ÇáÃÞÈÇØ ãÊÍÏæä
طباعة الصفحة

القيم الروحية فى حياة وتعاليم السيد المسيح الأستنارة الروحية(17)

القمص. أفرايم الأنبا بيشوي | 2011-10-02 00:00:00

بقلم / القمص أفرايم الأورشليمى


الاستنارة الروحية وضرورتها ...


مفهموم الاستنارة الروحية .. يقصد بها ان يكون للانسان عيون روحية وبصيرة قادرة على تمييز ومعرفة الحقائق الروحية التى يكشفها روح الله للانسان المجاهد فى طريق الفضيلة . انها المعرفة التى تعطي بالنعمة الإلهية لكي تعلم وتعقل وتقوي المؤمن في حياة الجهاد والفضيلة لنكون ابناء لله { لذلك انا ايضا اذ قد سمعت بايمانكم بالرب يسوع ومحبتكم نحو جميع القديسين. لا ازال شاكرا لاجلكم ذاكرا اياكم في صلواتي.كي يعطيكم اله ربنا يسوع المسيح ابو المجد روح الحكمة والاعلان في معرفته. مستنيرة عيون اذهانكم لتعلموا ما هو رجاء دعوته وما هو غنى مجد ميراثه في القديسين.

وما هي عظمة قدرته الفائقة نحونا نحن المؤمنين حسب عمل شدة قوته}أف 15:1-19. ان الاستنارة الروحية تتأتى للمؤمن بعمل الروح القدس فى المعمودية وينميها من خلال التوبة وشركة وعطية الروح القدس بالصلاة والجهاد والتواضع ليكون للانسان الوعى الداخلى والحكمة والتمييز ومعرفة الله وحكمته وحقيقة الاشياء وفهمها والشفافية الروحية لمعرفة ارادة الله وصوته والتصرف السليم نحو العالم الحاضر والأتي {لكننا نتكلم بحكمة بين الكاملين و لكن بحكمة ليست من هذا الدهر ولا من عظماء هذا الدهر الذين يبطلون. بل نتكلم بحكمة الله في سر الحكمة المكتومة التي سبق الله فعينها قبل الدهور لمجدنا. التي لم يعلمها احد من عظماء هذا الدهر لان لو عرفوا لما صلبوا رب المجد. بل كما هو مكتوب ما لم تر عين ولم تسمع اذن ولم يخطر على بال انسان ما اعده الله للذين يحبونه. فاعلنه الله لنا نحن بروحه لان الروح يفحص كل شيء حتى اعماق الله. لان من من الناس يعرف امور الانسان الا روح الانسان الذي فيه هكذا ايضا امور الله لا يعرفها احد الا روح الله. ونحن لم ناخذ روح العالم بل الروح الذي من الله لنعرف الاشياء الموهوبة لنا من الله.

التي نتكلم بها ايضا لا باقوال تعلمها حكمة انسانية بل بما يعلمه الروح القدس قارنين الروحيات بالروحيات.ولكن الانسان الطبيعي لا يقبل ما لروح الله لانه عنده جهالة ولا يقدر ان يعرفه لانه انما يحكم فيه روحيا. واما الروحي فيحكم في كل شيء وهو لا يحكم فيه من احد.لانه من عرف فكر الرب فيعلمه و اما نحن فلنا فكر المسيح} 1كو6:2-16.


إن أمور الله يمكن أن تعرف فقط بالعنصر الأسمى في الشخصية الإنسانية أى عن طريق الروح الذي يستنير بروح الله. لان الروح هى العنصر الأساسى في الإتصال بالله. ونحن لم نأخذ روح العالم بل الروح الذي من الله لنعرف الأشياء الموهوبة لنا من الله. وكما جاء فى الكتاب { ولكن الإنسان الطبيعى لا يقبل ما لروح الله لأن عنده جهالة ولا يقدر أن يعرفه لأنه إنما يحكم فيه روحياً }.ويقصد بالإنسان الطبيعى أى الذي لم يولد من جديد بنعمة الروح القدس، ولم يتجدد قلبياً وذهنياً فهو لا يتقبل هذه التعاليم التي يعلم بها روح الله، بل تبدو أمامه كما لو كانت غير منطقية وليس لديه القدرة على إدراكها، لأن مثل هذه التعاليم لا يمكن فهمها وفحصها والحكم فيها إلاّ روحياً أى بواسطة الإستنارة التي يعطيها الروح القدس والتي ليست موجودة عند ذلك الإنسان الطبيعى. إن الرسول بولس هنا يتكلم عن النفس كأداة للمعرفة البشرية في مقابل الروح كأداة للمعرفة الروحية. وعلى ذلك فالإنسان الذي يعتمد على إمكاناته الطبيعية فقط، هو إنسان طبيعى في مقابل الإنسان الروحى الذي تبلغ إليه المعرفة الإلهية.


