بقلم : د. صبرى فوزى جوهره
اصبح من المسلم به الان ان العسكر الذين يدهولون امور مصر لا ينظرون باى عين اعتبار لصالح الوطن. فاى غرض يبتغون من بقائهم فى الحكم سوى ضمان امتيازاتهم المفرطة حتى و ان تظاهروا بالوفاء بالوعد و اسلموا سلطة الحكم لماريونيتات مدنية. و كنت يوم تخلصنا من شخص حسنى مبارك, اول من طالب باشراك هيئة مدنية فى ادارة شئون البلاد الى جانب العسكر الذى فرضهم من قبره السياسى على شعب مصر. ولكننى تبينت الان ان مثل هذه المشاركة لم يكن سيقدر لها سوى ان تصبح عبثا و تلويثا لسمعة و قدرة المدنيين, الحكام الطبيعيين لبلاد العالم المتحضر. و حقيقة الامر هى ان هذا هو ما فعلوه تماما. فاقاموا وزارة مدنية, لا تهش و لا تنش و لا تستطيع الحراك مطلقا الا باشارة من القيادة العسكرية. كانت هذه علامة تحذير مبكرة لنواياهم تجاه مشاركة المدنيين و قد عضدت الايام هذه النية المبيتة بعد ان انكشفت انانيتهم و عنجهيتهم و جهلهم و سوء نيتهم نحو ثورة الشعب المصرى. فلن يكن فى مخططهم السماح الفعلى للمدنيين بالمشاركة فى الحكم, بل سيقيمون منهم واجهة ضحلة على افضل تقدير, يتسترون خلفها للقيام بكل أعمال الشريرالتى ترمى الى احباط ثورة الشعب, فتتستديم لهم بذلك القدرة التامة على السيطرة على مقادير البلاد بلا منازع.
الادعاء بان العسكر مكنوا الثورة و "حموها" هو الضلال بعينه. كانوا بتقاليدهم التآمرية و عقليتهم الانقلابية ينوون استبعاد الاسرة المباركية. فحسنى اصبح فى عالمه الخاص منذ سنوات مضت, يحكم مصر بالاسم خلال وريثه المنتظر و الست الحرمه مودامته و زبانيتهما من اللصوص و المرتزقة و القوادين. وكان العسكر على علم تام بطموحات الولد الصغير (جيمى) فى ان يصبح الدكتاتور الجديد. و كان دمه تقيل علي قلوبهم كما اعربوا فى شبه علن لاصدقائهم الامريكيين. اصبحت احلام الولد بذلك اشبه بعشم ابليس فى الجنة بعد ان اصطف فى رفضه العسكر و الامريكان. كانت نهاية الاسرة المباركية اذن تحصيل حاصل. و لكن لم يتوقع المتآمرون ان تجيىء بهذه السرعة و على ايدى شباب و شعب مصر المحاصر الاعزل. و كان حسنى قد نصح اربابه الحكام الجدد, وهو "يلم خلجاته" (كما نقول فى الصعيد) وهو فى طريقه الى شرم الشيخ, بالا يستثيروا الاسلامين ونصحهم بالتواطوء معهم او التظاهر بهذا حتى تسعد ايامهم على العرش. و هكذا بدأوا حكم للبلاد.
مرت تسعة اشهر على حكم العسكر و ما فيش صريخ ابن يومين فى مصر يستطيع القول بانهم "عملوا حاجة" او نفعوا فى حاجة. اظهروا اسوأ ما فى العسكرية من صفات مثل العنجهية و التعالى و عدم الاعتراف بالخطأ و التظاهر بالسيطرة على الامور و احيانا اعادة ارتكاب نفس الخطأ (لست ادرى عن عناد او عن غباء, و كثيرا ما يصعب التمييز بينهما) و توقع الحصول على نتائج مغايرة, و ندرت بينهم صفات العسكر المرغوبة مثل التضحية (حتى بالنفس) لصالح الوطن, و الشجاعة (فقد شبعوا كذب و الكذب هو احط درجات الجبن) و الحزم و الاقدام و روح و القيادة و القدرة علي ممارستها و الاصرار على تحقيق المهمة التى اوكلت اليهم.
