بقلم: مايكل سعيد
قد يستغرب البعض من عنوان المقال، فكيف لا توجد بـ"مصر" فتنة طائفية؟ وما كل هذه الأحداث الجارية؟ وماذا تسمَّى؟ فهذا سؤال واجب طرحه في مثل هذه التوقيتات الدقيقة..
علينا أن نعترف بالحقائق المؤلمة التي يعيشها المجتمع المصري، وقد يتسائل الغربيون في أي عصر يعيش هؤلاء؟ في أي قرن يعيشون؟ هل هذا يحدث في القرن الـواحد والعشرين؟ قد يشعر حينما يسمع بالأحداث الجارية بـ"مصر" بأنها قصص تاريخة حدثت في القرون الوسطى، ويستغرب هل توجد عقول كمثل هذه في الألفية الثالثة؟؟
فنقول: نعم، هذا هو الواقع الذي يعيشه المصريون، فهناك من يُفضِّل الإحتلال الخارجي عن أن يحكمه مصري قبطي، فلا مانع أن يحكمه ماليزي مسلم أو إيراني مسلم ولا يحكمة مسيحي مصري! نعم، هذه عقلية "الإخوان المسلمون"، جماعة "طظ في مصر" الشهيرة"، فصدرت هذه التصريحات عن المرشد العام لجماعة الإخوان الأسبق "مهدي عاكف"، وقالها صراحة "يحكمني ماليزي مسلم ولا يحكمني مسيحي مصري"، وقال: "طظ في مصر وأبو مصر واللي عايشين في مصر"!.. فهل تصدق أن تصدر تصريحات كمثل هذه من أناس يريدون أن يحكموا بلدًا ما؟ هل سمعتم أن رجل يأمل في الحصول على منصب رئيس دولة يقول "طظ في هذه البلد"؟؟ هذا لا تجده إلا في "مصر". هذا الإتجاه لا يعبِّر عن رأي شخصي لشخص ما، بل هذا منهج يتبعة الإخوان وغيرهم من الجماعات الإسلامية، فلهم رموز دموية عبر التاريخ، ويعتبروهم آبائهم الروحيين.
حينما تسأل بعض المسلمين عن رأيهم في الأقباط على سبيل المثال، فيجيبوك: هؤلاء إخواننا في الوطن، ولهم مالنا وعليهم ما علينا، ونعيش مع بعض في طمأنينة وسلام، وأعز صديق لي مسيحي، وأفضِّله عن كل أصدقائي المسلمين، فتشعر من خلال ردوده أنه شخص رائع ونقي القلب.. ولو ذهبت لمن هدموا الكنائس سيقولون لك نفس الكلام، كلنا وطن واحد، ودم واحد، وعايشين مع بعض في سلام منذ أكثر من 1400 عام، وحينما تسأله أين المشكلة؟ ولماذا تُحرق الكنائس؟ سيقول لك: نحن نحب النصارى، فلهم ما لنا وعليهم ما علينا، لكن:
- لا نريد كنائس، لأن مظهرها يستفزنا. فالصليب عكس عقيدة القرآن، ونحن لا نقبل بوجود صليب في شارعنا، وهذا لا يمنعنا من حب المسيحيين فهم إخوة لنا!.
- لا نريد قباب؛ لأن منظر القباب بالصليب يثير مشاعر المسلمين.
- لا نريد أن نسمع صوت أجراس الكنيسة، فهي مزعجة للغاية، وتثير الزعر في قلوب أطفالنا، وتقلق منامنا!.
- نحن نحب المسيحيين، فهم أبناء وطننا، لكننا دولة إسلامية، فلا يجب بناء كنائس بدولة يدين أغلبيتها بدين الإسلام، دين السماحة وقبول الآخر، وقد أوصانا الرسول بأهل الذمة، وقال "من أذى ذميًا فقد أذاني"!.
- هدمنا الكنائس لأنها مخالفة ليس أكثر، وحرقناها لأن النصارى استفزونا وعلقوا صلبانًا عليها!.
- وماذا عن كنيسة "صول"؟ هل كانت مخالفة أيضًا؟؟ لا.. كنيسة "صول" ليست مخالفة، ولكن تُقام بها شعائر سحر وشعوذة، وقد رآها شيخنا "حسان"، ورأى ورق السحر بعينه، والذي تسبَّب في عقم المسلمات بالقرية ولم ينجبوا أطفالًا منذ بناء الكنيسة!.