ان امور الله تفوق ادراك الانسان ولهذا فاننا نحتاج لنعمة الروح القدس وحكمته للعيش على مستوى الروح فان كانت العين العادية ترى الاشياء الظاهرة لها فان العيم الداخلية ترى حقيقة جوهر الأشياء لذلك راينا تلمذي عمواس عندما ظهر لهم السيد المسيح بعد القيامة لم يعرفاه حتى فتح اذهانهم ليفهموا الكتب وعرفاه عند كسر الخبز{فقال لهما ايها الغبيان والبطيئا القلوب في الايمان بجميع ما تكلم به الانبياء. اما كان ينبغي ان المسيح يتالم بهذا ويدخل الى مجده. ثم ابتدا من موسى ومن جميع الانبياء يفسر لهما الامور المختصة به في جميع الكتب. ثم اقتربوا الى القرية التي كانا منطلقين اليها وهو تظاهر كانه منطلق الى مكان ابعد. فالزماه قائلين امكث معنا لانه نحو المساء وقد مال النهار فدخل ليمكث معهما. فلما اتكا معهما اخذ خبزا وبارك وكسر وناولهما.

فانفتحت اعينهما وعرفاه ثم اختفى عنهما. فقال بعضهما لبعض الم يكن قلبنا ملتهبا فينا اذ كان يكلمنا في الطريق و يوضح لنا الكتب} لو 26:25-32.
بين نور البصر والبصيرة ... ذات مرة قالت الفيلسوفة العمياء ،الصماء،الخرساء (هلين كلير) :"يوجد شئ واحد أسوأ من العمي وهو إن يكون للأنسان عينان ولا يُيصر" . نعم يا أحبائي ان النظر لا يعادله شئ ، وعندما شفي الرب يسوع المسيح المولود أعمي خالقاً له عيون (يو9) تدرج الأعمي في المعرفة بالسيد المسيح قائلاً في الابتداء انه "أنسان" ثم قال في الحوار مع الذين ارادوا ان يصطادوه "انه نبي" وبعد ان هاجموا السيد المسيح قال لهم لو لم يكن هذا الانسان باراً لما كان يقدر ان يفعل هذه المعجزة فمنذ البدء لم نسمع ان أحد فتح عيون أعمي منذ ولادته ! بعد هذا قابله الرب وعرفه بذاته وقال له "أتؤمن بابن الله" قال له الأعمي من هو يا سيد لأؤمن به؟ أجابه الرب قد رايته وهو الذي يكلمك. قال له المولود أعمى : أؤمن ياسيد وسجد له، بعد هذا هاجم المتطرفين المولود أعمي وطردوه من المجمع فقال الرب { لدينونة اتيت انا الى هذا العالم حتى يبصر الذين لا يبصرون ويعمى الذين يبصرون.

فسمع هذا الذين كانوا معه من الفريسيين وقالوا له العلنا نحن ايضا عميان. قال لهم يسوع لو كنتم عميانا لما كانت لكم خطية ولكن الان تقولون إننا نبصر فخطيتكم باقية} يو39:9-41 . نعم يا أحبائي هناك الكثيرين جدا عميان ولا يرون الحق هؤلاء يجب ان نصلي من أجلهم ونطلب لهم النور والهداية ،وهناك مقاوموا الحق عن عناد وأصرار ومن احبوا الظلمة أكثر من النور لان أعمالهم شريرة وهؤلاء مدعاة للرثاء والصلاة بلجاجة ليفتح الله عيونهم ليرجعوا من عالم الظلمة الي نور الأيمان والتوبة.


