بقلم: صبحي فؤاد
منذ اللحظات الأولى عقب ارتكاب قيادات الجيش المصري، بالتحالف مع قيادات الأمن المركزي وكتيبة "قناصة الموت" التابعة لجهات مجهولة في الدولة، مجزرة "ماسبيرو" البشعة، بدا واضحًا أن المجلس العسكري الحاكم لن يسمح بظهور الحقيقة للرأي العام المصري والعالمي؛ لأنها تدينه بطريقة مباشرة في جريمة قتل متعمَّد لـ (27) مواطنًا مصريًا مسيحيًا كانوا يتظاهرون بطريقة سلمية أمام مبنى التليفزيون المصري يوم 9 أكتوبر 2011.
ولم يكن غريبًا أن نجد قيادات المجلس العسكري عقب المذبحة بساعات قليلة، يهرعون إلى الميكروفونات وشاشات محطات التليفزيون لكي يعلنوا للعالم أنهم أبرياء من دماء الأقباط، وأن الجريمة اُرتكبت بمعرفة العناصر المندسة والأيادي الخفية والبلطجية الأقباط الذين كانوا يحملون السيوف والمطاوي، واللصوص الحرامية الذين سرقوا مدرعات الجيش وقاموا بدهس المتظاهرين!.
ولم يكتف المجلس العسكري بكم الأكاذيب التي صرَّح بها عدد من قياداته لوسائل الإعلام طيلة الأسابيع الماضية؛ للتغطية على الجريمة المروَّعة ومحاولة غسل أياديهم من دماء الأبرياء والتنصل من مسئولية ما حدث، ولكنهم أعلنوا عن القبض على مواطن مصري مسيحي، واتهموه بسرقة رشاش آلي وقتل متظاهري "ماسبيرو"، وزادوا الطين بلة عندما وجهوا تهمة التحريض على الاعتداء وقتل عناصر وهمية من الجيش إلى شاب قُتل أثناء المظاهرات!، وعدد كبير آخر من الذين شاركوا في المسيرة السلمية!!.
أما الذين قاموا بقتل المتظاهرين بالرصاص الحي ودهسوا الأبرياء وسووا أجسادهم بالأرض بسادية لم تعرفها البشرية من قبل، هم والذين حرَّضوا على قتل الأقباط أو قاموا بالاعتدء بوحشية على المتظاهرين بالمشاركة مع رجال الجيش والشرطة، فلم نسمع كلمة واحدة عنهم، ولم نر واحدًا منهم قُدِّم إلى محاكمة سواء عسكرية أو مدنية.
يحزنني أن أقول إن ما حدث يوم 9 أكتوبر هو استمرار لمسلسل الكذب والتضليل والتعصب والاستهبال الرسمي الذي دشنه بدماء الأقباط "السادات" عندما تولَّى الحكم، ومنذ هذا التاريخ لم يتوقف أبدًا، وهو تكرار لما حدث من قبل مئات المرات، ولكن هذه المرة بصورة شاركت فيها الدولة لأول مرة بطريقة مباشرة وعلانية بارتكابها الفعل، أي الجريمة.. وشاركت فيها مرة أخرى بمحاولاتها المستميتة تزييف الحقائق من أجل تضليل العدالة والضمير الإنساني، واختلاق وقائع كاذبة لتبرئة القاتل، ونسب الجريمة إلى الضحية.
والغريب أن العالم كله شرقًا وغربًا تقريبًا استنكر هذه المذبحة البشعة التي اُرتكبت على أرض "مصر" ضد مواطنين مصريين كانوا يتظاهرون بطريقة سلمية، ولكن الوحيدين الذين لم يظهروا أسفًا أو حزنًا أو تعاطفًا إنسانيًا أو آدميا مع الضحايا وأسرهم كانوا السادة الكرام أعضاء مجلس العسكر الموقَّر، تمامًا مثلما كان يفعل "السادات" وخليفته "حسني مبارك" الذي أجبره الشعب في شهر فبراير الماضي على التخلي عن السلطة!!.
لقد كنا نتصوَّر أن "مصر" تغيَّرت إلى الأفضل بعد 25 يناير وسقوط نظام "مبارك" و"العادلي" وأعوانهما، ولكن بعد مشاركة بعض عناصر الجيش المصري والأمن وفرق القناصة في قتل المواطنين المصريين بدم بارد وعمدًا مع سبق الإصرار طبقًا للهوية الدينية يوم 9 أكتوبر 2011، أدركنا وتأكَّدنا أن كل شىء في "مصر" لايزال كما كان عليه منذ أيام "السادات" و"مبارك" من فساد ومحسوبية وديكتاتورية مطلقة وبطش وإرهاب وظلم وتلفيق التهم والقضايا لاتفه وأقل الأسباب، ولذلك لا أجد غرابة أو دهشة عندما أقرأ يوميًا التقارير والتوقعات في الصحف العالمية التي تتنبأ وتتوقَّع قيام ثورة أخرى حقيقية في "مصر" قريبًا؛ لكي يسود العدل بين الجميع، ويسترد المصريين حريتهم وكرامتهم وإنسانيتهم، ويعم الخير والرخاء أرض "مصر".
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com