بقلم: نبيل المقدس
كعادتنا أنا وهو .. إيوه هو .. نخرج سوي نحتفل بيوم عيد الميلاد .. نتمشي في الشوارع التي تضيئها اضواء الزينات وتزينها اشجار الميلاد .. كان إبني يهوي محلات الموسيقي .. مثل والدته التي كانت تعمل عازفة ماهرة في إحدي الفرق الموسيقية الرسمية .. اخذ منها هذه الوزنة الجميلة حتي أصبح من ضمن كورال كنيسته .. ذهبت والدته عنا منذ 8 سنوات بعد مرض لم يبقي سوي 4 أيام لكنه قضي عليها وقضي علينا جميعنا .. وقتها كان عمر صديقي 4 سنوات .. نعم إتخذته صديقا لي .. لم اشعر مرة أنه إبن .. فقد كانت تتعامل زوجتي معه كصديق منذ اول يوم ولادته .. حتي في ملبسه وهو في بداية السنة الثانية من عمره عبارة عن بنطلون جينز طويل بحزام وتي شرتات سادة اي بدون رسومات الخاصة بالأطفال ... وكأنها كانت تشعر أنها سوف تتركنا مبكرا فكان عليها أن تتركه رجلا لي لكي يخفف عني الكثير من متاعب الحياة ... فعلا فقد كانت علي حق .. فقد وجدتُ فيه الإدراك السريع في كيفية المعيشة وتحمل المسئولية معي ... فلم أجد صعوبة في نشأته وتربيته .
وعدته في هذا العيد أن أشتري له أورج كالذي تعلم العزف عليه " سماعي " من إحدي عازفات كورال الترانيم بكنيسته .. كما أنه خطط لحياته أن يلتحق بالمعهد الموسيقي عندما ينتهي من المرحلة الثاوية ... دخلنا إحدي المحلات الشهيرة بأجود أنواع بيع آلات الموسيقي .. تركته لوحده لكي ينتقي ما يناسبه , وأخذت بعضي وعند أقرب كرسي وجلست .. نظرت إلي باب المحل بالصدفة .. وجدت قطعة من الجمال الرباني تدخل المحل , وبدأت تتمشي بين صفوف الآلات الموسيقية .. في نفس اللحظة جاءني إبني وجلس بجانبي يشاركني معه المقارنة بين انواع الألات التي تختلف في ماركاتها وتتباين في إمكانية كل آلة وميزتها عن الأخري .. حاولت أن أجاريه وتركت له الكلام والمقارنة لأنني لا افهم شيئا في مثل تلك الأمور الموسيقية .. ومرة واحدة فوجئت أنها فاتت جنبنا أنا وهو .. ايوه .. أنا وهو ... وضِحكتْ لِنا .. انا وهو . رديت علي ضحكتها , وكمان رديت , وفضلت أرد حتي ما فاتت ... ونسيت روحي ولما صحيت أتاريها أخذت الشمس وغابت .. تركتُ إبني يتكلم , لكن إنشغلت بيها .. وقبل ما يطول إنشغالي , إحترتُ في فؤادي .. وقلت في نفسي هو أنا بافكر ليه ؟ وشاغل روحي ليه ؟؟ هو أنا أعرف منين أنها قاصداني أنا؟؟ ولا أعرف منين إن الضحكة دي مش له هو ؟؟.. وليه مش لي أنا !؟.
إشتريت له الأورج الذي إختاره , ثم خرجنا من المحل .. وجدنا عربة فيشار .. رائحة الفيشار جعلتنا أنا وهو نتوجه إليها .. واحنا في طريقنا شوفنا خطوة حلوة جاية بظل تاني بتسابقنا .. حتي وصلنا إلي كشك الفيشار .. إلتفتُ لقيها هي .. وقفت بجوارنا تشتري فيشار , وبدات اسمع في قلبي لحن حب غريب عليّ .. تعمدنا أن نتقرب إليها .. فسمعت منها كام كلمة , ماقلتش منها ولا كلمة ... لكن أنا حسيت .. ولأول مرة منذ زمن أنا حسيت وباعيش وأدوب في كلام القلب إللي مالهوش حس .
