تنتشر في العراق ظاهرة الكتابة على اجزاء الجسم أو ما يسمى بالوشم، وفيما يعتبر البعض وبخاصة الفتيات هذا الأمر مجرد اداة لجذب الانتباه يرى آخرون أنه يعطيهم مزيداً من الجمالية.
يتباهى شباب عراقيون كثر هذه الأيام بزخارف وكتابات زرقاء وسوداء على أجزاء ظاهرة من أجسادهم، حيث يحرص هؤلاء على إبرازها لاسيما في التجمعات والمتنزهات في محاولة لجلب انتباه الآخرين لاسيما الفتيات، كما يرغب البعض فيها لأسباب جمالية بحتة لاعتقادهم أن تلك الخطوط الزرقاء ستضفي جمالية على أشكالهم.
وإذا كان الوشم موغل في القدم بين العراقيين، إلا أن أهدافه في الماضي كانت مختلفة، ولم يكن غاية، بل وسيلة علاجية أو جمالية، وأغراض أخرى تتعلق بالحالة النفسية والسحر، أما اليوم فأنها بين الشباب مظهر من مظاهر المراهقة، واستعراض في الشكل أمام الآخرين لغرض التباهي.
وبحسب كريم الساعدي الباحث الفولكلوري فان أغلب أعمال الوشم تنتشر بين المراهقين من الذكور ونسبة اقل بين الإناث. ويرى الساعدي أن الوشم يتخذ منحى جديًا في توسعه بين الفتيات أيضا، فبعض الفتيات العراقيات يوشمن في أجزاء (ملفتة) لنظر الرجال وبدا بعضهن يستخدمه كبديل للحلي.
ويقول الساعدي إن الوشم ينتشر بين نساء العراق منذ عقود، لكنه كان لأغراض طبية ونفسية، وليس له إغراض استعراضية أو للإثارة كما يحدث اليوم.
الوشم قديم في العراق
وتلمح في مدن العراق المختلفة لاسيما في القرى والأرياف نساءً عراقيات وشمن على الوجه والرقية رموزا دينية، وإشارات سرية تتعلق بالسحر وجلب الرزق ودرء الحسد وطرد الأرواح الشريرة.
لكن العراقيين لم يحبذوا الوشم للرجال من قديم الزمان، وكان يلجئون إليه في حالات خاصة جداً تتعلق بالتطبب وابعاد الحسد، ويمكن أن ترى الكثير من العراقيين ممن وشمت مقدمة انفه بنقطة خضراء، وهو وشم رجالي انتشر بين العراقيين من قديم الزمان لأغراض جلب الرزق وأبعاد الحسد.
وشك الرجال
ويقول الباحث في الفولكلور العراقي حميد جاسب إن المجتمع العراقي ينبذ في طبيعته الرجل صاحب الوشم الكثير، ولهذا تجد أن الكثير من الرجال من وشموا وهم صغار يخفون وشمهم اذا ما ظهر للعيان، على انها غالبا ما تكون في أماكن مخفية من الجسم.
لكن الوشم الحديث بحسب الساعدي ذو طبيعة تحمل بين ما تحمله الإثارة الجنسية والوشم في الأماكن الحساسة وتعمد إظهارها للملأ.
وتوشم هيفاء الكعبي (20 سنة) صورة مايكل جاكسون على ذراعها، لكنها لا تتجرأ على اظهاره في البيت. وتستمع هيفاء بإظهار وشمها حين تتجول مع صديقاتها في المتنزهات العامة والمراكز التجارية.
الوشّام أبو كمال في النجف ( 160 كم جنوبي بغداد) الذي اشتهر بطريقته التقليدية في الوشم، حيث يزوره الزبائن في البيت، يوصف عمله بإدخال صبغات ملونة تحت الجلد عن طريق غرز إبرة حتى يسيل الدم، ثم يضاف الكحل أو الحبر الأخضر، فنحصل على شم بحسب اللون. وغالبا ما يفضل الرجال الوشم على الظهر أو الكتفين أو المعصم.
انقسام حول تقييم الظاهرة
وينقسم العراقيون حول الظاهرة التي تجتاح اليوم المجتمع بقوة، بين من يعتبرها ظاهرة خطيرة لاسيما وأنها غالبًا ما تتضمن رسومات وحروف أجنبية وشعارات جاءت الى العراق من الدول الغربية بحسب قول حليم السبتي المدرس المتقاعد في كربلاء، والذي له تجربة ميدانية من العمل بين قطاع الشباب منذ الثمانينيات.
