حين يرفض الرجل العربي، التنازل عن أي حرية للمرأة، ويدين كل تغيير أو تحديث على بنية العلاقات الأسرية التقليدية، فهو لا يريد أن يفقد مواقعه التقليدية، بوصفه مالك الرأسمال الجنسي ملكية رمزية/خيالية/واقعية، فالأب/الزوج/الأخ لا يمثّل للمرأة (الأخت/الزوجة/البنت) أي رابطة إنسانية عميقة إلا هذا المتملّك/المتحكّم/الموزع في دورة الاقتصاد السياسي للذة الجنسية، دورة لاشعورية قديمة وبدائية جدا، تتمحور حول رمزية الفحولة، فالفحولة هي المركزية القضيبية le phallocentrisme في شكلها الأكثر كثافة وهوسا وتأصلا في بناء شخصية الرجل العربي، المركزية الأكثر فعالية في تحديد كل بناه القبَلية وفي توزيع استراتجيات السلطة/القوة داخل فضاءه البيوسلطوي، ويدور معظم التاريخ العربي ومعظم سردياته الكبرى حول رمزيات الفحولة، ومعادلات موضوعية للفحل/الرجل/البطل/الزعيم/المخلص/الديكتاتور... الخ.
وإذا كانت الفحولة هي السطح المحدب في سلّم القيم داخل الثقافة العربية؛ فإن عفة المرأة تمثل الجانب المقعّر من هذا الاحدوداب، ففي قمة الهرم الأخلاقي لقيم الرجولة تنتصب قيمة الشرف ليس بوصفه فضيلة فروسية للنبلاء، بل شرف النقاء الجنسي والسمعة العائلية التي تقاس بمدى التحكم في كل شاردة وواردة جنسية داخل الاقتصاد السياسي لتوزيع اللذة الجنسية، وفي قمة قيم الأنوثة والشرف الأنثوي تنتصب قيمة العفة ليست بمعنى التبتل المسيحي، ولا شرف المرأة الحرة سيدة جسدها ورغباتها، لكن العفة هنا تأخذ تصعيدا وكبتا عنيفا، واستبطانا مخيفا للعنف، وامتثالا لكسب رضا المجتمع، وسمعة لها مقابلها المادي في التوزيع النمطي للذة داخل مؤسسة الزواج، ثم تأتي كل القيم الأخلاقية/الجمالية الأخرى متناسلة عن هذه السلطة القضيبية.
أما ما حدث إثر صدمة الحداثة التي مُني بها العرب منذ حملة نابوليون على مصر (فحولة الآخر) فهو أن المرأة بدأت تكتسح الفضاء العمومي وتنافس الرجل، في بعض وظائفه الذكورية، وهو ما شكل جرحا نرجسيا، وطعنة قاتلة لفحولته، وهي النرجسية الجريحة التي تفسّر هذه العودة السلفية والظلامية العنيفة ضدّ خروج المرأة إلى الفضاء العمومي، أو عمل المرأة، أو تبرج المرأة وإظهار مفاتن الجسد الأنثوي في المجال العام، يمكننا أن نفسّر ذلك التمترس المنافق خلف مقولات "الحشمة" والحياء العام، بكونه آلية دفاع عن الفحولة المطعونة في نرجسيتها، إن عودة السلفية هي انتقام الفحولة لنرجسيتها، وتضخيم عصابي للذات الذكورية الجريحة، أكثر منه رؤية للعالم تبحث عن مشروعيتها في الوقائع المتغيرة للحياة.
ولهذا لا يجب أن ينتظر المجتمع الكثير من الرجل، وعلى القوى الحية في المجتمع أن تراهن على المرأة في تحرير المجتمع من المطلقات التي تصادره، المرأة العربية هي الكائن المعني بالحرية أكثر من أي كائن آخر في هذه المرحلة المتناقضة من تاريخ الإنسانية، ولهذا على الوعي أن يقنعها بحريتها لأن الإقناع بالحرية أسهل من الإقناع بالعبودية. قبل أن أختم مقالتي، أريد أن أطرح أسئلة فلسفية حول مصير الفحولة والمركزية القضيبية في عصر البورنوغرافيا، في عصر الصيرورات اللامتناهية للرغبة الموازية، وجنسانية السيميلاكر؟ عن مصير الجنسانية النمطية في عصر المتعدد/المتخيّل/الإفتراضي.
نقلا عن الحوار المتمدن
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com