بقلم: مينا ملاك عازر
تجري السيارات في الشوارع، والمياه في الأنهار، والأطفال في الحدائق، والدموع في المآقي، والدماء في العروق، والثواني في الحياة، ولا يقدِّر قيمتها إلا الجهلاء الذين يضيِّعون عمرهم وهم محلهم يسيرون، ولا يعرف قيمة الوقت إلا من يريد الوصول للقمر، وفحص الكون، والغوص في أعماق جسم الإنسان وصحته، وثبر أغوار الطبيعة والكيمياء، وتحليل النفس البشرية، وأخذ العبر من التاريخ.. من الآخر لا يعرف قيمة الوقت إلا من يقدِّر العلم، ويتعمَّق فيه، أما من يبحث عن شهادة، فيكفيه شهادة التطعيم، والذي يأخذه من مقدري التعليم، وقد لا يأخذ شهادة التطعيم لأنها حرام، والتطعيم حرام، وكله مكتوب على الجبين، وإللي مكتوب على الجبين كان زمان لازم تشوفه العين، لكن دلوقتي إللي مكتوب على الجبين يغني عن المكتوب في الكتب.
ومن قاموا بالثورة المتعلمون تعليمًا حقيقيًا. من غُرِست فيهم التعليمات، ولم يعرفوا عن التعليم ما يكفيهم ليثوروا، الذين نجح تعليم "مبارك" أن يبقيهم قيد التعليمات، وقيد التحقيق، فلم يكن لهم أن يقوموا بثورة إلى أن بصَّرهم أصحاب التعليم الحقيقي بأن ما درسوه ما هو إلا تعليمات.
و"مصر" مقبلة على منعطف تاريخي، فقد اقتربت من أن تُحكم بواسطة من لا يقدِّرون العلم ولا العلماء، فقد كنا أيام "مبارك" نتعلم تعليمًا متخلفًا، ويتعلم أصحاب الطبقات العليا تعليمًا راقيًا، ولكن كانت شبكة النت مفتوحة لنعرف وننهل وننفتح على العالم، لكن بعد اليوم سنتعلم تعليمًا أكثر تخلفًا، ولن يكون هناك نت ولا وسائل إعلام تبصرنا بما آل إليه مصير العالم الخارجي، فلن نخرج إليه، ومن يحالفه حظه للخروج إليه لن يعود، ومن يعارض تعليم التعليمات الذي سيتعلمه أولادنا وأخواتنا، فسيكون من المعارضين والخارجين عن القانون، فهل سنرضى؟ أم تقوم ثورة؟ لنرى الدنيا بنور العلم ومن شباك أوسع، فهل سنكون خارج القرية الصغيرة؟ أم نندمج فيها؟ المصيبة أن الفقراء والجهلاء الذين لم يقدِّروا قيمة العلم ولا يعرفونه هم من يختاروا لنا مصيرنا بانتخابهم أولئك الظلاميين.
ويبقى الصراع بين التعليم والتعليمات قائمًا، صراعًا حضاريًا بين العقول المتنورة والعقول الظلامية، ولا أقصد أن كل متعلم واعي، هناك من الجهلة من هم أكثر وعيًا من الأطباء.. كل قصدي أن يكون التعليم تاركًا الفرصة لإعمال العقل، وليس حاشيًا للعقل، وهناك فرق بين أن تكون محشوًا وبين أن تكون مفكرًا كبيرًا، فالثورات يقوم بها المتمردون والمفكرون، ويرثها الأوغاد والمظلمون، لأن صندوق الانتخابات يعطي الأفضلية لمن معه المال وليس لمن معه العقل، في زمن لا يقدَّر فيه العلم وتُعلى فيه قيمة التعليمات.
ودلوقتي حضرتك تستطيع أن تعطيني التعليمات، بماذا أكتب المقال القادم؟ وعن أي شيء؟ فأنا في انتظار تعليمات سعادتك يا فندم، أشوفكم الأسبوع القادم في نفس العامود إن عشنا وكان لنا عمر.
المختصر المفيد، إياكم والتعليم، حذاري أن يقترب منه قادة العصور الوسطى، والعصور الجاهلية، وإلا لن نستطيع تحريكهم من فوق كراسيهم.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com