الولادة من فوق .. كمثال للاستنارة ومعرفة أمور اللة والسماء .. حديث السيد المسيح مع نيقوديموس وكان من أعضاء السنهدريم اعلى سلطة تشريعية وقضائية دينية فى ذلك الزمان عندما أتى للسيد المسيح ليلاً بسبب الخوف من اليهود ليسأله عن الدخول الى ملكوت الله {كان انسان من الفريسيين اسمه نيقوديموس رئيس لليهود.هذا جاء الى يسوع ليلا وقال له يا معلم نعلم انك قد اتيت من الله معلما لان ليس احد يقدر ان يعمل هذه الايات التي انت تعمل ان لم يكن الله معه. اجاب يسوع وقال له الحق الحق اقول لك ان كان احد لا يولد من فوق لا يقدر ان يرى ملكوت الله. قال له نيقوديموس كيف يمكن الانسان ان يولد وهو شيخ العله يقدر ان يدخل بطن امه ثانية ويولد. اجاب يسوع الحق الحق اقول لك ان كان احد لا يولد من الماء والروح لا يقدر ان يدخل ملكوت الله. المولود من الجسد جسد هو والمولود من الروح هو روح. لا تتعجب اني قلت لك ينبغي ان تولدوا من فوق. الريح تهب حيث تشاء وتسمع صوتها لكنك لا تعلم من اين تاتي ولا الى اين تذهب هكذا كل من ولد من الروح .

اجاب نيقوديموس وقال له كيف يمكن ان يكون هذا. اجاب يسوع و قال له انت معلم اسرائيل لست تعلم هذا. الحق الحق اقول لك اننا انما نتكلم بما نعلم ونشهد بما راينا ولستم تقبلون شهادتنا.ان كنت قلت لكم الارضيات ولستم تؤمنون فكيف تؤمنون ان قلت لكم السماويات} يو 1:3-12. كيف اذن للأنسان الارضى ان يفهم امور السماء اذا ان لم يستنير بروح الله القدوس ان كان يصعب عليه ان يفهم الامور الارضية . لهذا يجب علينا ان نأتى باتضاع قلب الى الله ونطلب اليه ان يعلمنا ويضئ أفهام عقولنا وقلوبنا وارواحنا لنفهم أمور الارض والسماء ويحق فينا قول المعلم الصالح { ولكن طوبى لعيونكم لانها تبصر ولاذانكم لانها تسمع. فاني الحق اقول لكم ان انبياء وابرارا كثيرين اشتهوا ان يروا ما انتم ترون ولم يروا وان يسمعوا ما انتم تسمعون ولم يسمعوا} مت16:13-17.


كيف ترى العالم حولك ... أننا نري العالم من خلال مرآة أنفسنا فاذا كانت سوداء او معتمة فلن نري شئ بوضوح ، وان كانت عيوننا بسيطة فجسدنا كله سيكون نيراً وان كانت عيون قلوبنا شريرة فكل حياتنا والناس حولنا لن نراهم علي حقيقتهم وهذا ما يفعلة المتعصب الذي يضع عصابة علي عيونه لكي لا يرى الا ما يعتقده . وهذا ايضا ما يفعله الانسان الشهوانى فان أفكاره تكون فى النجاسة والماديات والانسان محب المال ترى المال كل همه وينصبه له الهاً دون الله {لان محبة المال اصل لكل الشرور الذي اذ ابتغاه قوم ضلوا عن الايمان وطعنوا انفسهم باوجاع كثيرة }(1تي 6 : 10). علي مثل هؤلاء بكي يسوع المسيح قديما {وفيما هو يقترب نظر الى المدينة و بكى عليها. قائلا انك لو علمت انت ايضا حتى في يومك هذا ما هو لسلامك ولكن الان قد اخفي عن عينيك. فانه ستاتي ايام ويحيط بك اعداؤك بمترسة ويحدقون بك ويحاصرونك من كل جهة.ويهدمونك وبنيك فيك ولا يتركون فيك حجرا على حجر لانك لم تعرفي زمان افتقادك }.لو 41:19-44.

