بقلم: نادر فوزي
سقوط العشرات قتلى والمئات مصابين كل أسبوع في ميدان التحرير، من شباب الثورة، ليست مصادفة أو من قبيل سوء الإدارة من المجلس العسكري، ودائمًا تتجه أصابع الاتهام إلى قوى خفية تلعب من وراء الستار.. ويذهب الجميع إلى الظن والتخمين من هي هذه القوة الخفية. فتارة تتجه أصابع الاتهام إلى إسرائيل، وتارة تتجه إلى أمريكا، ولكن الحقيقة بعيدة كل البعد عن هذا الأمر .
لكي نصل إلى الفاعل الأصلي في تلك الأحداث، لابد أن نرى من هو المستفيد من هذه الأمور، وبدرجة الاستفادة يكون الضلوع في المؤامرة، ولست أظن أن الشعب المصري بالسذاجة التي تجعله كالأعمى، لا يرى تلك الأمور، ولكن الإعلام المصري هو الذي يضلل الشعب، ويجعله يذهب بعيدًا عن الحقيقة.. ودعونا نرى من هو وراء الستار .
اللاعب الأصلي هنا هو شباب الثوار، الذين ضحوا بكل غالٍ ورخيص في سبيل إنجاح الثورة المصرية، وحاولوا أن يكونوا حراس عليها، ولكن للأسف سرقت منهم مبكرًا، وقبل أن يفيقوا من نشوة الانتصار بذهاب مبارك وحاشيته كانت الاحداث اسرع منهم .. فلقد سرقت الثوره منهم فى 19 مارس المشئوم، عندما قام المجلس العسكري المدلس باستفتاء مريب كانت من نتيجته سرقة الثورة تمامًا.. وعندما فاق الثوار وحاولوا إعادة الثورة إلى مسارها الصحيح، كان الوقت قد مضى.. وبدأت حملات التشويه المنظم من الإعلام ضد الثوار، تارة بتهمة تعطيل التقدم الاقتصادي أو السبب في انهيار البورصة، أو أنهم مجموعة من البلطجية.. وتم تشويه الثوار وحرقهم أدبيًا، وبعد أن كان ميدان التحرير مفخرة لمصر، أصبح رمز للفوضى، وحاولوا إقامة العباسية مكانه، وخسر الثوار، ولسنا نظن أنهم المستفيدين، بل أكثر الخاسرين، وخصوصًا أنهم الوحيدون الذين يدفعون الثمن من أرواحهم ودمائهم .
اللاعب الثاني هنا هو المجلس العسكري، الذي وجد نفسه في السلطة محاطًا بحب الشعب منذ اللحظة الأولى, هذا المجلس الذي وقف ضد مبارك، ليس لمصلحة الشعب ولكن لمصلحته هو.. فالجميع يعلم أن الجيش كان يرفض التوريث، والجميع يعلم أن الجيش كان سيتحرك في يونيو عندما يرشح "جمال مبارك" نفسه لرئاسة الجمهورية.. وعندما وجد الجيش سقوط نظام مبارك وتوليه السلطة بدون عناء أو مجهود، كانت المفاجأة أسرع من حساباتهم.. فحاولوا التحالف الغير المعلن مع أشد أعداء مبارك، وفعلًا بدأوا في تنفيذ أجندة أعداء مبارك، وكان أولها اختيار لجنة مشبوهة لتعديل مواد دستورية، وإجراء استفتاء عليها، ولم يعلموا الفخ الذي وقعوا فيه إلا متأخرًا.. حاولوا إصلاح الخطأ، ولكن فات الأوان، فحاولوا عمل مواد فوق دستورية وفشلوا، ثم حاولوا عمل وثيقة تحفظ لهم حقوقهم وفشلوا، وبدء المخطط للإطاحة بهم أيضًا وحرقهم أيضًا أمام الشعب المصري.. فأظهروهم بمظهر الضعيف أمام الشعب وأسقطوا هيبة الدولة، بالبلطجية تارة وبالوقيعة بينهم وبين الثوار تارة، ولا أذهب بعيدًا عندما أقول أن هناك عناصر من الجيش تعمل ضد المجلس العسكري، وتورطه في أحداث عنف هو في غنى عنها، وسقطت هيبة المجلس العسكري، وتحول حب الشعب لهم إلى كره، جعلهم ذيول لنظام مبارك. ولا نظن أنهم من المستفيدين، فهم ثاني الخاسرين بعد الثوار .
اللاعب الثالث هو الأحزاب الليبرالية والائتلافات المختلفة، الذين حاولوا أن يكون لهم دور في الأحداث، ولكن صراع الفيلة كان اقوى منهم، فلم يجدوا بدًا سوى الانزواء والهرب من أن تدوس الأفيال عليهم، واكتفوا بتصريحات ساذجة، وعندما يحاول بعضهم أن ينتفض، ويكون له دور مثل ساويرس، سرعان ما تقوم عليه حرب شعواء، تجعله يصمت مرة أخرى .
اللاعب الرابع هو ما يسمى بالفلول، وهي فزاعة اخترعها الإعلام لتغطية الدور المشبوه الذي يلعبه غيرهم، ولو كان للفلول قوة لنجحوا في الحصول على مقعد بمجلس الشعب التعيس، ولو كان لهم هذه القوة التى يتحدث عنها الإعلام لأعادوا مبارك مرة أخرى للحكم .