يبقى العسكر مش نافعين. طيب ماذا يفعل المصريون الان بعد ان دفعوا مقدما دمائهم و حياة شهدائهم ثمنا لحياة افضل؟ لا جواب عندى. عوضكم على الله. فازاحة العسكرلن تتم حتى بالطبل البلدى, و حقيقة الامر, وهو الواقع الاكثر خطورة, هى اننا لا نمتلك مقومات الدولة الاساسية وهى العمل الجماعى (حد سامع صوت اليابانيين بعد المصائب التى سقطت عليهم من السماء و البحر معا و ما جابوهاش على نفسهم زى جماعه؟ لا طبعا, اصل نوعهم احسن من نوع المصريين) و الحكومة القوية التى يساندها جيش غير طامع او مسيس و شرطة ما بتخافش من البلطجية و الشمحطجية و الفيران, الى جانب احترام القانون العادل (و هنا نتذكر الاحكام الصادرة من ملالى المادة السامة المعروفة بالثانية). و الى الان لم تخترع او تكتشف بعد الدولة التى تسير "توموتيكى" بدون حكومة. و لكن ايه يعنى؟ مش مصر هى ام الدنيا و صانعة الحضاره و احنا اللى علمنا العالم كل حاجة و دهننا ضوافر رجلين الناموس مانيكير؟ ممكن يبقى عندنا دولة من غير حكومه ولا اى حاجه.
آه, نسيت, هناك حل اعرضه عليكم لعله يحظى القبول: نفرغ مصر من المصريين كلهم, و نرسلهم لبلاد بعيدة ينسون فيها عاداتهم القميئة, بس مش السعودية او الخليج و النبى, و نأجر مصر لليابانيين بعقد لا يزيد عن عشرين عاما (هى الفترة التى اعادوا فيها بناء اليابان فيها بعد كانت قنابل الامريكان الذرية و غير النوويىة قد احالتها الى لا يختلف كثيرا عن العصر الحجرى), و طبعا سنشترط عليهم جميعا اعلان اسلامهم و يطاهروا الرجال (و النساء ايضا من قبيل الاحتياط حيث ان بعض علمائنا ما زالوا يصرون على وجوبه) قبل امضاء عقد الايجار. و عند انتهاء فترة العقد, يرحل المستأجرون, ويعود المصريون الى مصر. و قد تتسائل ايها القارىء الكريم عن الدافع الذى قد يغرى باليبانيين بترك بلادهم و الرحيل الى مصر. وجوابى على هذا هو ان مصر فى الحقيقة جنة من جنات الله على الارض : مناخ و موقع و تارخ و كل شىء جميل بس عيبها الوحيد فى سكانها المغرمين بتنييل احوال روحهم ما استطاعوا الى ذلك سبيلا. و بالطبع فانهم سيرحلون عن بكرة ابيهم قبل قدوم المستأجرين.
اما اذا عصلج اليابانيون و رفضوا و فشلت كل الحلول, فلنستمر على ما نحن عليه, و يا حبذا ان ازددنا بهدله فى بعض حتى نصبح كالجيف الميتة سريعا, و تزكم رائحتنا انوف العالم مرهف الحس, و تلتفت الشعوب التى لم تعتاد على الريحه الوحشه الينا, و تيجى تنضفنا غصب عننا و ترشنا بالفليت حتى يستطيعوا تحمل العيش الى جوارنا فى هذاالعالم الذى يزداد انكماشا يوما بعد يوم.
و ليكن موضوع التأجير لليابانيين جزء من الانتخابات التى بدأنا الاستعداد لها فعلا.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com