خطاب القوى المدنية بعيد عن الواقع الاجتماعي بينما تفاعلت التیارات الإسلامیة مع الجماهیر
التنافس بين البرامج السياسية أمر فى صالح تقدم أي بلد طالما هناك احترام للقواعد الأساسية
النظام الدیمقراطي هو الضمان لعملیة دمج الأخوان في المعادلة السیاسیة
انتقال الأخوان من مشروع یتحدث في الأفكار إلى حزب سیاسي یقدم حلولًا لمشكلات الواقع
إعادة تأسیس خطاب الأخوان المسلمین على أسس أكثر مدنیة ودیمقراطیة
كتبت: ميرفت عياد
اعتادت المجتمعات الديمقراطية أن تشهد جدلًا فكريًا وسياسيًا، يعتبره الكثيرون شرطًا لتقدمها، وكثيرًا ما تعرف هذه المجتمعات استقطابات وصراعًا بين فرقاء الساحة السياسية يعكس تباين في الرؤى والبرامج، يُنظر إليه باعتباره أمرًا مقبولًا وصحيًا، لأن التنافس بين البرامج السياسية أمر في صالح تقدم أي بلد، طالما بقى هناك توافق أو احترام للقواعد الأساسية، متمثلة في الدستور، والقانون الذي ينظم هذا التنافس أو الصراع.
هذا ما اكده الدكتور "عمرو الشوبكي" -رئيس منتدى البدائل العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية- في الدراسة التي أعدها تحت عنوان "مخاطر الاستقطاب بين التيارات المدنية والإسلامية.. هل يمكن صناعة التوافق؟" حيث تقع الدراسة في حوالي 15 صفحة، وتنقسم لثلاثة أجزاء هم؛ أين موقع الإسلاميين من الدولة المدنية؟، القوى المدنية بين التيارات الاحتجاجية والسياسية، نحو رؤى سياسية جديدة.
مبالغات الأجهزة الأمنیة وأخطاءالتیارات الإسلامیة
ويجيب الدكتور "عمرو الشوبكي" عن التساؤل: أین موقع الإسلامیین من الدولة المدنیة؟ قائلًا: ظلت الحركات الإسلامیة بمختلف تیاراتها خارج إطار المشاركة المباشرة في صیاغة المبادئ الأساسیة التي قامت علیها الدولة الوطنیة المصریة، فلم تكن هي التي أشعلت ثورة ١٩١٩، ولا هي التي قادت عملیة كتابة دستور ١٩٢٣، كما أنها لم تساهم في بناء النظام الجمهوري بعد ثورة یولیو، وظلت في العهد الملكي والجمهوري خارج القواعد القانونیة والدستوریة التي تأسس علیها كلا النظامین، ورغم أن الدولة المصریة لم تكن دیمقراطیة في كل المراحل، ولكن ظل الأخوان المسلمون ومعظم التیارات الإسلامیة خارج مبادئها لفترة طویلة، ترتاب فیهم أجهزة الدولة وخاصة الجیش والشرطة، ولا تعرف عنهم إلا صورة نمطیة سلبیة صنعتها مبالغات الأجهزة الأمنیة وأخطاءالتیارات الإسلامیة.
هموم المسیحیین وقلق العلمانیین
مؤكدًا على أن عملیة "التطبیع "هذه بین أي نظام دیمقراطي والتیارات الإسلامیة وخاصة الإخوان المسلمین لن تكون بالمسألة السهلة، لكن لا بدیل عنها لنجاح مشروع "الدمج الآمن" لمصر بعد ثورة ٢٥ ینایر، خاصة وأن تراث الأخوان السیاسي صنعوه في أغلب الفترات خارج النظام والدولة، وأحیانا متصارعین مع الحركة الوطنیة، وحان الوقت لأن یصبح النظام الدیمقراطي ضمانة لعملیة دمج الإخوان في المعادلة السیاسیة، وهو ما سیتطلب انتقال الأخوان
أو بالأحرى حزبهم "الحریة والعدالة" من مشروع یتحدث في الأفكار والشعارات الكبرى إلى حزب سیاسي یقدم برنامجًا یعالج به المشكلات التفصیلیة للواقع المعیش، ولدیه رؤیة اجتماعیة وتصور سیاسي ولیس فقط فكري أو عقائدي لإدارة العلاقة مع الغرب والولایات المتحدة، واتفاقات كامب دافید والسیاحة وهموم المسیحیین وهواجسهم، وقلق العلمانیین وتخوفهم، وغیرها من قضايا ،كل هذا لا یمكن التعامل معه بخطاب العمومیات، وبالإحالة إلى الإسلام هو الحل، وغیره من الشعارات.
دولة مدنیة ودیمقراطیة
مشيرًا إلى أن نجاح مصر في بناء نموذج سیاسي به مؤسسات دولة قویة من قضاء وجهاز أمن مهني ومستقل، من المؤكد سیلعب دورًا رئیسيًا في إعادة تأسیس خطاب الأخوان المسلمین على أسس أكثر مدنیة ودیمقراطیة، وهنا تأتي أهمیة وعي حزب الأخوان بالعصر الجدید وأنهم یتحركون في عصر رسخ من قیم الدیمقراطیة ومبادئها، وهوالأمر الذي لم یكن مطروحًا بنفس الدرجة في عصر التحرر الوطني والقومي في الستینیات، وصار أمامهم فرصة تاریخیة أن ینفتحوا على ما یعرف بـ"الأیدیولوجیات الناعمة" التي تعنى بمرونة بتفاصیل الواقع المعیش وفق رؤیة نسبیة، وتفرض فهما واقعیا للبیئة الدولیة ولتوازنات القو ى العالمیة.
التیارات المدنیة والإسلامیة
وفى نهاية الدراسة يضع الشوبكي ملاحظاته الختامیة التي يقرر فيها أنه من الصعب اعتبار الاستقطاب بین التیارات المدنیة والإسلامیة مشكلة تخص الواقع المصري فقط، إنما هي حالة متكررة في كثیر من البلاد العربیة والإسلامیة، وأن الفارق بینها هو في طریقة إدارة هذا الاستقطاب، فما بین نماذج نجاح مثل تركیا وأخرى للفشل مثل باكستان، تقف مصر في مفترق طریق، وأصبح أمامها فرصة تاریخیة لتقدیم نموذج آخرللنجاح إذا عبرت من معركة كتابة الدستور بالتوافق بین التیارات الإسلامیة والمدنیة، فذلك سیفتح الطریق أمام ظهور أشكال أخرى من التنافس السیاسي غیر مرتبطة بـ"حروب المرجعیات"، وستخفف من حده الاستقطاب بین التیارات المدنیة والإسلامیة.
الفوضى وغیاب الأمن
مضيفا أن قطاعًا واسعًا من المصریین، خاصة مع تزاید الفوضى وغیاب الأمن وانفلات خطاب بعض الثوار، تعاطف مع الأخوان والتیار الإسلامي باعتبارهم عنصر استقرار یحافظ على المؤسسات المهددة وما تبقي من الدولة المصریة، والحقیقة أن المصري المحافظ لم یجد في معظم القوى المدنیة خطابًا قریبًا من واقعه الثقافي والاجتماعي، في حین حافظت التیارات الإسلامیة على تفاعلها مع الجماهیر وبدت لغتها البسیطة والمحافظة قریبة من الجماهیر وعنصر جذب للكثیرین.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com