ÇáÃÞÈÇØ ãÊÍÏæä
طباعة الصفحة

هل من مسألة قِبطِيَّة في مصر؟ .. كتاب جديد يقدم تأصيلا تاريخيا لوجود الأقباط في مصر

| 2011-12-16 17:29:50

أصدر الدكتور عزمي بشارة مؤخّرًا دراسةً قيِّمَةً عنوانُها : "هل من مسألةٍ قِبطِيَّةٍ في مصر؟"، عالج فيها هذا الموضوع بمُنتهى الحصافة والهدوء، وكان مَسلَكُهُعلميًّا في البحث عن أجوبةٍ للسؤالِ الذي جعل منه عنوانًا لدراسته.

قدّم المؤلف تأصيلا تاريخيًّا لوجود الأقباط في مصر،علي اعتبار أنهم من سكّانها القدماء، وتدرّج في فهم أوضاعهم التاريخيّة إبَّانَ القرنين التاسع عشر والعشرين أثناءَ عهد حكم الأسرة العَلَوِيَّةِ، والمكانة الطّبيعيّة التي تمتّعوا بها -على وجه خاص- حتى العام 1952.

ونجح الدكتور بشارة في تحليل أبعاد وتطوُّرات المسألة القِبطِيَّةِ وفهم المشاكل التي رافقتها على عهود الرؤساء المصريّين الثلاثة : جمال عبد النّاصر وأنور السّادات وحسني مبارك.. ثمّ خلُص إلى أبعاد " المسألةِ " بكلّ ما حفِلت به من مشكلات اليوم.

تمتعت الدّراسة بالروحُ الحِياديَّةُ والنّزعةُ الموضوعِيَّةُ في معالجة المسألة، فضلًا عن " الرؤية " التي استخلصها المؤلّف من قراءته لأوضاع الأقباط في بنية المجتمع المصريّ الحديث، لنفهم كيف سارت التحوّلات في خِضَمِّ الأحداث وتداعياتها، أو كيف انتقل الشّعورُ من حالة التّعايش السّلميّ الّتي بُنِيَ عليها المجتمعُ المصريُّ منذ عهد الوالي محمد علي باشا وما تلاه من عهود أبنائه وأحفاده، إلى حالة التّنافر والصّراع الدّاخليّ الذي وجد انطلاقته مع ثورة 23 يوليو 1952 وحتى يومنا هذا.

أرجع الدكتور عزمي بشارة أزمة الأقباط إلي الشّعور بالتهميش واللّامبالاة ولعلّ أهمّ نقطة شخّصها المؤلّف عن مصر - إنّ تحوّل الدّولة إلى تبنّي مواقف دينيّة، وتشجيع تديُّنٍ إسلاميٍّ معيَّنٍ ضدّ التَّديُّنِ السّياسيّ، أنتج ظاهرةً مُرافِقَةً هي: شعورُ الأقباط بأنّهم غرباء عن هذه اللُّعبة، في حين أنّهم ليسوا ضيوفًا بل هم مصريّون أصليّون. إشكاليّات المسألة وركائزها

جاءت " الدّراسة " على خلفيّة تقريرٍ أعدّه المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السّياسات، طُرح فيه تساؤل : هل من مِلَفٍّ قِبطِيٍّ مفتوحٍ في مصر ينتظر المعالجة؟ ثمّةَ دوافع حركّت إعداد هذا المِلف، خصوصًا احتجاجات الأقباط منذ منتصف العام 2010، إثرَ تفجير كنيسة القدّيسين في الإسكندريّة. وقد أرجئ نشرُ تقرير المركز بسبب اندلاع الثّورة المصريّة في 25 يناير2011، والتي تلاحم فيها الشّعب المصريّ مسلمين وأقباطًا ضدّ نظام الحكم.

