بقلم: حنا حنا المحامي
سبق أن كتبت مقالًا عبَّرت فيه عن مقاطعتي لجريدة "روزاليوسف"؛ لأنها جريدة عنصرية، تشحذ روح التعصب والعنصرية، بل والفتن في "مصر". وقد دلَّلت على ذلك بأن آخر مقال أقرأه لتلك الجريدة كان عقب الإدارة الجديدة، فلم أكن أتصوَّر أن تكون جريدة مصرية تسلك على صفحاتها هذا السلوك العنصري الذي ليس له من هدف إلا إثارة الفتن بين أبناء الوطن الواحد. فقد هاجمت هذه الجريدة جميع السفارات والقنصليات في "مصر" لأنها تعيِّن مصريين مسيحيين كموظفين لديها، وكأن المسيحيين ليسوا أبناء هذا الوطن!، علمًا بأن تلك السفارات والقنصليات للدول الأجنبية لا يمكن أن تتجه هذا الاتجاه العنصري الذي تنادي به "روز اليوسف". ولم أكن أتصوَّر أنه يمكن أن تنحدر "مصر" على أيدى إعلامها إلى هذا الدرج.. كل ما هنالك أن السفارات تقوم بتعيين منْ ترى أنه كفء لا أكثر، فضلًا عن أن مثل هذا التدخل السافر يشكِّل عدوانًا على سيادة تلك الدول.
وبما أني لا أقرأ لهذه الجريدة، فقد أرحت نفسي وحافظت على سلامي الداخلي بعيدًا عن المهاترات وروح التعصب الأعمى الذي يساهم إعلامنا على تنميته.
ولكن للأسف، فقد وجدت نفسي في المقال السابق أنساق إلى التعرُّض لسلوكيات تلك الجريدة.
ومنذ ذلك الحين وأنا لا أحاول قراءة تلك الجريدة التي كانت غراء. ولكن للأسف، فقد صدمني مقال نقل على موقع "الحق والضلال"، فوجدت نفسي دون إرادة أقرأه. وكان المقال يهاجم الأستاذ "موريس صادق" عن رأيه في اقتراحه في عملية تقسيم "مصر".
وهذا المقال ليس دفاعًا عن الأستاذ "موريس صادق"، فهو كفيل بالدفاع عن نفسه. ولكن الغرض من هذا المقال هو الرد على ما جاء من مغالطات جلية حتى لمن كان ضعيف النظر أو كليل البصيرة.
يقول الكاتب في هجومه على الأستاذ "موريس": "وعلى الرغم من أن الأقباط في مصر يعانون من مشاكل وقضايا، وقد يصل الأمر إلى تمييز". وكما نعرف أن "قد" في اللغة العربيه تفيد معنى الاحتمال.
طبعًا لم يتعرَّض الكاتب إلى أية تفاصيل من بعيد أو قريب عن أنواع المشاكل أو القضايا، ولكن كما يتضَّح من أسلوبه، فهو يفترض أنها مسائل بسيطة، وطبعًا من باب أولى لم يتعرض للباعث الذي طلب بسببه الأستاذ "موريس" عملية التقسيم.
وأود أن أقول للكاتب المبجَّل، إن الأمر ليس تمييزًا، ولا مجرد مشاكلن ولكنه للأسف الشديد "اضطهاد ممنهج" يستهدف إبادة المسيحية في "مصر".
إن الكاتب المبجَّل يرى أن قتل الأقباط وسحلهم وسجنهم، ولو بدون سبب، مجرد مشاكل. إنه يرى أن حرمان الأقباط من أبسط حقوق المواطن في ممارسة شعائره الدينية مجرد مشكلة، حتى لو انتهت تلك المشكلة بحرق كنيسة وحرق منازل المسيحيين وتشريدهم دون تعويض، على مرأى ومسمع من السلطات الحاكمة!. إنه يرى انصياع الدولة لعدم تعيين محافظ مسيحي بعد حلف اليمين مجرد مشكلة أو على أكثر تقدير قضية. إنه يرى أن حرمان الأقباط من المناصب القيادية ليساهموا في تسيير دفة دولتهم مجرد مشكلة، رغم أن هذا الموقف غير الوطني يتسم بالدوام والرتابة. إن هذا الكاتب يرى أن اضطهاد الأقباط الممنهج في كل مناحي الحياة مجرد قضية أو مشكلة "وربما" يكون "تمييزًا"..
إن الكاتب المبجَّل يرى أن قتل الأقباط، وهم مواطنون أصلاء، مسألة "قد" تتضمن تمييزًا، رغم أن هذا التمييز الممنهج يمتد إلى أربعة عقود. ولو كان الحكام وجدوا أقلامًا نظيفة تحترم مهنتها ورسالتها الصحفية لما تمادوا إلى هذا الحد المزري الذي أزعج العالم من أقصاه إلى أقصاه. وطبعًا كاتب المقال الذي يهاجم الأستاذ "موريس" ليس إلا عضوًا في جهاز الإعلام الذي كان نزيهًا وحرًا ووطنيًا.