لذا، فنحن لا نتعجب من سماحة الإسلام، فقد قال "ياسر البرهامي"- أحد مشايخ السلفية-: "بغضنا لهم (الأقباط) لا يمنعنا من قتلهم!"، وهذه مقولة تاريخية في حد ذاتها؛ لأننا أول مرة نسمع بها عبر التاريخ.
وقال مفتي الديار "على جمعة": "النصارى كُفَّار وقساوستهم حشاشين"، في تفسيره لأحد سور القرآن! فلا يحق للنصارى الاعتراض على كلام الشيخ؛ لأنه يفسِّر القرآن. فهل تعترض على كلام الله؟
فبالرغم من تكفير المسيحيين، وهدم وحرق كنائسهم ومنازلهم، وطردهم من بعض القرى، وخطف بناتهم القاصرات، وإسلامهن، ولا يقبل منصب حتى "محافظ" مسيحي، ولكن هذه الأمور لا تنتقص من حقوق المسيحيين، فلهم ما للمسلم وعليهم ما عليه، وبغض المسلم له لا يمنعه من قتله!
هذا هو الواقع الذي يعيشه الأقباط، فليس هناك فتنة طائفية، بل هناك اضطهاد ممنهج ومنظَّم.. هناك اعتداءات مستمرة على أرواحهم وممتلكاتهم. فهذه ليس فتنة طائفية؛ لأن الفتنة الطائفية لا يكون طرفها واحد، فلابد من وجود خلافات طائفية بين عقيدتين يقاتلان بعضهم البعض، وهذا المشهد لا يحدث في "مصر"؛ لأن الاعتداء على مصلين عُزل وهدم وحرق كنائسهم لا يمكن أن يسمَّى فتنة طائفية بل هو اعتداء همجي بربري، طرف يمسك بالأسلحة والمواد المشتعلة ويتجمهر بأعداد غفيرة بعد صلاة الجمعة، وإلى الجهاد ضد الكفّار!!. فهذا هجوم وارهاب من طرف واحد، طرف دموي تربَّى على كراهية الآخر منذ حداثته وتلقيه خطب من مشايخه. فهذه ليس فتنة طائفية، ولا يصح القول على اعتداء "الرعاع" على الكنائس والأقباط أنها فتنة، بل نقول المسمَّى الصحيح "هجوم بربري إرهابي" على أقباط عزّل.. وكالعادة، وكما تعودنا من الأنظمة الحاكمة "الصلح خير"، نأتي بشيخ وقسيس وتنتهي الأمور، ويوقِّع الطرفان على صلح عرفي وانتهت القضية، ولا داعي لمحاكمة المجرمين؛ لأن محاكمتهم تثير مشاعر أقاربهم وعشائرهم، وقد تحدث فتنة لا يحمد الله عقباها، ولا داعي لاعتراض الأقباط والتظاهر السلمي، فالموضوع بسيط، هدم وحرق أربع كنائس في ثماني شهور، فلا داعي للتظاهر، فكل شهرين تُحرق كنيسة واحدة، احمدوا ربكم ولا تستفزوا مشاعر الأغلبية المسلمة!
الجدير بالذكر، أنه تم حرق مسجد بـ"إسرائيل"- "عدوة الله" على حد زعمهم، ولكن أعداء الله قاموا بتطبيق العدل وتقديم المعتدين على المسجد للمحاكمة العاجلة، أما المؤمنون في "مصر" فلم يقدموا مجرمًا واحدًا للعدالة منذ أحداث "الكشح" عام 2000 حتى أحداث "الماريناب" 2011، فهناك 11 عامًا يحكم خير أمه بظلم الأقباط وعدم تقديم قاتليهم لمجرد التحقيقات، وعلى النقبض أعداء الله يقومون بتطبيق قانون على الجميع في "إسرائيل"!
ختامًا، أقول: لكي الله يا مصر، يبدو أنه لا يمكن أن يحكمك حاكم معتدل ديمقراطي، كُتِب عليكِ قانون الطواريء والأحكام العرفية، وكما تعلمون، فالحالة الأمنية لا تسمح بإجراء انتخابات برلمانية في الوقت الحالي، فالشعب غير مؤهل للديمقراطية، والحالة الأمنية تستلزم تفعيل قانون الطواريء، وطواريء بعد طواريء، والنهاية "ارحل يا عسكر"، فيكون الرد من المجلس العسكري: "لقد قبلنا على عاتقنا مسئولية حماية الثورة والوطن، فلا نستطيع أن نترك فراغًا أمنيًا يسمح بتسلق المتسلقين الانتهازيين، ونتعهد بتسليم السلطة لحكومة مدنية منتخبة وفق جدول زمني محدد (عند أمه يا أدهم)".. وهلم جرّا.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com