لكن هناك من يعتبرها انفتاحًا على العالم، ووسيلة من وسائل تعبير الشباب عن ذواتهم، إضافة الى أنها ترسم ملامح جمالية على الجسد اذا لم تتم المبالغة فيها بحسب عدي ذياب، وهو شاب في الثانية والعشرين، وشم ساعديه بشكلين لعقرب و أفعى. ويستخدم الوشام سعيد محمد أجهزة متطورة في الوشم استوردها من الأردن بعدما كان في السابق يعتمد على التقنيات التقليدية.
فتيات العراق والوشم
ويشيع بين فتيات العراق الوشم لأغراض تجميلية، مثل تحديد الحاجبين والعينين، ورسم الشفاه بالقلم الالكتروني بحسب أم سحر صاحبة صالون تجميل في مدينة النجف. كما ترغب الفتيات العراقيات بالوشم على القدم من الداخل أو على الكتف والمعصم أو أسفل الظهر.
وترى أم سحر أن صالونها يعتمد اليوم في عمله بالدرجة الأساس على الوشم، وليس تصفيف الشعر حيث يدر عليها إرباحا جيدة. لكن أم سحر ترى أن التاتو على الجسد نادر بين فتيات العراق، غير أن البعض منهن ممن يقصدن الصالون لغرض عمل تاتو حول سرة البطن أو في الظهر أو في الساق.
وتضيف: "بعض النساء يرغبن برموز دينية على أجسادهم من مثل كلمة "علي " أو " الله " أو " بسم الله". كما ترغب فتيات بوشم اسمها أو أسم حبيبها أو شريكها العاطفي". واغلب عمليات الوشم في العراق بحسب ام سحر هي أشكال الخط العربي والنقوش الصينية واليابانية عند الشباب. وترسم ام سحر، الشامة، للفتاة بسعر ثلاثين ألف دينار عراقي. في حين يبلغ سعر التاتو الموسع على الجسد حوالي السبعين دولاراً.
منع الوشم
وتقول أم سحر إن هناك دعوات راجت في الفترة الأخيرة من قبل جهات دينية تدعو لمنع الوشم لاسيما على أماكن حساسة وعارية من أجساد الفتيات. وتضيف: "هذه المسالة شخصية ولا يمكن مراقبتها لأنها ببساطة تحدث في الخفاء، سواء في الصالونات أو البيوت.
وتقول أم سحر إن اغلب الفتيات العراقيات متزنات، ويحدث في حالات نادرة أن ترغب فتاة بوشم على جزء حساس في جسدها لكننا غالبًا ما ننصحها في التفكير قبل الإقدام على ذلك، ودراسة نتائجه الصحية والاجتماعية، وغالبًا ما تنسجم الفتاة مع رأينا بحسب أم سحر. و تتابع: "لا يوجد في العراق حسب علمي رجال يوشمون للنساء في الأماكن الحساسة، وان الأمر مجرد تهويل".
وشّامون بلا مؤهلات
ويرى الدكتور حليم كريم طبيب الأمراض الجلدية أن المشكلة في هذه الظاهرة جوانبها الصحية ذلك أن اغلب من يقومون بالوشم، اشخاصا دخلاء على المهنة ولا يمتلكون المؤهلات الأكاديمية للقيام بذلك.
ويتابع: "في دول العالم المتقدمة هناك إجازات صحية وشهادات خبرة وأكاديمية بحوزة صالونات التجميل والوشم، لكن في العراق تحصل عمليات الوشم حتى في البيوت وصالونات الحلاقة النسائية التي تفتقر في عملها الى ابسط الشروط الصحية". ويقول: "إذا ما تركنا الأمر على الغارب فسنشهد في القريب العاجل عمليات تجميل من مثل نفخ الوجنتين أو الشفتين في البيوت وصالونات التجميل بدلا من العيادات الطبية والمستشفيات. ويتابع : لنا ان نتصور النتائج المترتبة على ذلك صحية كانت أم قانونية".
شواهد ميدانية
الشاب ليث منشد وشم في مكان خفي في صدره اسم " محمد" في دلالة دينية، يقول إنها تشعره بالطمأنينة. لكن صديقه سليم، وشم قلبا ازرق وحوله قطرات دماء، في دلالة على (الغدر في هذا الزمان ) كما يقول حيث مر بتجربة حب فاشلة. ويرفض سليم اتهامات بأن عمليات الوشم تقليد أعمى للغرب. ويؤكد أن اغلب الشباب يضعون رموزًا دينية مستوحاة من المجتمع.
أما أحمد عبيد سالم فقد لجأ إلى الوشم بعدما نصحه اطباء شعبيون به، لأنه يعاني من اضطرابات نفسية وسلوكية ورجفة في اليدين. ويقول إنه بعد أن وشم ذراعه تحسنت حالته على ما يبدو.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com