ÇáÃÞÈÇØ ãÊÍÏæä
طباعة الصفحة

ديمقراطية الذئاب!

منير بشاي | 2011-12-20 11:05:46
بقلم: منير بشاى 
بات مؤكدا أن التيار الاسلامى فى مصر فى طريقه ان يحصل على غالبية مقاعد البرلمان فى انتخابات مجلس الشعب.  وقد سبب هذا مشاعر القلق لدى كثير من المصريين من الليبراليين وغير المسلمين. وتم استدعاء تصريحات قديمة كان قد أدلى بها قادة هذا التيار وتختص بالحكم بالشريعة كما يرونها مثل نطبيق الحدود والعبث بالأثار والقضاء على السياحة والتضييق على غير المسلمين وتحريم الفنون والمسرح والموسيقى.. وغيره.
وفى وجه هذه المخاوف سمعنا هذه العبارة تتردد كثيرا من التيار المتأسلم:" أليست هذه هى الديمقراطية التى تنادون بها؟ فما بالكم ترفضونها الآن اذا عملت لغير صالحكم؟".
طبعا هذا يدل عن جهل بالمعنى الحقيقى للديمقراطية، فالديمقراطية أكبر من مجرد صندوق الانتخابات. وحقيقة أن هناك فصيل من المواطنين يملك غالبية الأصوات الانتخابية لا يعطيهم الحق فى التصرف فى مقدرات المجتمع كله كما يشاؤن.
ولتوضيح هذا المفهوم  قرأت مؤخرا اقتباس يشرح هذه الاشكالية ويقول باللغة الانجليزية:
 
“Democracy must be something more than two wolves and a sheep voting on what to have for dinner.” James Bovard (1994)
وترجمتها باللغة العربية: "الديمقراطية هى شىء أكبر من ذئبين وحمل يقترعون على من يأكلون فى وجبة الغذاء"
هذا المثل الصغير يؤكد أن ما نظنه الديمقراطية فى مجال الانتخابات هى فى الواقع ديمقراطية ذئاب وتعمل بمنطق الذئاب.
الديمقراطية هى اصطلاح حديث فى الحكم يؤكد حق الشعب فى اتخاذ القرارات التى يريدها، فى اطار الصالح العام،والقوانين الوضعية والمواثيق الدولية، ويضمن عدم قيام فرد بفرض ارادته ضد اجماع الشعب.

 
والآلية التى تستخدمها الديمقراطية فى ترجيح القرارات هى الآنتخابات. والانتخابات تقرر قبول القرار أو رفضه طبقا لرأى الغالبية. ونسبة الغالبية يمكن أن تكون بسيطة بحيث تتعدى الخمسي فى المائة، ولكن فى القضايا الحيوية والهامة عادة يشترط موافقة نسبة أعلى من مجرد النصف فتصبح مثلا الثلثين.
ولكن فى جميع الاحوال عندما تحصل الغالبية على ما تريد فان هذا معناه ان هناك أقلية ستفقد شيئا مما تريد. وهذا مقبول فى التعامل مع القضايا البسيطة حيث انه لا يمكن ارضاء الجميع فى كل شىء.  ولكن لحماية الأقلية من بطش الغالبية فى القضايا الحساسة، وضمان عدم فرض قرارات مجحفة عليهم، فانه لابد من وجود مجموعة من الشروط فى المجتمع وهى تكون المفهوم العام والاوسع للديمقراطية قبل استئمانهم على جزء من الديمقراطية وهو صندوق الانتخابات.  ومن هذه وجود دستور واضح وقوى يضمن الحقوق الانسانية للجميع ولا يسمح بتمرير قوانين ظالمة حتى ولو وافقت عليها الغالبية.  ولذلك كان لا بد للناس ان يفهموا ان الديمقراطية نظام كامل وليس مجرد صندوق الانتخاب. والمجتمع عليه ان يقبل النظام كله أو يرفضه كله، ولكنه لا يجب أن يقبل ما يستحسنه ويرفض ما عدا ذلك.

