ÇáÃÞÈÇØ ãÊÍÏæä
طباعة الصفحة

الرهبنة القبطية فى ذكرى الأربعين لجلوس قداسة البابا شنودة الثالث

د. ماجد عزت اسرائيل | 2011-11-15 10:27:01

بقلم: د.ماجد عزت إسرائيل
تحتفل الكنيسة القبطية بذكرى الأربعين لجــلوس قــداسة البابا "شنودة الثالث" البطريرك (117)-أطال الله عمره– منذ عـــــام(1971م) بتولى كرسي البابوبة ،كرسى "مار مرقص الرسول"ـــ باعث النهضة المسيحية فى مصر، وقـــــداسة البابا صاحب تاريخ كبير فى شتى مجالات الخدمـة الروحية والاجتماعية، ومعروف بمواقفه الوطنيـــة التى يرددهــا الشعب المصرى بشتى طوائفه، وبهذه المناسبة سوف نتكلم عن الرهبنة القبطية.

 

الرهبنة في المسيحية هي حياة الوحدة والزهد والنسك والصلاة والتسبيح بجانب العمل اليدوي بقصد التبتل مع اختيار الفقر طوعا، كما أنها فلسفة الديانة المسيحية والجامعة التي تخرج منها مئات البطاركة والأساقفة الذين قادوا الكنيسة بالحكمة فلكي يكون الإنسان راهبا ـ كلمة يقابلها باليونانية (موناخس)، وتعني (متوحد) ومنها Moine بالفرنسية، Monk بالإنجليزية ـ ينبغي أن تكون له ميول للفلسفة والحكمة، لأن حياته كفاح وحرمان وإنتاج من أجل هذه الرسالة السامية التي يدرك خلالها أن فضيلته باطلة إن كان ضياؤها لا يتعدى جدران النفس البشرية ولا ينعكس على البشرية كلها ليغمرها بمعرفة الله.
ويرجع تاريخ نشأة الرهبنة في مصر إلى مطلع القرن الرابع الميلادي، حيث انتشرت المسيحية في كل ربوع البلاد، وبدأت في بادئ الأمر حركة دينية مستقلة عن الكنيسة، ولكنها سرعان ما أصبحت جزءاً أساسيا من النظام الكنسي، حتى إنها انتقلت إلى سائر أنحاء العالم المسيحي، على أيدي الراغبين فيها بحضورهم من دول أوروبا وآسيا وتسلمهم مبادئها وتعاليمها على أيدي الرهبان المصريين ونقلها لبلادهم؛ فكان لمصر فضل على العالم في معرفة الرهبنة.
ولقد أسهمت عدة عوامل جغرافية ودينية واقتصادية في انتشار الرهبنة في مصر، ويتمثل العامل الجغرافي في طبيعة مصر الجغرافية من حيث الأرض والمناخ، فهي تتمتع بالصحاري الواسعة- الصحراء الشرقية والغربية وشبه جزيرة سيناء- وكانت تلك الصحاري مأوى يلجأ إليه الرهبان والمتعبدون، هذا فضلا عن مناخها المعتدل الذي شجع الراغبين في الرهبنة على الخروج من مدنهم وقراهم والذهاب إلى الصحاري، ويصف أحد الرهبان"قداسة البابا شنودة الثالث" ذلك في الأبيات التالية قائلا:



أنا في البيداء وحدي
لي جحر في شقوق التل
وسأمضي منه يومًا
سائحا أجتاز في الصحراء
ليس لي دير فكل البيد
ليس لي شأن بغيري
قد أخفيت حجري
ساكنا ما لست أدري
من قفر لقفر
والآكام ديري.

