بقلم يوسف سيدهم
ماتزال أصداء أحداث ماسبيرو الدامية تتردد علي الساحة المصرية-بل والعالمية أيضا-وبالرغم من بعض الهدوء المؤقت في انتظار ما سوف تسفر عنه نتائج لجان تقصي الحقائق,بالإضافة إلي ترقب صدور الإصلاحات التشريعية التي وعدت بها الحكومة, إلا أن موجات شجب وإدانة ما حدث تتوالي ولاتهدأ, فكل من عايش أو تابع الملابسات التي ولدت في قرية الماريناب مركز إدفو بأسوان ورأي كيف تركت تخرج عن نطاق السيطرة ثم تستفحل وتفجر غضبة الأقباط في ماسبيرو يعرف جيدا أن المأساة ليست مقصورة علي ساحة المذبحة أمام التليفزيون في ذلك الأحد الدامي مساء 9أكتوبر, إنما المأساة تمتد جذورها إلي انفلات الخطاب الديني وسقوطه في خطيئة التحريض وإثارة الفتنة.
ولا أريد أن أستبق التطورات,لكني لاأتصور أن يغفل تقرير لجنة تقصي الحقائق عن التعرض لشهادات المعاصرين لأحداث قرية الماريناب وعلي الأخص أولئك الذين رتبوا للجلسة العرفية المشئومة التي ضمت المسلمين والأقباط وأولئك الذين ترأسوها وأداروها من القيادات العسكرية والأمنية والسياسية, لأن هذه الجلسة شهدت الشرارة الأولي للتحريض والفتنة كما شهدت مهادنة تلك القيادات للتيارات التحريضية والاستسلام الغريب لها...فعندما ينبري شيخ مسجد القرية في معرض تبريره لمطلب المتأسلمين في عدم وضع صليب أو جرس علي الكنيسة بالقول إن الصليب والجرس علامات مستفزة للمسلمين, فذلك تحريض يجب ألا يمر دون حساب...وعندما يزايد عليه مأذون القرية بالقول إن مسلمي القرية لم يعتادوا وجود كنيسة في قريتهم وذلك أمرمالوش لزمة فذلك أيضا تحريض يجب ألا يمر دون حساب...وعندما تسكت علي ذلك التحريض الفج سائر القيادات التي رأست وأدارت الجلسة, بل وتزايد عليه بأن تطلب من الأقباط الرضوخ بعدم وضع صليب أو جرس علي الكنيسة مع عدم الصلاة فيها, فذلك أبشع ترد لدور ممثلي القانون والدولة ولايجب أن يمر دون حساب.
ولا أتصور أن يغفل التقرير أيضا عن رصد وتسجيل مسئولية القيادات المذكورة- بسلوكها هذا في الجلسة العرفية- في تأجيج الفتنة التي تردت بعد أيام معدودة عندما عاد المتأسلمون لمحاصرة الكنيسة وتجرأوا علي طلب هدم القباب التي تغطيها, لأنها بدورها تستفز مشاعرهم المرهفة...ثم أين مسئولية هذه القيادات أيضا في ترك الكنيسة عارية عن أية حماية بعد كل تلك الإنذارات والتهديدات, حتي انقض عليها من هدموها وأحرقوها وأتوا علي منازل الأقباط المجاورة لها؟....وكل ذلك لا يجعلنا نغفل عن ضرورة مساءلة محافظ أسوان إزاء مسئوليته في إدارة هذه الأزمة والتي تجلت في خطاب
ه المؤسف وتصريحاته الخادعة التي تولت تزييف الحقيقة وتضليل الإعلام والرأي العام.
إذا لم نواجه كل تلك السقطات ونحاسب المحرضين والمسئولين عنها, فكيف يمكننا أن نضع حدا لما حدث ونحول دون تكراره؟...أعلم أن المجال الرسمي والفضاء الإعلامي عقب كارثة ماسبيرو تسوده مشاعر الإحساس بالذنب والاعتذار عما حدث,لكن الاعتذار المقصور علي ربت الأكتاف وتطييب الخواطر والكلام المعسول لايكفي ولايصلح المعوج, وترك المنفلتين الذين أطلقوا شرارة التحريض وخلقوا الفتنة يفلتون بفعلتهم هو بمثابة رسالة مغلوطة خطيرة لهم أن بإمكانهم تكرار ذلك المسلك المرض المدمر.
