـسلِـمة كانت أو مسيحية).

"لا وجود لهم في الشارع"!

وقال أبو بركة: "الليبيراليون يعلَـمون جيِّـدا أنهم "لا وجود لهم في الشارع وبين الناس على أرض الواقع"، متسائِـلا: "أليْـسوا هُـم (الليبراليون) مَـن كانوا يحكموننا خلال الستِّـين عامًا الماضية في مصر، خلال حُـكم الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر (1954- 1970) وخلال حُـكم الرئيس الأسبق محمد أنور السادات (1971- 1981) وخلال حُـكم الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك (1981- 2011)؟".

وأضاف: "ألَـم يكونوا – خلال العقود السِـتّ الماضية - يعادون الفكرة الإسلامية والمَـظاهِـر الإسلامية، ويحاربون صعود الإسلاميين؟! ألَـم يكونوا هُـم مَـن يسبِّـحون بحمد الحكّـام في مصر؟ أليْـسوا هُـم مَـن كانوا يتولّـون المناصب العليا والمهمّـة في الدولة: رئاسة مجالس إدارات ورئاسة تحرير كلّ المؤسسات الإعلامية في مصر؟"، مُـشيرا إلى أن هذا السلماوي، هو واحد من هؤلاء! ... إنهم لا يُـؤمنون بالديمقراطية، والدليل محاولتهم الانقلاب على نتيجة الاستفتاء على التعديلات الدستورية".

وانتقد أبو بركة دعوة المهندس ممدوح حمزة ، الناشط السياسي، جميع الأحزاب والقِـوى السياسية الليبرالية والعِـلمانية والقومية للتكتل، والوقوف صفا واحدا في مواجهة جماعة الإخوان خاصة، والتيارات الإسلامية عامة، معتبرا أنها تكشف حقيقة ما يتشدّق به من إيمانه بالديمقراطية وتفضح خُـططهم الماكِـرة للوقيعة بين المجلس الأعلى للقوات المسلحة والإخوان، من خلال التَّـرويج لشائعة أن هناك تنسيق بين الإخوان والمجلس.

وكشف أبو بركة عن أن وسائل الإعلام (الخاصة) في مصر، سواء المقروءة (الصحف) أو المرئية (الفضائيات)، وخاصة برامج (التوك شو)، التي يملكها رجال أعمال، استفادوا من فترة حُـكم الرئيس المخلوع، هي أبرز أدوات الليبراليين في مواجهة الإسلاميين، حيث تشنّ هذه الصحف وتلك البرامج سلسِـلة حملات مُـمنْـهجة، للتخويف من الإخوان والتشكيك في نواياهم ومقاصدهم والطَّـعن في وطنيتهم وانتمائهم!!

واختتم أبو بركة بقوله: "نصيحتي للشعب المصري عامة وللإسلاميين خاصة، أن لا يلقوا بالاً لهذا الصراع الفارغ، لأنها حرب بلا مضمون، حتى نبني الدولة ومؤسساتها ونبني النظام السياسي المُـناسب لبلدنا. فللأسف، هناك دول في المنطقة يهمُّـها أن لا تقوم في مصر دولة قوية"، معتبرا أن "هذه الحملة لن تؤثِّـر في الشعب المصري، لأن حملات التخويف والتَّـخوين التي يطلقها الليبراليون في مواجهة الإسلاميين، لم ولن تنجح، ولابد من مواجهتهم بخطاياهم".

نعم للتنافس.. لا للصراع!

وفي تعليقه على الموضوع، قال الدكتور أحمد منيسي، الخبير بمركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام: "بالطبع، هناك مخاوف متبادَلة بين الإسلاميين والليبراليين في هذه المرحلة من تاريخ مصر، وكل منهما له مبرِّراته. فلم تشهد مصر من قبْـل انتخابات حرّة توضِّـح وزْن كل تيار سياسي، وبالتالي، كل منهما يخاف من قوّة الآخر ومن إمكانية سيطرته على الحياة السياسية وتفرُّده بالسلطة، خاصة في هذه المرحلة التي يُـعاد فيها تشكيل النظام السياسي المصري".

وفي تصريحات خاصة لـ swissinfo.ch، أضاف منيسي، مؤلف كتاب حركات التغيير الجديدة في الوطن العربي.. دراسة للحالة المصرية: "التيار الليبرالي يخشى تحديداً من قيام الإسلاميين بتدْيِـين الدولة وصبغها بهُـوية إسلامية متشدِّدة، تضع قيودا على الحريات الشخصية والعامة، على غِـرار ما حدث في بعض التجارب، رغم أن هناك تجارب أخرى قدَّمت الإسلام بوجهه الحضاري العظيم، مثل تجربة حزب العدالة والتنمية في تركيا"، بينما "يخشى الإسلاميون بدوْرهم من قيام التيار الليبرالي بتطبيق نموذج للديمقراطية يؤدّي إلى التأثير سلباً على هُـوية مصر الإسلامية والحضارية".

وتابع منيسي: "ويعتمد الإسلاميون في صراعهم مع الليبراليين على الشارع المصري المتديِّـن بطبعه والحريص على هويته الحضارية المغايِـرة إلى كثير من قِـيم ومبادِئ الحضارة الغربية. أما الليبراليون، فيعتمدون على وسائل متعدِّدة، منها التخويف من التضييق على الحريات الخاصة، حال وصل الإسلاميون إلى الحكم. وطرح نماذج الديمقراطية الغربية الناجحة كمثال، يجب أن تسعى إليه مصر بعد أن عاش لعقود طويلة في فساد واستبداد وفقر مطلق".

وردّا على سؤال: إلى أيّ مدى يمكن أن يؤثر هذا الصراع سلبيا على استقرار ومستقبل مصر السياسي؟، قال منيسي: "الحقيقة أنني أرى أن ما يجري هو تنافُـس وليس صراع، وإن كان تنافسا شرسا في بعض الأحيان. المهِـم، أن لا يتحوّل إلى صراع، لأن الصِّـراع يعني سعي كل منهما لإزاحة الآخر بكل الأدوات المتاحة. أما التنافس، فيسعى فيه كل تيار إلى السيطرة على الحُـكم، ولكن من خلال أدوات مُـتعارَف عليها في الديمقراطية، أي الانتخابات العامة"، معتبرا أن "المطوب هو تهذيب هذا التنافس الذي يبدو في بعض الأحيان شرسا من خلال حصول توافق بين الطرفيْـن على قواعد منافسة لا تنفى الآخر، أي يتفق الطرفان على التنافس السياسي وليس الصراع".

واختتم الدكتور منيسي قائلا: "هذه رُؤيتي. والدليل، أن الجميع قبِـل بالاستفتاء، وإن سعى التيار الليبرالي لوضع الدستور أولا، وهذا راجع إلى شكوكهم في الإسلاميين، وهدفهم ليس الانقلاب على نتائج الاستفتاء، وثمة إمكانية للتوافق من خلال الوثيقة الإرشادِية للدستور المُـزمَـع وضعه".

 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع

جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com