السيد المسيح واهب الأستنارة


السيد المسيح يهب البصر والبصيرة لمن يريد .. صرخ أعمي اريحا للسيد المسيح طالباً ان يبصر {وجاءوا الى اريحا و فيما هو خارج من اريحا مع تلاميذه وجمع غفير كان بارتيماوس الاعمى ابن تيماوس جالسا على الطريق يستعطي. فلما سمع انه يسوع الناصري ابتدا يصرخ ويقول يا يسوع ابن داود ارحمني. فانتهره كثيرون ليسكت فصرخ اكثر كثيرا يا ابن داود ارحمني. فوقف يسوع وامر ان ينادى فنادوا الاعمى قائلين له ثق قم هوذا يناديك. فطرح رداءه وقام وجاء الى يسوع. فاجاب يسوع وقال له ماذا تريد ان افعل بك فقال له الاعمى يا سيدي ان ابصر. فقال له يسوع اذهب ايمانك قد شفاك فللوقت ابصر وتبع يسوع في الطريق} 46:10-52. لقد وهب السيد المسيح للأعمى البصر كما وهبه البصيرة اي استنارة الذهن والقلب والروح بنور الروح القدس.

أى الحكمة الروحية . وكثيرون لهم عيون ولا تبصر ، ولا يفكرون فى عالم المجد والمستقبل الأبدى ، بل كل همهم النظر إلى الماديات والشهوات ، وقد أعمى الشيطان عيونهم وأضلهم عن طريق الحق ، من أجل هذا قال السيد المسيح عن الكتبة والفريسين فى تمسكهم بالحرف دون الروح { ثم دعا الجمع وقال لهم اسمعوا وافهموا. ليس ما يدخل الفم ينجس الانسان بل ما يخرج من الفم هذا ينجس الانسان.

حينئذ تقدم تلاميذه و قالوا له اتعلم ان الفريسيين لما سمعوا القول نفروا. فاجاب وقال كل غرس لم يغرسه ابي السماوي يقلع. اتركوهم هم عميان قادة عميان وان كان اعمى يقود اعمى يسقطان كلاهما في حفرة. فاجاب بطرس وقال له فسر لنا هذا المثل. فقال يسوع هل انتم ايضا حتى الان غير فاهمين.الا تفهمون بعد ان كل ما يدخل الفم يمضي الى الجوف ويندفع الى المخرج. واما ما يخرج من الفم فمن القلب يصدر وذاك ينجس الانسان. لان من القلب تخرج افكار شريرة قتل زنى فسق سرقة شهادة زور تجديف .هذه هي التي تنجس الانسان واما الاكل بايد غير مغسولة فلا ينجس الانسان} مت10:15-20. لهذا صلى داود النبي قديما قائلاً { اكشف عن عينى، فأرى عجائب من شريعتك } ( مز 119 : 18 ) .

وكان القديس " ديديموس الضرير" فاقد البصر ، ولكن الله أعطاه استنارة الداخل، وشهد عنه القديس جيروم بأنه كان أعظم من كتب عن الروح القدس، وقد أمتدحه القديس أنطونيوس، وقال عنه ( إن الله أعطاه بصيرة روحية رأى بها نور اللاهوت ).ونحن يجب ان نصرخ طالبين من واهب البصر والبصيرة ان يهبنا أستنارة روحية . فكم نحن فى حاجة ماسة الى نور البصيرة لنعرف الاشياء الموهوبة لنا من الله ، ونعرف كم نحن فى حاجة للألتصاق بالله والاستعداد للأبدية السعيدة. وفى الظروف الصعبة نحتاج ان نبصر بالإيمان ان الذين معنا أقوي وأكثر ممن هم علينا، نحتاج ان نبصر يد الله في الاحداث ونثق أنه ضابط الكل، نريد نشعر ونحس بحنان الله الابوى والأمان والايمان فيه. ونتبع الذى قال {انا هو نور العالم من يتبعني فلا يمشي في الظلمة بل يكون له نور الحياة } يو 8 : 12 .


السيد المسيح يدعونا للنور ... جاء الربّ يسوع ليفتح عيوننا لكي نرجع من الظلمات إلى النور ومن سلطان الشيطان إلى الله . أع 26 : 28 .انه النور الهادئ الوديع الذي يكشف لنا الطريق وينير لنا الحياة ويشرق علينا بنور الإيمان كما تنبأ عنه ملاخى النبى قديما {ولكم أيها المتقون اسمي تشرق شمس البر والشفاء في أجنحتها } ملا 4 : 2 . لقد قاد الله الشعب في القديم بعمود السحاب نهاراَ وعمود من النار ليلا،وهو لا يزال يهدي ويرشد وينير الذين يطلبونه. وهو الذي ينير أعين قلوبنا مانحا إيانا روح المعرفة والحكمة والفهم. وعندما جاء السيد المسيح الى ارضنا تحققت فينا نبؤة اشعياء النبى { الشعب الجالس في ظلمة ابصر نورا عظيما والجالسون في كورة الموت وظلاله اشرق عليهم نور} أش 6:42 ،مت16:4.