اللاعب الخامس هو السلفيين، الذى دعمهم مبارك ليكونوا خط الدفاع الأول ضد الأخوان، وأقام لهم مراكز تدريب فى كفر الدوار وغيرها، وكانوا تحت الإشراف المباشر لأمن الدولة.. وبمجرد سقوط مبارك بدأوا فى الظهور العلنى بعد أحداث كنيسة أطفيح، ولقد تم استغلال سذاجتهم وحداثتهم فى لعبة السياسة أشد استغلال، فأصبحوا الفزاعة للأقباط والليبراليين، حتى أن الأقباط أعطوا أصواتهم لمرشح الأخوان نكاية في مرشح السلفيين فى الإسكندرية، وعندما سقط المهندس "عبد المنعم الشحات" فرح الأقباط ولم ينتبهوا أن من كسب كان الأخوان، وأظن أن السلفيين يكسبون مما يحدث بنسبة ضئيلة مقارنة بغيرهم .
الأخوان المسلمون.. الرابح الوحيد مما يحدث من فوضى ودمار في مصر.. الأخوان تحالفوا منذ اللحظة الأولى مع المجلس العسكري، وكان المجلس العسكري يهدف لضمان سلامة الشارع المصري، واستغل الأخوان هذا الخوف فتم تشكيل لجنة الدستور من المستشار البشري وعضوية صبحي صالح وغيرهم.. ثم دفعوا المجلس العسكري إلى استفتاء مشبوه، كانوا الوحيدين الرابحين منه.. ثم حصلوا على ترخيص حزب "الحرية والعدالة" بالمخالفة لقانون الأحزاب، الذي يمنع الأحزاب على خلفية دينية. وفى أقل من شهر كان لديهم ما يزيد عن مائة مقر للحزب الجديد، بالإضافة إلى مقر الأخوان في المقطم، وذلك بعد أن دعمتهم قطر؛ تلك الإمارة الصغيرة التى تعتبر بؤرة تصدير المشاكل لكل البلدان العربية، ولقد صرح العديدون أن قطر دعمت الأخوان بأكثر من مائة مليون دولار دفعة واحدة، غير الدفعات الأخرى، ولم يستطيع الأخوان أن يكذبوا تلك التصريحات. ولنرى كيف استفاد الأخوان مما يحدث الآن.
شباب ثوار مصر من المعروف أنهم ضد الأخوان أيدولوجيا، ولقد هاجموا الأخوان من قبل بل طردوهم من الميدان، وكانت لعبة الأخوان حرقهم وتشويههم أمام الرأى العام، بافتعال أزمات بينهم وبين الشرطة، ثم بينهم وبين الجيش، مما أرهق الثوار، وأوقع بين صفوفهم العديد من القتلى والمصابين، واعتقال أكثر من أحد عشر ألفًا، منذ قيام الثورة وحتى الآن.. ورفض الأخوان الوقوف مع الثوار في أحداث نوفمبر، كما أن الإعلام الممول من الأخوان أظهر الثوار كمجموعة من البلطجية الذين يفرضوا رأيهم على الشعب... وكلما حاول الثوار التمسك بمدنية الدولة أظهر الأخوان نتيجة استفتاء مارس، وكأنه حصانة دبلوماسية لهم .
المجلس العسكري الذي تحالف معهم أولًا فخسر كل شئ، أخيرًا حاول تصحيح الخطأ، فأصدر بيانات عن مدنية الدولة خط أحمر على لسان رئيس الأركان، فلم يلتفتوا له، فحاول إصدار مبادئ فوق الدستورية فرفض الأخوان وتمسكوا بالاستفتاء.. فحاول إصدار وثيقه السلمي ومن قبله يحيي الجمل، فخرج الاثنين من الوزارة، وسقطت الوثائق تحت أقدام الأخوان... وكلما تقدمت الدولة في شئ أوقع الأخوان المجلس العسكري في مشاكل مع الثوار أو عن طريق البلطجية.. هؤلاء البلطجية هي جماعات منظمة من الأخوان المسلمين، الذين اختفوا في الانتخابات لتقدم الأخوان فيها، ولو خسروا الأخوان ستجدوا البلطجية يعودوا من جديد لإفساد الانتخابات، وهم الذين ضربوا حركة ستة أبريل في العباسية، وكأن البلطجية الآن يحمون الجيش، وهم الذين أوقعوا بين الشرطة والثوار، والجيش والثوار .
والآن وبعد أن صدرت بعض البيانات من المجلس العسكرى بأن البرلمان لن يشكل حكومة، وبأن المجلس العسكرى سيختار لجنة المئة لتشكيل الدستور، كان لابد من الإطاحة بالمجلس العسكرى، فوقعت أحداث "محمد محمود"، ثم أحداث أول أمس أمام مبنى مجلس الوزراء، لإنهاء آخر ما تبقى لمصداقية المجلس العسكرى، ولقتله سياسيًا وشعبيًا، حتى لا يستطيع مقاومة الأخوان فى زحفهم إلى السلطة فى مصر، عن طريق تزوير انتخابات مجلس الشعب، وشراء الذمم، والضحك على عقول البسطاء ببطانية وكيلو لحمة، وعندما تتنتهى الانتخابات سينتهى معها المجلس العسكرى، وأظن أن ستنتهى معها لعبة الديموقراطية.. وسنجد الأخوان مدعومين من الشيخة "موزه" في سدة الحكم فى مصر، على أمل قيام ثورة شعبية جديدة للإطاحة بهم .
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com