وضع المؤلّف مفاتيح الحلّ منذ بداية مشروعه الذي عالجه تاريخيًّا وسياسيًّا بمنتهى الذّكاء والحكمةوحدد هذه المفاتيح في عدة نقاط:

1. الصراع وجميع عناصر الفتنة التي تنشأ من حين إلى آخر هي أهليّة أساسًا؛ حيث يتحوّل أيّ نزاع فرديّ إلى خلاف وصراع جمعيّ، كما يدّل على ذلك من أحداث عديدة. وينبّه المؤلّف إلى أنّ "الفتنة الطائفيّة هي أقصرُ الطّرق لإجهاض ثورة 25 يناير" وهذا ما استخدمته قُوى الثّورة المضادّة وقيادات أمن الدّولة سابقًا.

2. الإرادةُ القِبطِيَّةُ وطنيّة مشروعة، كونها تطالب بأن يكون القبطيّ "مواطن درجة أولى" وهذا حقٌّ مشروعٌ بعد ثلاثة عهود سياسيّة عانى فيها الأقباط جميعُهم من التّهميش والإقصاء.

3. دور الإعلام القبطيّ والقنوات الفضائيّة المسيحيّة في إذكاء الغضب المسيحيّ وهذا ما لم نشهده سابقًا. وقد ساعد ذلك الإعلام في دفع الآلاف من الأقباط إلى المشاركة في التّظاهرات والاحتجاجات.

4. تبلوَر تيَّارٌ شبابيٌّ ثوريٌّ لرفض الفتنة الطائفيّة وأحداث العنف، أعلن عن وجوده بقوّة في الثّورة، وهو تيّارٌ مركزيٌّ في المجتمع المصريّ.

اعتبر المؤلف أن سنة 1952 حدًّا فاصلًا بين زمنين في الذّاكرةِ القِبطِيَّةِ، فيما جرى لهم على عهود كلٍّ من الرّؤساء الثلاثة : عبد النّاصر والسّادات ومبارك. لقد نُسف كلّ البناء التاريخيّ الّذي استمرّ منذ بداية القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين، وذَوَت الحقوقُ الجمعيَّةُ، وتعرّضت أوضاع الأقباط للتناقضات، وسُحقت آمالُهم، وضُربت مصالحُ النُخبَة الاقتصاديّة القِبطِيَّة العليا في الصّميم. وكانوا أمام مُتغيِّرَينِ اثنينِ: اندفاع المدّ القوميّ وثورة عبد النّاصر العارمة بعد العام 1956، ثمّ طُغيان المدّ الإسلاميّ الذي اندفع بشكل سريع جدًّا بعد العام 1979. لقد انسحب الأقباط من الحياة السياسيّة بعد شعورهم بالإقصاء وغياب الديمقراطيّة، إثرَ ثورة الضّبّاط الأحرار عام 1952، وإلغاء عبد النّاصر للأحزاب السياسيّة واستثنائه الإخوان المسلمين من ذلك. لقد وجد المجتمع المصريّ نفسه أمام قرارات خطيرة، بجعل مادّة الدّين أساسيّة في المدارس، وتأسيس جامعة في الأزهر، وجعل الأزهر أداة طيّعة بيد الحكومة، وإنشاء دار القرآن، إلى غير ذلك من السياسات التي بقيت مستمرّة بكلّ فاعليّة أو أكثر، على عهدَي السّادات ومبارك لاحقًا.

رأي الكاتب أنه بعد عام 1980، ازدادت الهُوَّةُ بين الأقباط والدّولة إثرَ التّشدّد في الخطاب الدينيّ وإقحام الدّين في الدّستور، والاعتماد على الشّريعة الإسلاميّة مصدرًا للتّشريع، واشتراطات الدّولة لبناء الكنائس أو حتّى ترميمها، واستُبعد الأقباط من التّرشيحات، وربّما وَجد بعضُهم مُتَنَفَّسًا على عهد مبارك، مُقارنةً بما كانوا عليه على عهد السّادات، إذ تبلور انفتاحٌ بسيطٌ من الدّولة مع عدم إلغاء أيٍّ من ممارسات عهد السّادات، ولمّا زال نظام مبارك مؤخَّرًا، كان اثنان من الأقباط وزيرين في الدّولة. ويمنحنا المؤلّف فرصة للمقارنة في عدد نوّاب الأقباط في البرلمان المصريّ لما قبل ثورة يوليو 1952 وما بعدها بجداول مهمة جدًّا.

 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع

جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com