بقلم: منير بشاي
قبل أن يسبقني أحد إلى تبني هذا الاسم الجديد لجمعة قادمة في ميدان "التحرير"، أعلن للجميع أنني أحتفظ بحقي كصاحب براءة الاختراع، وكل ما يتعلق بذلك من حقوق قانونية. هذا طبعًا مجرد مزاح، فواجب الأمانة يقتضي مني أن أعترف أن هذا المفهوم ليس من ابتكاري، فهو شىء عادي معمول به في كل دول العالم. وحتى في "مصر" كان معروفًا- إلى حد ما- إلى أن قامت ثورة 25 يناير 2011.
ومن سخريات القدر، أن الثورة التي قامت لتصحِّح أوضاعًا سيئة انتشرت في البلاد، ولكي تبني "مصر" على أسس سليمة، على مدى أكثر من 6 شهور مايزال الثوار يترددون على ميدان "التحرير" لا عمل لهم سوى الاعتصام! وكل فصيل من المجتمع يختار يوم جمعة ويطلق عليه اسمًا ويجمع مريديه للذهاب إلى الميدان للمطالبة به، ثم يجىء فصيل آخر وينظِّم لجمعة أخرى أكثر عددًا وأعلى صوتًا لتغطي على سابقتها.
عاصرنا عشرات الجمع، بداية بجمعة "الغضب"، ومرورًا بجمعة "الحسم"، ثم جمعة "الرحيل"، ثم جمعة "الزحف"، وأخيرًا جمعة "لم الشمل". وفهم كل حسني النية أنهم سيعملون على توحيد الصفوف وضم كل المصريين في جبهة واحدة. ولكن يبدو أن ما كانوا يهدفون له هو التخلص من كل ما عداهم ليصبحوا هم الوحيدون المسيطرون على الساحة، ولتصبح أيديولوجيتهم الدينية هي أساس الحكم وكل من لا يؤمن بها كافر.
من البديهي أن "مصر" لم تكن قبل الثورة في أحسن أحوالها الاقتصادية، بل يمكن أن يُقال عكس ذلك تمامًا، إنها كانت بكل المعايير في حالة سيئة. فعجلة الإنتاج كانت تتحرك ببطء شديد، والبيروقراطية الحكومية الممتزجة بالفساد كانت تشل أي محاولة للتقدُّم. ولولا الإعانات الدولية الغربية والعربية لما أمكن للأوضاع في "مصر" أن تستمر. ولعل هذا كان أحد الأسباب الرئيسية لقيام الثورة.
نجحت الثورة في إسقاط النظام وإزاحة رموزه ووضعهم في السجون تمهيدًا لمحاكمتهم. ولكن هدم النظام القديم لن يفيد شيئًا إن لم يصحبه العمل المنظَّم الدؤوب لبناء البلاد على أسس علمية واقتصادية سليمة، لتحقيق قيام دولة عصرية منتجة تتيح فرص العمل الشريف لكل مواطنيها، مما يعود بالفائدة على المواطن وبالتالي على الوطن كله.
على مدى 6 شهور الآن، ماتزال الاعتصامات قائمة، وماتزال الجمع تتوالى الواحدة بعد الأخرى للمطالب. فمتى تتوقَّّف عملية المطالبة ويعود كل مواطن لعمله حتى تبدأ عملية البناء لتحقيق هذه المطالب؟ إن لم يحدث هذا، فبعد عشرة سنوات سوف نظل نبحث عن أسماء جديدة نطلقها على الجمع المختلفة، وقد يكون منها "جمعة وقف المجاعة"، فالشعب الذي لا يعمل قد يأتي عليه الوقت أن لا يجد الطعام.
أشعر بالحزن لمجرد أن أذكر هذا كمجرد احتمال. فـ"مصر" غنية بعقول أبنائها الذين ينتجون ويبتكرون ويبدعون عندما يهاجرون إلى بلاد أخرى. و"مصر" غنية بخصوبة أرضها التي كانت على مدى التاريخ سلة الطعام التي تشبع نفسها وغيرها. و"مصر" غنية بآثارها التي إن أُحسن استغلالها يمكن أن تكون منجم ذهب لكل أبنائها. و"مصر" غنية بالحرفيين المهرة في صناعات كثيرة يبحث عنها المستهلك في كل مكان. و"مصر" غنية بالعباقرة في جميع فروع الأدب والفكر والفن والعلم. ومن العار أن يصبح هذا حال "مصر"، وأن ينتهي بها الأمر أن تصدِّر بناتها ليعملن خادمات في بلاد كانت منذ وقت قصير تمد يدها لـ"مصر" طلبًا للمعونة، وكان المال في وقت من الأوقات يسمَّى باسم "مصر"(مصارى).
واضح أن عوامل النجاح تكمن في تفادي معاول الهدم وفي التركيز على العمل.. العمل.. العمل.. ثم الراحة. ثم العمل من جديد.
متى يتشبَّه المصريون بالشعوب الناجحة فيقدّرون قيمة العمل، فيعملون بأمانة وإخلاص ستة أيام في الأسبوع ثم يرتاحوا في اليوم السابع؟!. بل إذا كان الله تعالى اسمه قد قام بهذا، أفلا يجب على البشر أن يفعلوا المثل؟ "وفرغ الله في اليوم السابع من عمله الذي عمل، فاستراح في اليوم السابع من جميع عمله الذي عمل" (سفر التكوين 2: 2).
فلتكن الجمعة القادمة، وكل جمعة بعدها "جمعة الراحة". وهي حق لكل مصري يحتاجه بعد أسبوع كامل يقضيه في العمل الشاق، سواء كان في المدرسة، أم الإدارة الحكومية، أم المصنع، أم الشركة الخاصة، أم مكان العمل مهما كان.
وما أحرى أن يتم هذا بالذات في شهر رمضان، شهر الصوم والعبادة. فمراعاة الله في الوطن والمواطنين هو في ذاته قيمة عظيمة من القيم الكثيرة التي يدعو لها هذا الشهر. ولا يجب أن ننسى أن العمل عبادة.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com