انه يدعونا ان نؤمن به وان نسير في نوره، ونصير أبناء النور ونستيقظ من نوم وظلمة الخطية. ان الايمان به واتباع وصاياه يحقق فى النفس البشرية كلام الرب بفم أشعياء النبى { قومي استنيري لأنه قد جاء نورك ومجد الرب أشرق عليك ..لانه ها هي الظلمة تغطي الارض والظلام الدامس الامم اما عليك فيشرق الرب ومجده عليك يرى } اش 60 : 1-2 .النور يدعونا ان نعرفه ونمشي معه وهو لا يريد إلا خيرينا .


المعمودية والاستنارة...إننا إذا اعتمدنا بالماء والروح نولد من فوق كأبناء الله بالتبني، وإذ يشرق علينا نور الإيمان نعطى استنارة داخلية . وننمو في معرفه ربنا يسوع المسيح وحقائق الإيمان المسيحي وسرّ التجسّد والفداء ونحيا أسرار الكنيسة ونجاهد برجاء منتظرين المجيء الثاني وقيامة الأموات وحياة الدهر الآتي . ويشير القديس يوحنا الرسول في رسالته الأولى، إلى المعرفة التي يهبها الروح القدس، فيقول {وأما أنتم فلكم مسحة من القدوس وتعلمون كل شئ} (1يو20:2)، ويقول أيضًا { وأما أنتم فالمسحة التي أخذتموها منه ثابتة فيكم ولا حاجة بكم إلى أن يعلمكم أحد، بل كما تعلمكم هذه المسحة عينها عن كل شئ، وهى حق وليست كذبًا. كما علمتكم تثبتون فيه} (1يو 27:2).

اطلب أذن من الله ان يعطيك البصيرة الروحية لتعرفه وتعبده بالروح والحق . اننا نتدرج في معرفة الله حسب نمونا الروحي ومقدرتنا على المعرفة والحبّ . وإلا فإننا لو نظرنا ما لا نستطيع احتماله لإصابتنا بالكبرياء ، والله يدعونا لننمو في النور والحياة معه، وهو يريد ان يأتي إلينا ويصنع عندنا منزلا فلا تتكاسل فى زمن الجهاد، بل لنطلب فنجد ، ونسأل فسيعطى لنا ، ونقرع فسيفتح لنا . آمنوا بالنور وسيروا معه وفيه وهو يقود خطواتكم ويمنحكم حياة أبدية . إن المؤمن وإن كان حائزًا على هذه النعم الروحية إلاّ أنه لايزال في صراع شديد مع الشيطان ، عدو الجنس البشرى (أف12:6) فلا يليق إذًا أن نتخاذل في هذا الجهاد بل أن نتكل على رحمة الله ونرجو رجاء مباركًا لممارسة أعمال الصلاح باستمرار وأن نضع على الدوام نصب عيوننا محبة الله وكل ما هو طاهر وجليل.


التوبة والنور... ترمز الظلمة إلى حياة الخطية ، التى يفعلها الأشرار بعيداً عن النور، لأنها مخجلة ، وتجلب العار لفاعلها ، وتحرمه من عالم النور لهذا فان رجوع الخاطئ إلى الله ينقله من الظلمة إلى نور الله العجيب، ولهذا جاء النور الى العالم ليفضح إعمال الظلمة. ومن اجل هذا دعي الرسل إلى التوبة {قد تناهى الليل وتقارب النهار فلنخلع أعمال الظلمة ونلبس أسلحة النور } رو 13 : 12 . الإنسان الخاطئ يحيا في الظلام والذي يبغض أخاه يحيا في الظلمة {من قال انه في النور وهو يبغض أخاه فهو إلى الآن في الظلمة .