في هذا السياق يؤسفني أن أسرد واقعة تعرضت لها منذ نحو أسبوعين تدلل علي مدي تهرب إعلامنا الرسمي من مواجهة الواقع المريض واكتفائه بالخطاب السطحي الزخرفي للالتفاف حول ذلك الواقع...ففي مساء أحد الأيام عقب كارثة ماسبيرو تلقيت اتصالا من أحد معدي برنامجبيت العيلة الذي تبثه قناةالقاهرة التليفزيونية يطلب مني المشاركة بمداخلة تليفونية مع ضيوف البرنامج علي الهواء مباشرة...وعلي الفور انتقلت إلي متابعة وقائع البرنامج التي تضمنت آراء ضيفيه الشيخ والقس حول مسئولية الخطاب الديني في رأب الصدع بين المصريين ومعالجة الأزمات الطائفية, وتركزت الآراء علي سماحة الدين وعفة الخطاب الديني ودوره في تهذيب النفوس وإصلاح المجتمعات, واسترعي انتباهي ابتعاد كل من الضيفين عن الواقع المتبور الذي نحن بصدده واكتفاؤهما بالكلام البديهي الذي لا نختلف عليه لكنه ينفصل عن التواصل مع مشاكلنا...لذلك عندما دعتني مقدمة البرنامج للمداخلة أثنيت في عجالة علي دور الخطاب الديني في صلاح الإنسان وتهذيب سلوكه, ثم أوضحت أن هناك فرقا صارخا بينالخطاب الديني وبينالتحريض الديني واستطردت في إيضاح ذلك بتناول تفاصيل الأحداث التي أفرزت عنف وإرهاب قرية الماريناب ثم أوصلتنا إلي الواقع الذي نحن بصدده...لكني لاحظت تحولا غير مفهوم في الصوت أثناء كلامي وتبين لي قيام المسئولين عن البرنامج بقطع الاتصال أثناء المداخلة,وفهمت علي الفور أنهم لم يتحملوا درجة المصارحة التي انطوت عليها مداخلتي, فقد كان المطلوب هو الانسياق نحو نفس نمط القول المعسول المزركش الذي أسهم به الضيفان وعدم تكدير صفو البرنامج!!!
إننا في هذه المرحلة من إعادة تشكيل مستقبل بلادنا وإعادة ترسيخ حقوق مواطنيها بالقانون والعدل والمساواة لم يعد ينفع الهروب من الواقع ولو حتي بمعسول الكلام.
----------------
وطني تفتح باب تعويضات ضحايا ماسبيرو
كارثة ماسبيرو الرهيبة تركت وراءها ضحايا أبرياء يسمون إلي مرتبة الشهداء...أولئك تركوا عالمنا إلي السماء حيث لا ألم ولا دمع ولا تنهد, لكن وراء كل منهم مأساة إنسانية متجسدة في أسرته وذويه الذين يعيشون صدمة الحدث ولوعة الفراق علاوة علي هول ما تحمله الأيام المقبلة من وطأة الاحتياج المادي ومذلة السؤال عن الحقوق والتعويضات.
المستقبل غير واضح المعالم لهؤلاء المجروحين وعندما ذهبنا نستكشف ملامح العون والتعويض الممكن تقديمه لهم من جانب أجهزة الدولة اتضح لنا أن الطريق إلي ذلك غامض وطويل ويعترضه الكثير من العوائق وعلامات الاستفهام...لذلك فإنوطني كما تعودت في مثل هذه المواقف الطاحنة, واستجابة منها للعديد من الرسائل والاتصالات, تفتح باب تلقي مساهمات أهل الخير من أجل تعويض أسر ضحايا ماسبيرو...وكما دأبتوطني سيتم الإعلان عن جميع الإسهامات التي تتلقاها في هذا الصدد وكذلك الإعلان عن التعويضات التي سيتم توجيهها لكل أسرة من أسر الضحايا
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com