من «الأكليشيهات» التي تم إعدادها وتعبئتها على عجل بعد ثورة يناير – على شاكلة أسطوانات المطربين - لتوزيعها في أوساط المصريين وتحقيق أكبر قدر من الانتشار ذلك المتعلق بدعوى هجرة الأقباط إلى الخارج إذا وصل التيار الإسلامي إلى الحكم، وهو «أكليشيه» يردده الكثيرون من علمانيين وليبراليين وأقباط
كان من بينهم ميلاد حنا في حوار مع «المصور» بعد الثورة مباشرة وقد تناولنا موقفه بالنقاش آنذاك. وكان آخر من ردد ذلك «الأكليشيه» نجيب ساويرس في حوار مع «الأخبار»، ونتوقع أن تزداد وتيرة توزيع هذا الأكليشيه مع تقدم التيار الإسلامي في الجولة الأولى من الانتخابات.
لسنا في موضع الدفاع أو الهجوم على هذا التيار أو ذاك ونحاول اتخاذ مسافة واحدة من مختلف التيارات، غير أننا نشير إلى أن تناول هذا «الأكليشيه» بالفحص يشير إلى تهافته وعدم صموده أمام النقاش الموضوعي ، فالمخاوف من الأحزاب الإسلامية، كما ذهبت منى ذو الفقار عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان تسود لدى قطاع كبير من المسلمين قبل المسيحيين، بغض النظر عما إذا كانت مخاوف وهمية من عدمه، فذلك ليس موضوعنا الآن، ما يعني في النهاية أن تخصيص المسيحيين بتبعات هذا الوضع على نحو يؤدي إلى هجرتهم أمر يفتقد للمنطق.
من ناحية ثانية فإن قراءة دقيقة في قضية هجرة المصريين، تشير إلى أنها تأتي بشكل كبير، سواء للدول العربية أم غيرها، بسبب السعي وراء الرزق أو «لقمة العيش» وأن الدافع الديني ليس أحد أسبابها. فضلا عن حقيقة أخرى تفرض نفسها وهي أن المصري مهما بعدت به المسافات يظل مرتبطا ببلده وحنين العودة إليها على نحو قد يكون توصيف سفره للخارج بمعنى الهجرة توصيف خاطئ. وبمفهوم المخالفة فإن المصري ليس له حظ أو نصيب مما للشوام مثلا وبشكل خاص اللبنانيين من قدرة على الهجرة بمعناها الحقيقي وهي الاستقرار في بلد المهجر والتجنس بجنسيته والاندماج فيه على نحو تتراجع معه مستويات اهتمامه بقضايا وطنه الأصلي. وأما بالنسبة لتسمية أقباط المهجر فهي تعكس الصفة وليس السبب في الهجرة ، وإن كانت تعكس في الوقت ذاته ذهنية الأقلية التي يتعامل بها من أطلق التسمية. وقد تكشف إحصاءات دقيقة، إن وجدت، أن عدد ونسبة «مسلمي المهجر»! من المصريين تتجاوز بكثير أقباط المهجر، ما يقوض في النهاية محاولة الإيحاء بوجود هجرة مصرية على خلفية دينية.
من ناحية ثالثة فإن محاولة استشراف موقف التيار الإسلامي حال توليه الحكم تشير إلى أن القائمين عليه قد لا يكونون من السذاجة التي يسمحون معها بما يمكن وصفه «التحقق الذاتي للنبوءة» الخاصة بهجرة الأقباط، بمعنى أنهم قد يكونون أشد الحرص على تقديم نموذج جيد للعلاقة مع الأقباط بما يقوض الاتهامات والمخاوف التي تنتاب البعض تجاههم.
من ناحية رابعة فإن الحديث عن مخاوف قبطية قد تتطور إلى الهجرة يقوم على افتراض غير صحيح وهو أن الأقباط «مستضعفون في الأرض» .. فالأقباط ذوو دور فاعل في الحياة المصرية يتجاوز محاولة البعض تصويرهم على أنهم مفعول بهم. وقد عززت عوامل عديدة منها تطور مفهوم المواطنة ووسائل الاتصال الحديثة وغيرها.. من تنامي فاعلية هذا الدور إلى الحد الذي يمكن معه القول أن بعض الأقباط انتقلوا في مواقفهم إلى حد المبادرة بـ«الفعل» لمستوى يجعل البعض يصف المواقف التي تأتي على خلفية كتلك بأنها ترتقي إلى مستوى التحرش، على غرار «مسيرات شبرا» والتي تؤسس لفعل يبدو منه أنه يعكس استعراض عضلات. هذا فضلا عما ألقت به ثورة يناير من تأثير في سلوك المصريين بشكل لم يعد معه هناك مصري، مسلم كان أم قبطي، يمشي جنب الحيط!
من ناحية أخيرة فإن الحديث عن هجرة الأقباط يمثل نوعا من الإساءة لهم بتصويرهم في صورة من يهرب من المواجهة، وهي ليست سمة من يشعر بالإنتماء الى وطنه.. فالاقباط ليسوا جبناء لكي يهربوا من معركة إذا ما فرضت عليهم، والوطن وطنهم كما هو وطن المسلمين أيضا. وقد يفسر ذلك دعوة البابا شنودة للأقباط لكي يكونوا «رجالة» عند الذهاب للانتخاب.
مؤدى ما سبق انه ليس هناك مخاوف حقيقية تخص الأقباط فيما يتعلق بالمستقبل في ظل تولي الإسلاميين الحكم، الأمر الذي يجعلنا نتصور أن دعوى هجرة الأقباط ليست سوى «فزاعة» سياسية تستخدم لترهيب الخصم وحصره في الزاوية بشكل قد تكون معه مثل هذه الدعوة سيفا مسلطا على رقبة هذا الخصم للحصول على تنازلات منه في إطار العراك السياسي ليس إلا..! وهو ما يكشف – للأسف – عن أن الورقة الدينية أو الطائفية هي الورقة الرابحة بامتياز في حياتنا السياسية، الأمر الذي أكدته نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات، الأمر الذي يعتبر تطورا سلبيا يجب تجاوزه إذا أردنا للوطن أن يعبر للمستقبل في أمن وأمان.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com