 

أما العامل الديني فإنه يتمثل في النظر إلى الرهبنة على أنها نوع من الاستشهاد من خلال النسك وتحري أمانة الذات وهجرة الشهوات، بالإضافة إلى رغبة بعض الأفراد في البعد بأنفسهم عن المجتمع المليء بالمفاسد والنجاة منها، كما توجد إشارات في الكتاب المقدس تدعو إلى فكرة الرهبنة نذكر منها قول السيد المسيح للشاب الغني: " إن أردت أن تكون كاملا فاذهب وبع كل أملاكك وأعط الفقراء فيكون لك كنز في السماء وتعال اتبعني"، وأيضا قوله لتلاميذه "إن أراد أحد أن يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني فإن أراد أحد أن يخلص نفسه يهلكها ومن يهلك نفسه من أجلي يجدها لأنه ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه، وقوله في موضع آخر "من أحب أبا أو أما أكثر مني فلا يستحقني .. ومن لا يأخذ صليبه ويتبعني فلا يستحقني ومن وجد حياته يضيعها ومن أضاع حياته من أجلي يجدها"، كما أدى الاضطهاد الديني الذي تعرض له المسيحيون الأوائل من قبل الأباطرة الرومان خلال القرون الثلاثة الأولى للميلاد إلى فرار عدد كبير منهم للصحاري بدينهم حتى لا يتعرضوا للتعذيب.



وأما العامل الاقتصادي فإنه يتلخص في الأزمات الاقتصادية التي تعرضت لها مصر منذ أوائل القرن الرابع الميلادي؛ مما أدى إلى انتشار الفوضى وفرض الضرائب، وقسوة جامعيها وعدم قدرة البعض على تحملها ومن ثم هروبهم إلى التعبد في الصحاري.
وقبل الظهور المحدد للرهبنة عاش عدد من النساك المعتزلين خارج المدن والقرى دون أن تربطهم أية قاعدة عامة، ودون أن يخضعوا لأية سلطة محددة ومارسوا النسك والعزلة فظهر المتوحدون الأوائل ثم تطور نظام الرهبنة إلى نوعين هما:



1- الرهبنة الانفرادية: وهي تسير على نظام التوحد والانفراد، حيث ينفرد الراهب في مغارة، يقضى حياته منعزلا عن البشر، ويعتبر القديس "بولا"ـ ولد في عام 228م من أبوين موسرين وتثقف بثقافة عصره المزدوجة وهي الثقافة الإغريقية والمصرية، ودرس أصول المسيحية التي تعلق بهأ. وعندما مات أبوه وهو في السادسة عشرة من عمره، تولى الوصاية عليه زوج أخته الذي حاول التخلص منه بتسليمه للسلطات الرومانية ليأخذ ميراثه، وتأثر برؤية جنازة أحد الأثرياء الذي لم يأخذ معه شيئا وهو في طريقة للقبر وأدرك أن ما ينفعه هو أعماله الصالحة، فترك متاع الدنيا وتوغل في صحراء مصر الشرقية، حيث أقام في مغارة مكانها الآن ديره الشهيرة باسمه وما زالت حتى الوقت الحالي ـ الرائد الأول لمنهج الرهبنة الانفرادية وواضع نسق الحياة الرهبانية، وعلى الرغم من ذلك أخذت الرهبنة الانفرادية وضعها الثابت المعروف والشهرة العالمية الزائعة الصيت على يد الأنبا أنطونيوس ـ ولد في عام 251م، فى قمن العروس بمحافظة بني سويف، من أبوين مسيحيين على درجة عالية من الثراء والغنى، وتعلم من أبيه فضائل المسيحية، وعندما توفي أبوه وهو في الثامنة عشرة ترك له ميراثا عبارة عن مزرعة مساحتها 300 فدان وأختا صغيرة يقوم على رعايتها وتربيتها، فباع كل أملاكه ووزعها على الفقراء، بعدا أن أعطى أخته نصيبها، وتوجه بها إلى أحد بيوت العذارى القبطية وأوصى بها رئيستهن لكي تراعيها كابنة لها، وبعدها توجه للبرية الشرقية للتعبد والصلاة ـ حيث تطورت تطورها التاريخي حتى أطلق عليها المؤرخون ذلك الاسم الذي أسبغوه عليها وهو "الرهبنة الأنطونية" نسبة إليه، وكان هذا الدور بلا شك هو الخطوة البارزة حقا من تاريخ الرهبنة المصرية بشكلها المألوف لأن ما سبق ذلك لا يمكن اعتباره إلا بمثابة مقدمات ارتجالية مهدت لهذا النظام الجديد.


