كتب: عماد توماس
تابع مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان الجدل الدائر حول ضرورة محاسبة رموز النظام السابق عن الجرائم التي ارتكبوها أو تسببوا في ارتكابها بحق الشعب المصري. هذا الجدل الذي أدي في نهاية المطاف إلي لجوء مجلس الوزراء إلي استحضار القانون رقم 344 لسنة 1952 في شأن جريمة الغدر والمعدل بالمرسوم بقانون رقم 173 لسنة 1953. وهو قانون ذو طبيعة استثنائية كان قد أُصدر عقب 23 يوليو 1952 من أجل عزل القيادات السياسية السابقة علي ثورة يوليو من الوظائف الحكومية والمناصب السياسية وحرمانهم من ممارسة الحقوق السياسية لفترة تمتد لخمس سنوات.
واكد المركز علي أهمية محاكمة ومعاقبة أفراد النظام السابق وأعوانه وعلي ضرورة حرمان من يثبت انتمائه إلي النظام السابق وثبت تورطه في أي من جرائم الفساد المالي أو الإداري أو السياسي من حق الترشح لأي من الانتخابات النيابية أو الرئاسية أو انتخابات المحليات لفترة زمنية محددة. ولكي يتحقق كل هذا في إطار ديمقراطي هناك مجموعة من الضوابط التي يجب أن تتبع لفرض مثل تلك القرارات.
وأضاف المركز، من الناحية القانونية فقد خالفت نصوص قانون الغدر جميع المبادئ القانونية المتعلقة بالقواعد الجزائية، ففي مجال تحديد الأشخاص الذين يخضعون لأحكام هذا القانون كما ورد في مادته الأولى فقد تم التوسع في تحديدهم حيث نص علي "يعد مرتكبًا لجريمة الغدر كل من كان موظفًا عامًا أو وزيرًا أو غيره...."وهي صياغة من الممكن تطويعها لتستخدم كأداة لتصفية المعارضين السياسيين أو النشطاء خصوصًا، وأن تحديد الأفعال المعاقب عليها جائت فضفاضة وغير منضبطة الألفاظ، فاستخدم في المادة الأولى من القانون "عمل من شأنه إفساد الحكم أو الحياة السياسية بطريق الإضرار بمصلحة البلاد أو التعاون فيها أو مخالفة القانون" (فقرة" أ")، و استخدم لفظ "التدخل الضار بالمصلحة العامة" (فقرة "و").
فكل تلك الجرائم التي وردت في المادة الأولى تنضوي علي ألفاظ غير واضحة المعالم وتتسم بالغموض والاتساع في مجال التجريم وذلك خلافًا لقواعد قانون العقوبات في أن يكون الفعل المجرم واضح ومحدد وبنصوص قاطعة الدلالة.
أما عن العقوبات التي وردت في القانون بمادته الثانية، فلا حاجة إلي أن يتم النص عليها في قانون خاص مثل قانون الغدر لأنها عقوبات موجودة في قوانين أخرى أو من الممكن تطبيقها كعقوبات تبعية يحكم بها القاضي الجنائي في حال ثبوت التهم الأصلية علي المتهمين مثل عقوبة سقوط العضوية من مجلسي الشعب أو الشورى أو المجالس المحلية والحرمان من حق الترشح أو الانتماء لأي حزب سياسي لفترة خمس سنوات كتلك التي وردت في (المادة 2 فقرة "ب"،"ج"، "ه") من قانون الغدر، كما يمكن إجرائها من خلال قرارات إدارية تصدر من رئيس مجلس الوزراء "كالعزل من الوظائف العامة القيادية" وهي التي وردت في (المادة 2 فقرة أ) من قانون الغدر.
ورأى المركز، أن عدم انضباط نصوص قانون الغدر يجعله يخشي من أن تطبيقه قد يطول كثيرين بتهمة (إفساد الحكم أو الحياة السياسية) بل إنه قد يطول أيضًا أشخاص وقيادات طالما عارضت النظام السابق وعانت من حكمه وبطشه، وذلك لأن تعريف تلك الجريمة وتحديد أركانها والأشخاص الذين ينطبق عليهم مجال القانون سيكون منوط بمن بيده سلطة الحكم وهو ما قد يتم توظيفه مستقبلاً للتخلص من خصوم سياسيين.
وفى نهاية، ورقة الموقف التى أعلنها مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، رأى أن من أهم غايات منهج العدالة الانتقالية إحداث قطيعة حقيقية مع الماضي لعدم تكراره في المستقبل. ليس عن طريق نسيان هذا الماضي البغيض ولكن عن طريق تكريس آليات ديمقراطية جديدة تؤدي إلى إحداث قطيعة مع أهم الوسائل التي طالما أستعملها النظام السابق للبطش بمعارضيه وهي القوانين الاستثنائية والتي منها قانون الغدر. فالقوانين الإستثنائية هي مجموعة من القوانين تحتوي على قواعد شاذة شرعت فقط للتعامل مع حالة أو حالات أو أشخاص بعينهم منتهكة بذلك كافة الأعراف القانونية الدولية، والمحلية.
إن الوصول إلى العدالة لن يتحقق إلا بتوافر الإرادة السياسية لإحداث قطيعة مع الماضي ومحاسبة من انتهك حقوق المصريين وتعويض الضحايا عن تلك الانتهاكات، وهذا يمكن تحقيقه بإجراءات عديدة وليس من بينها القوانين الاستثنائية سيئة السمعة. إن عملية العدالة الانتقالية وما تحتويه من محاكمات ولجان تقصي الحقائق، وتعويضات وإعادة التأهيل هي -بلا شك- عملية مكلفة علي المدى القصير ومع ذلك، فإن الفشل في التعامل مع مثل هذه القضايا علي نحو منطقي وديمقراطي وشامل سوف يكون أكثر كلفة على الدولة والمواطنين علي المدى الطويل.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com