من يحب أخاه يثبت في النور وليست فيه عثرة }1 يو 2 : 9- 10 . فلا نخاف حتى وان حاولت قوات الظلمة ان تعثرنا ،ولنقم مجاهدين مع الله من اجل خلاص نفوسنا { لا تشمت بي يا عدوتي إذا سقطتُ أقوم ، إذا جلست في الظلمة فالربّ نور لي } أم 7 : 8 . لنحرص إذا على نقاوة حواسنا وفكرنا لا سيما عيوننا { فسراج الجسد هو العين فان كانت عينك بسيطة فجسدك كله يكون نيّراً،وان كانت عينك شريرة فجسدك كله يكون مظلماً، فان كان النور الذي فيك ظلامًا فالظلام كم يكون }مت 6 : 22- 23 .

لنقل مع داود المرنّم {الرب نورى وخلاصي مما أخاف ، الربّ حصن حياتي ممّا ارتعب } مز 27 : 1 . ان مسيحنا هو نور العالم وشمس البر ، ونستمد منه النور ، كما أن كلمته المقدسة هى نور للنفس السالكة فى ظلمة العالم ، كما قال الكتاب { الوصية مصباح ، والشريعة نور }( أم 6 : 23 ) . ويرمز النور إلى السلوك فى الحياة المقدسة ، والقدوة الصالحة للناس : { أنتم نور العالم ، فليضئ نوركم قدام الناس ، لكى يروا أعمالكم الحسنة ، ويمجدوا أباكم الذى فى السماوات } ( مت 5 : 14 – 16 ) .

ان الانسان الروحى بقيمه ومبادئه وبالمسيح الساكن فيه يضئ كنور فى العالم لمن حوله { كونوا بلا لوم وبسطاء أولاد الله بلا عيب ، فى وسط جيل مُعوج وملتو ، تضيئون بينهم كأنوار فى العالم } ( فى 2 : 15 ) .ونحن نطلب من الرب ، فى صلوات الساعات ( الأجبية ) ونقول كل يوم : أنر قلوبنا وأفهامنا ، أيها السيد الرب . فالحاجة ماسة إلى طلب الإستنارة الروحية للقلب والذهن ، من الروح القدس، ومن مداومة ممارسة كل وسائط النعمة والخلاص ، بناء على رجاء القديس بولس { مستنيرة عيون أذهانكم } ( أف 1 : 18 ) . فلنطلب من الرب من كل القلب، أن ينير عقولنا ويهبنا توبة مقبولة ، ويعطينا حكمة ونعمة دائمة ، وارتباط بكل وسائط الإستنارة الروحية ، والعملية ، ولنتعلم من كل الاباء القديسين ، التى أنارهم الروح القدس ، وأعطاهم نعمة وحكمة ، وخبرة ، لربح وخلاص النفوس، والسعى لربح السماء . ولا نركن إلى مشورة الأشرار ، أو لذوى أفكار عالمية ، مضادة لتعاليم الإنجيل ، ولا ننصت لخبرات أهل السوء ، لأنها ستقود الى الهلاك .


الروح القدس والاستنارة .. الروح القدس هو روح الله القدوس ، روح الحكمة والمعرفة والعلم، هو الذى يبكت الانسان على الخطية ليتوب عنها ويدفعه لعمل البر ويعلمنا كل شئ ويذكرنا بكلام السيد المسيح فى وقته المناسب ، انه يهبنا الصيرة الروحية التى بها نعرف ارادة الله التى بها نتصرف بحكمة من الله تجاه الناس والظروف والاحداث لنصير تحت سلطان الروح {واما المعزي الروح القدس الذي سيرسله الاب باسمي فهو يعلمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم (يو 14 : 26). وكما قال القديس الانبا مقاريوس الكبير فى عظته السادسة والاربعين لابنائه الروحيين ويقول لنا ايضا ان من يلتصق بالرب يصير متحدا به ويستنير ويصير طاهرا بنعمة وعمل الروح القدس (إن الله محب البشر في حنانه نحو الإنسان، يفعل هكذا مع النفس التي تأتى إليه وتطلبه باشتياق. ولأنه يكون مدفوعاً بالمحبة، من ذاته، وبالصلاح الطبيعي الخاص به، إذ هو الكلى الصلاح، فإنه يلتصق بتلك النفس ويصير معها "روحاً واحداً" كما يقول الرسول (1كو17: 6).


