بقلم: مهندس عزمي إبراهيم
من المعلوم أن الفوضى السياسية والاجتماعية والأمنية والأخلاقية بمصر (الطيبة) قد وصلت إلى درجة تحتاج إلى معجزة لِصَدِّها وقمعها. ولست أدري هل بقى لعصر المعجزات بقية أم أنه قد احتضر وخمدت أنفاسه! ومن المعلوم أيضًا أن كل ما يحدث في الشرق له أساس أو منبع ديني، فالدين في الشرق يشبه دواسة البنزين في السيارة، والسيارة لا تتحرك إلا بالدوس على دواسة البنزين.
هناك موجة هائجة مدفوعة في نغاشيش مصر تشبه السيل أو الفيضان من دعاة الدين ومدعي التدين من كافة الطوائف الذين يتخذون الدين وسيلة مثل بسكلِتـَّة أو ناقة للوصول إلى هضاب مطامحهم وتحقيق أنانيتهم ومطامعهم الشخصية غير مبالين بصالح مصر أو صالح المصريين أو حتى صالح الدين. ففي كل يوم يغمروننا بفتاوي ودعاوي عبارة عن مهاترات وسفاهات لا يقبلها عقل عاقل، ولكنها تخرب عقول البسطاء وتذبذب أنصاف المتعلمين وتثير الشكوك في نفوس بعض الناس حول الحُكم الفقهي. علاوة على أن منها الكريه المقيت الذي ينفث البغضاء والحقد والظلم والتفرقة بين أبناء الوطن الواحد، وأهم من هذا وذاك يشوه معالم وتعاليم الدين ذاته. فهؤلاء هم أضرُّ على الإسلام ممن يظنونهم أو يدعونهم أعداء الإسلام.
الأمثلة على ذلك كثيرة منها كيف يجب أن يتبول المسلم (فتوى الشيخ محمد حسين يعقوب بعدم شرعية التبول وقوفا) وبأي قدم يخطو أولًا، وأهمية بول البعير، وضرورة إرضاع الكبير، وأجنحة الذباب، وغيرها كثير. وهناك فتوى الشيخ عمر سطوحي رئيس لجنة الدعوى بالأزهر أن "زواج بنات المسلمين من الفلول غير جائز وحرام" ولست أدري هل يدرك الشيخ أن هذه دعوة سياسة مغرضة وليست فتوى دينية؟. وهناك العديد من الخرافات والترهات والمشوهات للبرهامي وأبو إسحق الحويني والمحلاوي وصلوات الزغبى الحارة (بالدموع المضحكة) المليئة بالكره والحقد وطلب الإبادة والدمار والخراب على الآخرين. وهناك تفسير الكفر في عرف الشيخ "الضليع" بأن "الكفر في اللغة هو التغطية ، يعني حجب الحقيقة، فأنت عندما تغطي سيارتك بال cover يعني الغطاء فأنت كافر يعني غطيت السيارة وحجبتها!"
وهناك من ينادي بإلغاء الفنون الجميلة: الموسيقى والغناء والتمثيل والرسم والنحت والسينما ومشاهدة الصور عبر الشاشات واستقبال ما تبثه القنوات الفضائية وتصفح المجلات المصورة (لأن بها صور غير مناسبة ومقالات مضللة (بدلا من مناقشتها والتحاور والتحاجج بالمنطق في مضمونها) وشغل الوقت بمشاهدة المباريات واللاعبين (لأنهم أشباه عراة!!!) وتحريم تصفح المجلات لأن بها صور مخزية (لأن بها مقالات مضللة بل وصل بهم الأمر إلى تحريم وتجريم العلم والعلماء وتكفير المفكرين. وكلها دلائل خوف وعدم ثقة في الدين والتدين الحقيقي فليست كل الأغاني والصور خليعة ولا كل اللاعبين أشباه عراة وليس الإنسان مجرد من العقل والحكمة والقدرة على التمييز بين الغث والسمين. ولكن إن دل ذلك على شيء فعلى أنها صادرة عن جهل وتزمت وتحكم وعدم ثقة بالإنسان بل تسلط على اختيارات الإنسان العاقل.