وفى نظام الرهبنة الأنطونية يتجمع الرهبان المتوحدون في قلايات ـ مفردها قلاية وهي مسكن الراهب وتتكون من حجرتين، الخارجية للمعيشة، والداخلية تسمى المحبسة؛ وهي مخصصة للعبادة ـ منفردة متقاربة لكنها منفصلة، ولا يتجمون معًا إلا في المناسبات للخدمة الإلهية أو المناظرات الروحية مكونين ما يسمى "تجمعات أو جماعات المتوحدين" حول القديس الأب الذي يتخذونه أبا ورئيسا لهم، وهذا التجمع الرهباني في صورته الأولى البسطية يسمى "سيق" وكانت أولى هذه الجامعات جماعة القديس أنطونيوس في الصحراء الشرقية في "بسبير" Pispir وبعد ذلك قامت جماعة تحت رئاسة القديس "بلامون" قرب "طبانسي" وتلا ذلك قيام ثلاث جماعات رهبانية في وادي النطرون في "نيتريا"ـ تعرف باسم البرنوج وتقع في محافظة البحيرة على بعد 14 كم جنوب مدنية دمنهور، وهي المستوطنة التي أسسها القديس "أمون" ـ تحت رئاسة القديس "أمون" والثانية في "سيليا" Cellia أو القلالي ـ تقع على بعد حوالي 16-19 كم جنوب نيتريا (أي أنهاتقع بين الأسقيط ونيتريا) تحت رئاسة القديس مكاريوس السكندري والثالثة في الأسقيط ـ تبعد عن منطقة سيليا أو القلالي بنحو 50 كم إلى الجنوب والجنوب الشرقي وتبعد عن جبل نيتريا بحوالي 72 كم ـتحت رئاسة القديس مكاريوس الكبير ـ عاش في الفترة (300-390م) وكان أول من كون الجماعات الرهبنية في الأسقيط، وبدأ توحده في نتيريا عام 330م، وتقابل مع القديس أنطونيوس عام 352م، وعرف بـ"أبو رهبان برية شيهيت"ـ كما كانت هناك تجمعات أخرى قرب مدنية الإسكندرية، هذا بالإضافة إلى جماعات رهبانية أخرى بالصعيد.


2- الرهبنة الجماعية: وهي التي يباشرها جماعة من الرهبان وليس راهب واحد وتعرف باسم "ديرية جماعية، وصاحب هذا النوع هو القديس باخوم "291- 346" ـولد في 290م بعزبة كينوبوسكيون Kenobaskion في طيبة، ومكانها الآن بلدة قصر الصياد بمحافظة قنا، وهو من أبوين وثنيين ثريين، عندما بلغ العشرين من عمره تطوع في الجيش الروماني، وتعرف على المسيحية وهو في الخامسة والعشرين من عمره، ثم مال إلى حياة الزهد والنسك، وتعلم على يد الأنبا بلامون، وسرعان ما شيد أول دير قرب دندرة ليجمع الرهبان على أساس الشركة ـ المللقب "بأبي الشركة" وهو الذي أسس أول دير في طبانسي بمحافظة قنا عام 318م ونظم حياة الرهبان في شكل جماعي بحيث يعيش الجميع داخل دير واحد ويخضعون لقوانين ونظم معينة، وشعارهم الزهد، والتبتل، والطهارة، والشراكة في المسكن والمأكل والعمل والصلاة، ويبدو أن تربية باخوم العسكرية جعلت منه ديريا صارماً.

 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع

جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com