وإني لأتساءل: هل تحرَّك قلم هذا الكاتب في تلك الجريدة لمقتل ثمان وعشرين شابًا من خيرة الشباب وإصابة المئات في مذبحة "ماسبيرو"؟، وإذا كان قد كتب، هل كانت له الشجاعة أن يواجه الواقع المرير من أن المجلس العسكري كان ضالعًا في تلك المؤامرة، ولو إرضاءًا لضميره إن كان هذا الضمير لايزال كائنًا ثابتًا؟.. ماذا قال عن سرقة المدرعة التي دهست شبابًا كل جريرتهم أنهم يعبِّرون عن رفضهم للعدوان المستمر على بيوت عبادتهم؟؟.
أقول: لو أن هذا الكاتب قد تحرَّك ضميره أمام المذابح التي تُدبَّر ضد الأقباط، والعدوان المستمر عليهم، وقتلهم وسحلهم، وحرمانهم من الحق الأدنى من الحقوق- لفكَّر ألف مرة قبل أن ينزلق هو وقلمه إلى هذا المقال.
يا سيدي الفاضل، هل تعرضت أو حاولت أن تتعرض لماذا فكَّر الأستاذ "موريس صادق" هذا الفكر الذي تصفه بالتطرف؟ ما الخطأ إذا كان هناك تطرفًا في مواجهة تطرف أقسى ضراوة وأشد فتكًا، مع فارق جوهري، أن ما ينادي به الأستاذ "موريس" ليس إلا فكرًا، أما التطرف الذي يواجهه الأستاذ "موريس" تطرف ممنهج يهدف إلى إبادة شعب كريم أصيل، شعاره السلام والمحبة، لا يسعى إلا إلى ازدهار بلده ونجاح وطنه؟.
أليست هذه الصحافة هي التي التزمت الصمت أمام مذابح "الكشح"، و"نجع حمادي"، وكنيسة "القديسين"، و"إمبابة"، و"صنبو"، و"ماسبيرو"، و..، و.. إلخ؟.. إنها على أكثر تقدير حاولت إلقاء اللوم على الضحايا المسيحيين!!. أليست هذه الجريدة من أقسم محرروها قسم الشرف على أن يؤدوا مهنتهم بالأمانة والشرف؟ هل تضليل الرأي العام الدولي هو جزء من الأمانة والشرف؟ هل انهيار كل القيم الوطنية وإلباس الحق ثوب الباطل من الأمانة والشرف؟ ماذا كان موقف الجريدة التي كانت غراء ومحررها الذي أقسم يمين الشرف والأمانة إزاء كل أقباط "فرشوط" الذين هجَّروهم وأجبروهم على ترك بلدهم ومحلاتهم ومنازلهم وصيدلياتهم وأراضيهم؟ ماذا كان موقف الجريدة ومحررها المغوار أمام موضوع المدرِّس الذي قُطعت أذنه ولم يجن الجناة إلا الأمن والسلام، وكأننا لا تحكمنا إلا شريعة الغاب؟ ماذا كان موقفهم أمام المحافظ المسيحي الذي رفضه ثلة من المتعصبين أصحاب الجلاليب البيضاء، وطأطأت الدولة المحترمة رأسها سمعًا وطاعة لتفتيت الوطن وإزهاق القانون؟.
اسمع يا سيدي الصحفي المغوار، إن كنت لا تؤمن ولا تلتزم بالالتزامات التي تمليها عليك مهنتك بشرف وأمانة، وتؤيد سلوكيات الظلم والعدوان وأعمال الفتن الطائفية والتفرقة العنصرية، ومن ثم تعمل على تفتيت وحدة "مصر" وإضعاف كيانها وسمعتها أمام دول العالم، فليس أقل من أن تتلمس العذر لمن يسعى إلى التخلص من هذا الظلم البيّن.
وفي هذه الحالة يسقط عنك الحق في أن تنتقد أو تهاجم أي إنسان يسعى إلى التخلص من هذا الظلم. وثق أن الأسطوانة المشروخة، والتي تتغنى بعبارات الخيانة والعمالة والاستقواء بالخارج، لم يعد لها نغم مُجدي أو مفيد، ولكنها أصبحت عبارات لا تعبِّر إلا عن سوء النوايا، والتكتل في اتجاهات الشر، والانقسام، بل والتفتت.
على ذلك، أرجو أن تعلم أنه ينحسر عنك أي حق في أن تنتقد الأستاذ "موريس صادق" أو غيره ممن يحاولون التخلص من هذا الظلم البيّن ليتنسموا نسيم الحرية في وطن مستقل.
بعبارة أخرى أكثر عمومية: فاقد الشئ لا يعطيه..
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com