لقد أضاعوا جمال مصر بفرض الحجاب والقناع والنقاب والعباية والجلباب واللحى المشوشة مع الشوارب المحلوقة، واستداروا ونادوا بالقضاء على الذوق الجميل والاحساس الرقيق والمشاعر الإنسانية من بنيها... مرحبًا بمصر الجافة الصحراوية المتخلفة المقفرة من الشعور الرقيق والأحاسيس الإنسانية. ولم يبق إلا أن يمحو مصر من تاريخ العالم بل من وجودها به. لن أقول مرحبًا بالمسير إلى الوراء آلاف السنين فمصر كانت جنة الله على الأرض منذ سبعة ألاف سنة على الأقل. هذا بالإضافة لما يجري الآن من هدم الكنائس ومقدسات الآخرين. والأدهى من هذا كله أن منهم من ينادي بهدم تماثيل الفراعنة وأهرامات وآثار أعظم وأول حضارة في التاريخ. فبغض النظر عن دخل مصر من السياحة وأهميته لاقتصاد مصر، مرحبًا، مرحبًا، أبشروا يا أبناء مصر مسلميها وأقباطها بمحو مصر من تاريخ العالم بل من وجودها به. لن تعود مصر مصرًا بل نجدًا مقفرًا من نجاد شبه الجزيرة.
ومن زاوية أخرى، نرى أن مصر قد انتابتها موجة سوداء من الافتراءات والادعاءات الكاذبة من دعاة الدين ومدعي التدين. ننوه بأقذرها وهو ما قام به محمد سليم العوا الذي بدأ أكبر وأخطر موجة فتنة طائفية في مصر في العصر الحديث مدعيًا بعنف وجهورية وإصرار أن الأقباط يخزنون بكنائسهم وأديرتهم أسلحة وذخائر استعدادًا لدمار المسلمين وكأن الأقلية المسالمة ستخاطر بهذه الحماقة (كذبة صفراء مغرضة حقيرة)، كذلك افتراءات كاميليا وووفاء، مما هيـَّج المسلمين المتطرفين والبسطاء ضد أخوتهم الأقباط وضد الكنيسة ورؤسائها، حتى وصلت التعديات والمظاهرات والإهانات الغوغائية والهمجية القذرة على الكاتدرائية مركز المسيحية بمصر، وعلى رئيس الكنيسة المصرية ابن مصر البار العفيف النزيه، شهورًا طويلة لم تنته إلا حين أراد العوا ترشيح نفسه في الانتخابات لرئاسة جمهورية مصر، فتراجع بجرأة وبلا خجل عن كل ادعاءاته الكاذبة وافتراءاته المغرضة والمثيرة للفتنة الطائفية بين أبناء مصر، وأنكرها في سبيل طموحه الشخصي لرئاسة مصر، رغم ثبوت ادعاءاته وافتراءاته في العديد العديد من الصحف والتلفزيون والفضائيات!! فهو كاذب عندما ادعى وكاذب حينما أنكر. أي مثير فتن ومهيج الرعاع وملفـِّق ومنافق ومرائي وكاذب ومدعي تختاره مصر والمصريين رئيسًا!!
وهناك فتوى الشيخ الوهابي عبدالرحمن السحيم بأنه لا يجوز التصويت من المسلمين لصالح الكفار، وتبع خطاه الشيخ محمود عامر السلفي ينادي بأن إعطاء الأصوات في الانتخابات (المصرية) لقبطي (مصري) غير شرعي. في حين أن أفتى الشيخ سيد عسكر عضو مجلس الشعب الأخواني السابق وأحد علماء الأزهر الشريف، خلال حديث الثلاثاء الذى تعقده الجماعة أسبوعيًا بمسجد أبي الجود بأسيوط حول التصويت لغير المسلمين في انتخابات الشعب قائلًا أنه يجوز ذلك طالما أنه الأصلح، مشيرًا إلى أن شعب أسيوط مسلمين ومسيحيين صوتوا لقائمة حزب العمل، وكانت تضم جمال أسعد عبد الملاك، ونجح د.محمد حبيب وجمال أسعد عبد الملاك بأصوات المسلمين والمسيحيين معًا. بل نادي الشيخ عامر بعدم تعامل المسلم مع غير المسلمين مثل الأطباء والتجار والخدمات وغيرهم. من العجب أن كل ما يستعمله الشيخ محمود عامر بدءًا من ساعة اليد والمحمول والمكروفون والفضائية والسيارة والطيارة والثلاجة والمدفع والمدرعة وفرشة الأسنان والأدوية والأجهزة الطبية وغيرها مئات الأدوات اليومية من صنع غير المسلمين!!! أي عدالة يا مدعي الدين وأي دين تتبع يا شيخ محمود عامر.. أنك عالة على غير المسلمين ووصمة وعبء ثقيل على دينك وأبناء دينك.
