هل تعتقد أنك ستقف أمام الصناديق اليوم، وفى المراحل التالية من الانتخابات، لتختار بين معسكر الإسلام، ومعسكر الكنيسة كما يروج لك؟، كيف تقبل أن تختلف «سياسيا» مع قامة وطنية نضالها ضد الاستبداد واضح ومشهود مثل د. محمد أبوالغار أبرز مؤسسى تحالف «الكتلة المصرية»، فتتهمه فى دينه هو ومن معه داخل هذا التحالف من مصريين مسلمين، لهم فهمهم للإسلام وشريعته، الذى لا يمكن أن يكون كفرا على الإطلاق.
وكما أن د. أبوالغار، ود. محمد غنيم وغيرهما من رموز الكتلة المصرية، نماذج وطنية، كذلك لا يجب أن تنفى عن التيار الرئيسى داخل الحركة الإسلامية وطنيته، وانتماءه لنسيج هذا الشعب وتعاطيه طوال الثلاثين عاما الأخيرة تحديدا، مع قضايا النضال الوطنى، وفى النهاية امتلاكه لمشروع قائم على فهم للإسلام وشريعته يمكن أن تصفه بالإسلام المدنى أو القريب من هذا المصطلح، خاصة إذا ما قصدت قلب هذه الحركة الأكثر احترافا سياسيا وفى مقدمتها «الحرية والعدالة» والوسط والأحزاب الخارجة من رحم التجربة السياسية للإخوان المسلمين وليس المشروع الفقهى الستينى لبعض مفكرى هذه الجماعة.
لديك نقطة تلاق إذن تقدر من خلالها أن تكبح هذا الانفلات فى الاستقطاب القائم على الدين، بدايتها أن تعرف أن المرء يمكن أن يكون مسلما وعلمانيا فى ذات الوقت، ولا تنتقص علمانيته من عقيدته كمسلم، كذلك يمكن أن يكون مسلما وليبراليا أو اشتراكيا، الإسلام عقيدة دينية شاملة، لكن الليبرالية والاشتراكية اتجاهات سياسية وانحيازات تستطيع أيضا أن تجدها فى مقاصد الإسلام.
أيضا لابد أن تتوقف عن استدعاء المظاهر الشاذة فى وصف الأشياء أو التحريض عليها، فليس معنى أن تتصدى لخلاف سياسى مع تيار إسلامى أن تستدعى مشاهد جلد النساء وفظاظة المعاملات، وليس معنى أن تتصدى لخلاف سياسى مع ليبراليين أن تستدعى مشاهد انحلال أو انفلات أخلاقى، فمصر ليست أفغانستان ولا الصومال ولن تكون، وكذلك ليست شاطئا ماجنا ولن تكون.
لكن خطورة هذا الاستقطاب الدينى الحاد الحقيقية متعلق بآمال مشاركة الأقباط فى الحياة العامة واندماجهم فى المجتمع، تعرف أن نظام مبارك استخدم أجهزة أمنه وفزاعاته الإعلامية لتخويف الأقباط وإدخالهم خلف أسوار الكنيسة ربما بترحيب من القيادة الكنسية ذاتها، واستخدامهم بين الحين والآخر فى دعم البقاء أو مخاطبة الخارج، لكن من أهم مكاسب ثورة يناير هى خروج الأقباط من أسوار الكنيسة إلى الميدان بكثافة وثقل ومشاركة حقيقية، وليس من مصلحة المستقبل أن يعودوا لأسوار الكنيسة مرة أخرى باعتبارها الملجأ الآمن لهم وليس الدولة الحديثة التى يتوحد حولها هدف التيار الرئيسى المصرى كله بمكوناته الأساسية من ليبراليين وإسلاميين ويسار.
لنكن مسلمين لله ونصارى للوطن.. أو نصارى لله ومسلمين بالوطن، لكن قدرة هذه المشروعات السياسية على بناء نموذج تعايش حديث وكفء دون إقصاء لأحد، قائم على العدالة والمساواة ومحاربة التمييز بأشكاله، فيه نصر للوطن وحماية لوحدته وتنوعه، وأيضا تحقيق لمقاصد الأديان..!
نقلاً عن الشروق
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com