 
ان مصر مثل الكثير من الدول العربية حديثة العهد بالديمقراطية الصحيحة. وغالبيتها تحمل شكل الأنظمة الديمقراطية ولكن منطق ديمقراطية الذئاب التى يظهر تناقضها مع الديمقراطية الحقيقية . فالديمقراطية تصبح ديمقراطية ذئاب فى مثل هذه الحالات:
 
١- عندما تكون نتيجة الانتخاب محسومة مقدما لصالح الذئاب 
فى حالة الذئبين والحمل الذين سيقترعان واضح مقدما أن نتيجة الانتخاب ستكون لصالح الذئبين لأن العدد والقوة والعنف فى صالح الذئاب. وعلى نطاق المجتمعات اذا كان هناك فصيل من الناس يتصرف مثل الذئاب التى تملك القوة العددية والقوة الطبيعية والعنف والذي يكن العداء ضد الحمل الوديع الضعيف والقليل العدد فان نتيجة الاقتراع ستكون محسومة ومؤكدة لصالح هذا الفصيل الشرير. 
 
٢- عندما تكون عاقبة الانتخاب ظلم مؤكد  ضد الحملان
 ما قيمة الانتخاب اذا كانت نتيجتها عنصرية وهى ظلم الأقلية المختلفة ومعاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانية. الانتخابات تعمل لتضمن الحقوق وليس لتفقد بها الحقوق. ولذلك ولضمان عدم ظلم الأقليات فانه يجب ان يكون هناك دستور قوى يحمى الأقليات من ظلم الغالبية حتى ولو قرر صندوق الانتخابات عكس هذا. كما أنه يجب أن يكون هناك قضاء نزيه غير متحيز يلجأ له المواطنين ليطعنوا فى قرارات صندوق الانتخابات اذا كانت ظالمة. كما يجب ان يكون هناك شعب واعى مدرب على الديمقراطية ولديه تقدير لمسئولية التصويت الانتخابى.
 
 
۳- عندما يكون موضوع الانتخاب غير مشروع وغير دستورى وغير انسانى 
القضايا التى تعرض على التصويت يجب أن تكون مشروعة.  ففى حالة الذئبين والحمل فانه من الواضح أن عملية التصويت هى على قضية غير مشروعة لأنها ستنتهى حتما بالقضاء على الحمل، حين يصبح وجبة غداء للذئبين.  ولا يجب ان يقال ما المانع من ذلك اذا كان هذا قرار الغالبية؟  قرار الغالبية لا يصبح مقبولا اذا أضر بالحقوق الانسانية لعدد من المواطنين مهما كان قليلا.  أمثلة لذلك لو قررت الغالبية فى مصر أن تقترع على قانون بطرد أقلية مثل الأقباط أو القرائنيين أو الشيعة من البلاد أو بهدم الكنائس أو يفرض ضرائب خاصة اضافية عليهم دون بقية المواطنين فان هذا سوف يصطدم مع مبدأ المواطنة والمساواة الكاملة بين المواطنين فى الحقوق والواجبات وبذلك يجب اعتباره غير دستورى ويتم رفضه حتى لو كان يحظى بموافقة الغالبية.
 
الشىء المهم الذى يجب ان نتذكره دائما أن الذئاب لا يهمها الديمقراطية. ولكنها لأغراض الدعاية المظهرية لا تمانع من ان تتكلم عن الديمقراطية، وتسمع الناس يتكلمون عن الديمقراطية، وقد تدعى انها لا تعادى الديمقراطية، بل أكثر من ذلك قد تعلن انها تؤيد الديمقراطية. وهذا كله بشرط واحد، وهو ان تضمن نتيجة تطبيق الديمقراطية لصالحها، وهى أن تتمكن من أكل الحملان.  شىء آخر يجب ان نتذكره أن السيد المسيح قال بوضوح "ها أنا أرسلكم كحملان فى وسط ذئاب"  مت 16:10.  للأسف هذه طبيعة الغابة التى نعيش فيها.
 
Mounir.bishay@sbcglobal.net
 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع

جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com