هل نأمل فى مستقبل أفضل لبلادنا؟ بعض الناس ينتابهم اليأس حين يرون التغير بطيئا أو غير ملحوظ، فيقولون فشلت الثورة. ولكن بطء التغير متوقع، فى بلد عاش ستين عاما لا يعرف الحراك السياسى إلا كانقلابات عسكرية ومؤامرات وتزوير لإرادة الأمة، ولا يعرف من العمل السياسى غير الخضوع لسلطة الدولة، أو العمل السرى الذى يفتقر للشفافية والديمقراطية.
هذا الميراث الثقيل يترك أثره لا محالة، فتظهر تيارات سياسية كثيرة، لا نكاد نلمح فروقا تميز بعضها عن بعض. ويكاد الجميع يتوقفون عند المفاهيم والشعارات العامة، فلا تتحول إلى برامج عملية، وتستمر العزلة عن وقع الحياة. ولهذا تظهر مقولة فشل الثورة وأنها لم تكن سوى سلسلة تظاهرات واعتصامات وقعت فى الشهور الماضية وانتهى أمرها. ولا تظهر الفروق واضحة إلا بين المتباعدين فى أقصى اليمين وأقصى اليسار، وهناك يقف من يرون مستقبل مصر مرهونا بقوى خارجية، يظنون أنها تمسك بكل الخيوط.
بطء التغير لا يسمح برؤية واضحة للتفاعلات التى أنتجت الثورة، وما ترتب عليها من تغير فى هيكل السلطة. ومهما يكن عدم الوضوح، يجب أن نرى الآن ازدواجا فى السلطة، فلا توجد سلطة الدولة وحدها بل توجد بجانبها سلطة موازية، يمثلها الضغط الشعبى الذى يمكنه أن يدفع الدولة إلى مراجعة كثير من قراراتها. هذه السلطة الشعبية الموازية تفرض نفسها كأمر واقع، بالتظاهر والاعتصام والإضراب، وتحتمى بحقوق الإنسان ومبادئ الديمقراطية.
يظل هناك عامل أكثر أهمية يدعم سلطة الشعب، هو استمرار حدوث التفاعلات التى سبق أن أنتجت تلك السلطة. يضاف إلى ذلك دخول حركات سياسية قديمة وجديدة فى هذا التفاعل، وهى تسعى لتدعيم قوتها، وتوسيع هامش الحرية الذى سمح بوجودها. ولأن تراث الماضى ما زال حيا، فما زالت سلطة الشعب مهددة، وما زال اختلاط الرؤى يغذى التعصب الدينى، ويحاصر حق المرأة فى المساواة مع الرجل، ويقلل اندفاع الثورة إلى الأمام.
لا تختلط الرؤية لدى الأميين فقط بل تختلط أيضا عند بعض النخب. مثال ذلك واحد ممن يفكرون فى الترشح للرئاسة، يرى أن تسدد ديون مصر ببيع البنوك الوطنية، أو بيع 3.5 مليون فدانا من صحراء مصر على تخوم الوادى، كأراض للبناء. وبعد أن يتخيل أن خطته نجحت وأنه سدد الديون، يتحدث عن استدعاء رأس المال الأجنبى لبناء اقتصاد مصر. وكأننا لا نحتاج رئيسا بل دلالا ينظم مزادا لبيع البلاد.
قد تكون هذه صورة كاريكاتورية لنخبة ينتابها اليأس ولا تعرف كيف تحقق أهدافها، وهى تعيش فى أبراجها معزولة عن الناس. وحين تطل من عليائها لا تستمع وتتحاور، بل تلقى المواعظ فقط. ولا غرابة أن تكون رؤيتها وحيدة الجانب. ومع ذلك فقد حالفها الحظ، إذ جاءت الثورة حركة شعبية هادرة بلا قيادة. وهذه فرصة تاريخية أمام تلك النخبة لإثبات جدارتها، وما عليها إلا أن تخرج من عزلتها وترى حقائق الحياة.
أرى مشكلة النخبة أنها لم تكن لديها فرص للتفاعل إلا مع السلطة المستبدة أو مع الميراث الدينى أو مع تراث الفكر العالمى المتهم بأنه غريب عنا. وقد ضاعت فرص الذين تفاعلوا مع السلطة المستبدة. أما من عاشوا على الميراث الدينى فقد تكون نواياهم طيبة، لكن المستقبل لا تصنعه النوايا. وأما من تفاعلوا مع تراث الفكر العالمى فقد صنعوا آلية الدفاع عن الحقوق، ويبقى أن يستقلوا بفكرهم، وأن يتفاعلوا مع الشباب. ولدينا شباب واعد، يعيشون اللحظة بكل تعقيداتها، وسيصنعون ما يبدو لنا مستحيلا، إذا استوعبوا التاريخ وتعلموا منه.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com