بقلم: عوض بسيط
"المجد للشيطان" بهذه العبارة الصادمة بدأ الشاعر الراحل "أمل دنقل" قصيدته النضالية "كلمات سبارتكوس الأخيرة" فقال في صدر القصيدة:
المجد للشيطان!
معبود الرياح
من قال "لا" في وجه من قالوا "نعم"
من علم الإنسان تمزيق العدم!
من قال "لا" فلم يمت،
وظل روحًا أبدية الألم!
لم يفهم البعض أن ابن العالم الأزهري لم يكن عابدًا للشيطان! ولكنه كان عاشقًا للحرية.. ظنوا أنه كافرٌ بالله، بينما كان كافرًا بالعبودية.. كان دنقل يؤمن بالله والحرية!.. ليس الجميع يفهمون الشعر، ولكن الجميع يضع نفسه مكان الله!
***
قال الشاعر الإنجليزي "فيليب جيمس بايلي" –الذي عاش في القرن التاسع عشر- أن الشعر هبة من عند الله، وأن الشاعر يشابه الله في القوة والحب! إلا أن المكفرون لا يفهمون الشعر، فيتمسكون بالقوة ويرفضون الحب! بل هم يتمسكون بوجه واحد من القوة وهو السيف المهلك الذي يقطع رقاب الخارجين عن طاعة الله.. وكأن الله أعطاهم توكيلًا بإنهاء حياة من أعطاهم هو الحياة!! وبعضهم –في رحلة سعيهم لإرضاء الله- لا يجدون غضاضة في الاتيان بشهود زور.. لنستمع إلى وصف الرائع "صلاح عبد الصبور" لمشهد شهادة الزور في مسرحيته "مأساة الحلاج":
صفونا صفًا صفًا
الأجهر صوتًا، والأطول،
وضعوه في الصف الأول
ذو الصوت الخافت والمتواني،
وضعوه في الصف الثاني
أعطوا كلًا منا دينارًا من ذهبٍ قاني
براقاً لم تمسسه كف
قالوا صيحوا: زنديقٌ كافر
صحنا: زنديقٌ كافر
قالوا صيحوا: فليقتل، إنا نحمل دمه في رقبتنا
صحنا: فليقتل، إنا نحمل دمه في رقبتنا!
قالوا: امضوا!
فمضينا!
هكذا تحالفت السلطة السياسية مع السلطة الدينية أوائل القرن العاشر الميلادي لتعدم المتصوف "المنصور بن الحسين الحلاج".. ولو بشهود مأجورين تقربًا لله.. والخليفة!
***
ومرت من السنين ألف.. وخرج المصريون يخلعون الفرعون الإله.. يعيدونه إلى حجمه الطبيعي كإنسان!! نعم تلك كانت أزمتنا مع الحاكم منذ الفراعنة، كان الفرعون صورة الإله على الأرض، أو ابن الإله الخالد الذي يحكم مدى الحياة! وكانوا كل ثلاثين عامًا يقيمون احتفال "الحب سد" حيث يخرج الملك الإله ليقوم بتجديد شبابه من خلال طقوس منها جرية (هرولة) خلف ثور، ليثبت أنه مازال قادرًا على الحكم! لكننا لم نمهل "مبارك" حتى يحتفل بالحب سد، لنودع عصر أنصاف الإلهة وندخل لعصر "مجلس الآلهة"! وكأننا خلعنا "مبارك" لنأتي بجبل الأوليمب إلى القاهرة!! أيا "إخناتون" انتفض في قبرك فمصر لم تعرف التوحيد بعد!
***
قال الفيلسوف الوجودي "فولتير": "قد أختلف معك في الرأي، لكني على استعداد لأن أدفع حياتي ثمنًا لحريتك في التعبير عن رأيك"، إلا أن مجلسنا الحاكم لا يؤمن بالحرية.. ربما لأنها توازي الوجودية في رأيه، وبالتالي فهي تشجع على الكفر! فلا مانع من قمع الحريات من أجل الديمقراطية!! فبالتالي لا غضاضة في تجريم اعتصامات العمال من أجل حقوقهم في سبيل "عجلة الإنتاج"، ولا عيب في القبض على المتظاهرين السلميين لأنهم "بلطجية" أو محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية لأنهم رددوا "هتافات مناوئة للمشير"!! أو الزج بمدون في السجن لأنه "نشر أخبارا كاذبة تهدد السلم العام"!!
***
كان "مايكل نبيل" بمثابة شيطان "أمل دنقل" الذي أزعج المجلس الحاكم من قبل أن يحكم، فمايكل ثار ضد التجنيد الإجباري لأنه يخالف عقيدته السلمية التي تحرم حمل السلاح.. نجح مايكل في تحويل قضية رفضه التجنيد إلى دائرة اهتمام منظمات دولية ومصرية شكلت ضغطًا نجا به من محاكمة عسكرية، ومنحه صك إعفاء من التجنيد لوجود "اضطراب في الشخصية"!
لم يكن مايكل مجرد "سبارتكوس" ثائر، لكنه كان أيضًا "الحلاج" "زنديق كافر"!! فهو ملحد لا يؤمن بوجود الله.. نعم لم يحاكم بهذه التهمة، لكن الكثيرون تخلوا عنه بسببها! فالبعض يرى في نصرة المظلوم إساءة لله إذا كان المظلوم "ملحدًا"!!
كثيرون أيضًا ممن يرددون أقوال فولتير وغيره تخلوا عن "مايكل" لأنه يؤمن بالسلام مع "إسرائيل"! وكأن الدفاع عن حرية إنسان وصمة عار إذا كان يعتنق فكريًا ما أكفر أنا به!! أي عارٍ فكري نواجه؟!
دخل إضراب "مايكل" عن الطعام يومه التاسع، وأيضًا أضرب عن الماء والدواء.. قد يلفظ أنفاسه الأخيرة بعد ساعات.. هو لا يؤمن بالله، ولا أعرف ماذا يعتقد عما بعد الموت.. ولكن ماذا عمن يؤمنون؟ كيف سيواجهون الله وفي أيديهم دم مظلوم؟!.. من حكموا عليه بالسجن. من تركوه ليموت جوعًا؟ من شمتوا في سجنه ومرضه؟ من رفضوا رد الظلم؟ من بخلوا حتى بكلمة مساندة إرضاء لله! كيف سيقفون أمام الله.. الذي به يؤمنون؟!
يقول "سبارتكوس" للإمبراطور الإله قبل أن يعدمه:
يا قاتلي: إني صفحت عنك!
،في اللحظة التي استرحت بعدها مني،
!استرحت منك!
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com