النفس والرب يصيران روحاً واحداً: وحينما تلتصق النفس بالرب، ويعطف عليها الرب ويحبها ويأتى إليها ويلتصق بها، وتكون نية الإنسان وقصده أن يستمر بلا انقطاع أميناً لنعمة الرب، فإن الرب والنفس يصيران "روحاً واحداً" و‘حساساً واحداً وعقلاً واحداً، وبينما يكون جسدها مطروحاً على الأرض فإن العقل يكون بكليته في أورشليم السماوية مرتفعاً إلى السماء الثالثة، ويلتصق بالرب ويخدمه هناك.
وبينما يكون الله جالساً في عرش العظمة في الأعالى في المدينة السماوية، فهو يكون بكليته في شركة مع النفس وهى في الجسد الخاص بها. لقد وضع صورة النفس فوق في أورشليم، المدينة السماوية - مدينة القديسين، وفي نفس الوقت وضع صورته الخاصة أي صورة نوره الإلهى الفائق الوصف - في جسدها. وهو يخدمها في مدينة جسدها، بينما هي تخدمه في المدينة السماوية. لقد صارت وارثة له في السماء وصار هو وارثها على الأرض. فالرب يصير ميراثاً للنفس وتصير النفس ميراثاً للرب.


فإن كان قلب الخطاة الذين في الظلمة أو عقلهم يستطيع أن يمضى بعيداً عن الجسد ويستطيع أن يتجول في أمكنة بعيدة، وفي لحظة يسافر إلى أقطار بعيدة، وأحياناً بينما يكون الجسد مُلقى على الأرض، يكون العقل (سارحاً) في بلاد أخرى مع صديق يحبه، ويرى نفسه كأنه يعيش هناك معه، فأقول إن كانت نفس الخاطئ هكذا خفيفة ونشيطة حتى أن عقلها لا يحجزه بُعد المسافات، فكم بالأولى جداً تكون النفس التي نزع الرب عنها حجاب الظلمة بقوة الروح القدس وقد استنارت عيونها العقلية بالنور السماوي، وقد أُعتقت تماماً من شهوات الخزي، وصارت طاهرة بالنعمة، فإنها تخدم الرب كلّية في السماء بالروح، وتخدمه كلية في الجسد، وتتسع في أفكارها حسبما يريد لها الرب وحيثما يريد لها أن تخدمه.

وهذا ما يقوله الرسول { لكي تستطيعوا أن تدركوا مع جميع القديسين ما هو العرض والطول والعلو والعمق، وتعرفوا محبة المسيح التي تفوق المعرفة، لكي تمتلئوا إلى كل ملء الله} (أف19،18: 3). فتأمل في الأسرار الفائقة الوصف، التي لتلك النفس التي ينزع الرب عنها الظلمة المحيطة بها، ويكشف عن عينيها ويظهر لها ذاته أيضاً، وكيف يمد ويوسّع أفكار عقلها إلى الأعراض والأطوال والأعماق والارتفاعات التي في الخليقة المنظورة وغير المنظورة. فالنفس هي حقاً صنيع إلهى عظيم مملوء عجباً. وحين صنعها الرب، صنعها من طبيعة ليس فيها شر، بل صنعها على صورة فضائل الروح (القدس). ووضع فيها قوانين الفضائل والبصيرة، والمعرفة والفطنة، والإيمان، والمحبة والفضائل الأخرى بحسب صورة الروح.


وإلى الآن فإن الرب يمكن أن يأتي إليها ويكشف لها ذاته بالمعرفة والفطنة والمحبة والإيمان. وقد وضع فيها فهماً وملكات فكرية، ومشيئة وعقلاً مدبراً. وقد جعلها أيضاً لطيفة جداً وصيّرها خفيفة متحركة وغير خاضعة للتعب. ووهبها القدرة على المجيء والذهاب في لحظة، وأن تخدمه في أفكارها حيثما يشاء الروح. وبالإجمال فإنه خلقها لكي يصيّرها عروساً له وتدخل في شركة معه، لكيما يلتصق بها ويصير " روحاً واحداً" معها كما يقول الرسول { وأما من التصق بالرب فهو ر  

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع

جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com