بقلم: صبحي فؤاد
منذ يوم الأحد الماضي وأنا لا أصدق أن ما حدث في مصر يوم 9 أكتوبر 2011، هو حقيقي وليس حلمًا مرعبًا أو كابوسًا مخيفًا أعيشه.. أكاد لا أصدق ونحن نعيش في العصر الواحد والعشرين وزمن حقوق الإنسان، أن أفرادًا من الجيش المصري قاموا في وضح النهار وعلى مشهد من العالم أجمع، بالمشاركة مع قوات أمنية من كل لون ونوع واسم وبلطجية ومتطرفين، قاموا بقتل وذبح ودهس أجساد مواطنين مصريين مسيحيين وتسويتها بأرض الشوارع بسادية غريبة، لم تعرفها البشرية في تاريخها من قبل.. أكاد لا أصدق أن هناك إنسان تجرد من آدميته وإنسانيته لدرجة أنه بعد أن يقتلهم بدم بارد ويدهسهم بمدرعته أو دبابته أو عربته يقوم بحمل جثث القتلى ويرميها في مياه النيل ..
هل أنا أعيش في حلم مخيف؟؟.. هل أنا حقًا أعيش واقع مرعب لم أسمع أو أرى مثله في كتب التاريخ أو أفلام الرعب المخيفة؟؟
نعم لقد كان عندي إحساس داخلي وتخوف من حدوث شىء ما ضد المتظاهرين المسيحيين أمام ماسبيرو، بعد أن سمعنا محافظ أسوان الذي يمثل رئيس الدولة المصرية يقول بكل وقاحة "الأقباط أخطأوا والمسلمون صلحوا الخطأ بأيديهم" ورغم ما صرح به وفعلة لم يفصل من عمله أو يحاكم محاكمة عسكرية فورًا.
نعم كنت أتوقع حدوث اعتداءات على المسيحيين في مصر بعد أن صرح مفتي الديار وشيخ الأزهر وشيوخ آخرين بأن الأقباط كفار، ولم نرى كبيرًا أو صغيرًا من أعضاء المجلس العسكري الحاكم بقيادة المشير طنطاوي أو الحكومة المؤقتة يقول لهم عيب عليكم أو أن ما تفعلونه وتصرحون به علانية للصحف والمحطات الفضائية هو تحريض خطير على الكراهية وسفك الدماء .
ما حدث يوم 9 أكتوبر جريمة إبادة جماعية شاركت فبها الدولة للقضاء على المسيحيين في مصر وإذلالهم والضغط عليهم للرحيل إلى بلاد أخرى لأنهم كفار لا يؤمنون بالإسلام.. ما حدث أمام ماسبيرو فاق كل تخيل وتصور، وكل الجرائم والمجازر السابقة البشعة التي ارتكبت ضد المسيحيين في مصر منذ أن قال السادات قولته الشهيرة "أنا رئيس مسلم لدولة مسلمة".
مجزرة ماسبيرو التي شاركت فيها بعض العناصر من القوات المسلحة والشرطة المصرية وقوات الأمن الأخرى التي لا تعد ولا تحصى، ستدخل المشير طنطاوي وأعضاء المجلس العسكري ورئيس الحكومة ومفتي الديار وشيخ الأزهر وشيوخ التطرف، وعدد كبير من وسائل الإعلام المصري، وفي مقدمتهم قيادات التلفزيون المصري وجريدة الأهرام.. ستدخلهم جميعًا التاريخ من أوسع أبوابه لأنهم جميعًا شاركوا أو ساهموا -بطريقة مباشرة أو غير مباشرة- في أبشع جريمة ضد الإنسانية عرفتها البشرية منذ بداية الخليقة وحتى الآن .
لقد بكيت بالدموع مثل الأطفال وأنا أشاهد صور الضحايا الذين كان بعضهم شارك في ثورة 25 يناير، وعرض حياته للموت من أجل إسقاط الديكتاتور السابق واسترداد مصر حريتها وكرامتها.. بكيت ولا زلت أبكي وأنا أكتب هذه السطور، وأنا أنظر لصورة الفتاة المصرية المسيحية الطيبة وهي تجلس بجوار جثة خطيبها ممسكة بيدة على صدرها.. بكيت ولا زلت على كل الضحايا من كبار في السن وأطفال صغار وشباب الذين قتلوا بلا ذنب سوى لأنهم مواطنين مصريين مسيحيين كانوا يحلمون بالعدل والمساواة والرحمة والحرية لكل أبناء الشعب المصري .
يؤسفني أنني لا أجد ما أقوله أو أضيفه، لأن دموعي لازالت تسبق كل حرف أكتبه الآن، ومشاعري بالإحباط الشديد تمزقني داخلي، مثلما مزقت رصاصات الغدر أجساد الأبرياء المسيحيين أمام ماسبيرو.. لا أجد ما أقوله لكي أعبر عن صدمتي وخيبتي العظيمة سوى أن أقول بصوت عاليًا قويًا: خزي وعار على كل مصري شارك أو حرض على هذه المجزرة البشعة .. خزي وعار على كل من صمت من مسلمين ومسيحيين على أرض مصر، ولم يعترض ويشجب بقوة ما حدث يوم الأحد الماضي أو من قبل.. خزي وعار على التلفزيون المصري وجريدة الأهرام وجميع الصحافيين والإذاعيين الذين لعبوا دورًا عظيمًا في نشر الكذب والتحريض الذي أدى لسفك الدماء.. خزي وعار على كل جندي أو شرطي مصري أوقف يوم المجزرة واحدًا من المتظاهرين وكشف على يده لكى يتأكد أنه مسيحي قبل أن يشبعه ركلًا وضربًا مبرحًا وإهانات بالغة ..
خزي وعار على كل من ينكر أنه توجد عنصرية وطائفية وتفرقة واضطهاد رسمي وعلني ضد المصريين المسيحيين. خزي وعار على كل من كذب ولا يزال فيما يكتبه أو يقوله على شاشات التلفزيون من أجل تحويل الضحية إلى مجرم وتحويل القتلة إلى أبطال قوميين !!
إنني أطالب أُسر شهداء ماسبيرو، وأسر جميع شهداء الجرائم العنصرية التي ارتكبت من قبل بالتضامن مع جميع المصريين الأحرار الشرفاء من مسلمين ومسيحيين برفض مجالس نفاق المصاطب التي يحضرها القسس والشيوخ ولجان تقصي الحقائق المصرية التي يمكن بسهولة التنبؤ بنتائجها مقدمًا، واللجوء بدلًا من ذلك إلى المحاكم الدولية لأخذ حق أولادهم وبناتهم وأخوتهم وفوق كل ذلك حق الوطن مصر، لأن ما حدث ليس جريمة ضد ضحاياهم فقط وإنما ضد مصر كلها .
كلمة أخيرة أقولها إلى المجلس العسكري الحاكم، ومفتي الديار وشيخ الأزهر، وجميع الإعلاميين والصحفيين الذين ماتت ضمائرهم وحسهم الإنساني وتجردوا من كل القيم والأخلاقيات.
كفاية سفك دماء وعار وكذب وخراب.. مصر لم تعد تحتمل المزيد.. اتقوا الله في دينكم ووطنكم .
أما أسر الشهداء فأقول لهم: ليتني كنت أنا بدلًا من أولادكم.. أشعر بحزنكم وآلامكم العظيمة داخل قلبي.. الرب معكم يقويكم ويصبركم على انتقال شهداءكم إلى فردوس النعيم .
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com