أضف إلى ذلك قيام العديد من دعاة الدين السطحيين بسب وتجريح الدين المسيحي واهانة المسيحيين على الفضائيات والتلفزيون والصحف المأجورة. كقيام د. حسام ابو البخارى بإزدراء المسيحية حيث يقول في أحد البرامج ان آيات الكتاب المقدس للاستهلاك الاعلامى والمحلى، غير اتهامة للبابا و التطاول عليه. هذا علاوة على كلام العامة على مواقع الإنترنت من سباب وتجريح في المسيحية والمسيحيين، ولا يعاقب أحدًا كما لو كان هذا القانون لا يطبق إلا على من يخطيء فى حق الإسلام فقط، أما المسيحية فالخطاء فيها مسموح و مباح للجميع.
وبالمثل، حين قدم الداعية خالد عبد الله في خلال مكالمة تليفونية في برنامجه على قناة الناس الاستاذ محمد عباس الذي قام بتحريض مباشر بقتل الأقباط، وصف فيها الأقباط أنهم عبدة الشيطان واتهم البابا شنودة بامتلاك السلاح فى الكنائس إلى آخر المكالمة المليئة بالتحريض ضد الأقباط وإظهارهم كما لو كانوا خونة يجب التخلص منهم.
حتى المسئولون عن الدين ذوي المناصب الدينية العليا في الدولة، ومسئوليتهم هي توجيه تابعيهم نحو القيم والفضائل الإنسانية وروح الدين من حيث الرحمة والعدالة والإخاء والمواطنة والأخلاق وحسن التعامل بين أبناء الوطن. لم نسمع من أحد منهم تكذيبًا أو نهراَ أو حتى عتابًا (رقيقًا) لما ينفث به دعاة الدين ومدعي الدين من سموم في رسالاتهم ومقالاتهم وخطبهم وميكروفوناتهم وفضائياتهم وفضائيات غيرهم. بل قام المسئولون بإدلاء دلوهم في البئر العكِر أو المُعَكـَّر لزيادة عكارته عكارة بإقرار أن المسيحيين "كفار". والكافر لدى الجاهل والمتطرف مستوجب للقتل. فبأي منطق وأي هدف كان لزوم هذا الإقرار في وقت تملأ الفوضى والتطرف والبغضاء والمستغلين والمأجورين والمدسوسين ساحة الوطن.
ليس لدي ما أضيف الا أن أختم بمقولتين حكيمتين:
ثلاثة أبيات من القصيدة الرائعة "نونية ابن القيم" مفخرة المسلمين تنادي باستقصاء اثنين من أشر النقائص: الجهل المركـَّب والتعصب. كا تنادي بالتحَلـِّي بأفضل القلائد الإنسانية: العدل:
وتـَعـَـرَّ من ثوبيـن من يلبسهما *** يلـقي الـردى بمذمـَةٍ وهـوان
ثوبٌ من الجهل المركـَّب فوقه *** ثوب التعصّب بئست الثوبان
وتحـَلَّ بالإنصاف أفخـر حلـَّةٍ *** زينت بها الأعطاف والكتفان
وأضيف أيضًا مقولة الإمام أحمد بن حنبل لمن يعي ويتعظ: "الإمساك في الفِتنة سُنة ماضية، واجب لزومها، فإن ابْتُلِيتَ فَقَدِّم نفسك دون دِينك، ولا تُعِن على فتنة بِيَدٍ ولا لِسَان، ولكن اكْفُف يَدك ولِسانك وهَواك".
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com