بقلم: عـادل عطيـة
في البدء كان الغزو، وكان الاضطهاد، وكان السيف، وكان الدم!
موجات الأصوليات التكفيرية الإلغائية المتخذة من النموذج الإسرائيلي راية، لا تزال تتدافع بضجيج الاتهامات الباطلة؛ لتمارس الأرهاب، الذي يغتال رجل دين، ويغتصب جارة، ويهجّر سكاناً أصليين،...
نسمع صراخهم، المدوّي بقوة وعنف: كفار، صليبيون، عملاء وخونة،...
لم يقرأوا في سورة آل عمران، أن القرآن، يشهد لنا بأن الله جاعل الذين اتبعوا عيسى فوق الذين كفروا، ليس حتى الأمس، أو اليوم، أو الغد ، بل إلى يوم القيامة!
لم يقرأوا أن العرب الأوائل، ما كانوا يعرفون كلمة صليبيين ولكن كلمة فرنجة، ومسيحيو هذه البلاد عندهم هم نصارى. وفي جهلهم، يحمّلوننا، بالظلم، أثمان أخطاء الغرب، وخطاياه. دامجين بين قومية المسيحيين وديانتهم، ومرادفين بين المسيحية والصليبية، حتى أصبح ذلك خالداً في عقل أهل القاعدة، مع أن زعيمها، ايمن الظواري، الذي جايل الأقباط في مصر، يعلم أننا لسنا ممن يحملون السيف، ووطنيون، وولائيون إلى المدى، ولم نكن في يوم من الأيام أحصنة طروادة لأحد!
لم يقرأوا اننا مشرقيون حتى العظم، ولا يمكن أن تلتقي مصالحنا مع الغرب الخبيث، الذي يعشق النفط ومشتقاته، أكثر من إيمانه بالمسيحية، ومبادؤها، بل ويعامل قضية حضورنا المسيحي في شرقنا، بمكيال المتجاهل المتواطيء، وكأننا همّ زائد لا يريده!
انقلبت الأعمدة، على حد تعبير داود النبي، في مزاميره الحزينة!
أتت أزمنة الشك، والأرتداد، والخوف على العمر!
رياح الخوف العاصفة، دفعتنا إلى الوراء.. إلى التراجع.. إلى الهروب.. إلى الهجرة. حتى أصبحنا جاليات في أوطاننا، وفي طريقنا لنكون آخر الأقباط، آخر مسيحي الشرق!
ألم تعد لدينا القدرة على التمسك بشجاعة اجدادنا، ومقاومتهم الخوف، والنصرة عليه؟!..
ألم نعد نؤمن بأنفسنا، ولا بتاريخنا، ولا بدورنا ، متنازلين سلفاً عن هويتنا، وآفاق وجودنا المسيحي، متجاهلين أن الذي فينا أعظم من الذي في العالم؟!..
اغمض العين. تذكّر تلك الأسماء والوجوه الناجية من تاريخ المذابح، تكتشف سر الأقباط، وروعتهم، وأنت واحد منهم.
تذكّر، نحميا، بطل العائدين من السبي، حينما أشاروا عليه بالهروب، قال لهم: "أرجل مثلي يهرب؟!"..
تذكّر، أنه بضيقات كثيرة ينبغي أن ندخل ملكوت الله، وان الرب لا يقف بعيداً، ولا يختفي في أزمنة الضيق.
إذا كنا مسيحيين فنحن نؤمن أن الله تجسّد، وبشّر، وقُبر، وقام من بين الأموات، على أرض مشرقية، ونؤمن أنه سيعود ليدين الأحياء والأموات، وحين يعود، سيعود إليها حيث المشرق.
فهل يمكن ألا نكون، كمسيحيين من الشرق، في انتظاره؟!
قالها وليم شكسبير ذات مرة: "اننا نعلم ما نحن عليه، ولكننا لا نعلم ما يمكن أن نكون عليه".
ما سنكونه يبدأ من الآن..
أن نؤمن، بالذي قال: "اني أنا حي فأنتم ستحيون"، ونتفق مع بعضنا البعض، ومعه، ونناضل بهذا الإيمان الذي لا يُخزى؛ كي نبقى، ونستمر، فالهجرة مقتلنا، والأرض عزتنا.
أنه التحدي، والقرار.
أن نظل على أرضنا، ملح للشرق، وسكّره، ونوره، وخميره، ونهضته !
عارفين: أن القرار لا يُقاس بما نٌسرّ أن نعمله، بل يُقاس بما نعمله عندما لا تكون لنا الرغبة في عمله!...
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com