نظرت إليّ ووضعت يديها علي شعر إبني تداعبه .. نظر إليها صاحبي وقالها " ياااه إيدك حلوة أوي " .. نظرت إلينا وضحكت ثاني نفس الضحكة وراحت ماشية ... زي الدنيا لما تيجي في ثانية .. وتمشي في ثانية .
توجهنا أنا وصاحبي قاصدين البيت .. لكن فجأة بصيت لصاحبي لقيته فعلا جنبي وماهواش جنبي .. تصورت أنه عايز يقول كلمة إتقالت جوة قلبي .. كنت عايز أسأله : أهو كمان حس بها وإنشغل ؟؟؟ .. لكن رأيت في عينيه براءة الأطفال .. ورجعت أقول : أنا بافكر ليه .. وأشغل روحي ليه .. هو أنا اعرف منين أنها قصداني أنا .. مش هو . وأعرف منين إن الضحكة دي مش له هو .. وليه أنا مش هو .
في الطريق أوصلته للنادي لكي يتباهي بالأورج الجديد امام أصدقائه .. أما أنا فروحت أنا .. مش عارف مالي ... ولا عارف إيه إللي جرالي ..!! فرحان عايز أضحك ... مهموم عايز أبكي ... لا دموعي طايلها ... ولا لاقي حد أشكي . أخذت الكرسي وجلست عليه في الشرفة التي تطل علي الخضرة الجميلة .. وسرحت فيها وقمت فجأة وأهتف في سري و أقول .." حبيتها .. إيوه أنا حبيتها .. ومش قادر انسي ضحكتها .. ثم رفعت يداي إلي السما أناجي ربي " مش يمكن دي ياربي فرحة عمري الباقي .. والفرحة ما صدقت لقيتها " ... لو كانت بمشيئتك أقدر اقول " كان فين اليوم ده غايب عني .. تسلم لي وتسلم ضحكتها ."
صحيت من التفكير علي دخول صاحبي .. ودخل حجرته بسرعة وهو مزهوا بالأورج الجديد والإبتسامة علي شفتيه ويقول لي " بالحق يا والدي مس ماريام بتسلم عليك وبتقول لك كل سنة وانت طيب " قلت له وبإستهتار " وهي طيبة " ... ودخلت أنا مكتبي و يسألني قلبي إمتي هنشوفها ثاني .. وأنا اقول له هنشوفها فين ثاني ..! وبيني وبينكم بدأت الليالي تدوبني وتشيلني ظنون لما طيف الغيرة يترسم قدام عيوني .. لدرجة إنْ لقيت صاحبي بيضحك .. أقول دي لازم قابلته , وإنْ لمحت في عينيه شكوي أقول .. دي لازم خاصمته . ما لقيتش طريق قدامي يرحمني من العذاب ده .. إني أدور وأسأل واعرف منها الجواب ...! وجهزت كلمتين مش أكثر من سطرين قولت لها ريحيني أنا فين ؟ .. وطويت الورقة وقلت أكيد ألاقيها نواحي الشارع إللي شفتها فيه .. وحفظتها في جيبي إحتياطي لكي أنتهز أي فرصة عندما أجدها بالصدفة وأعطيها لها الرسالة .
وبعد يومين لقيت إبني بيقول لي مس " ماريام " عايزة تيجي وتشوفك في مكتبك بالشركة .. قلت له : تتفضل في اي وقت .. قال لي .. ربما تمر عليك بكره .
وجه بكره وإنفتح باب المكتب وإذ أجدها أمامي .. لم أتمالك نفسي لدرجة أنني نسيت أن أخرج الرسالة من جيبي .. وبرقة كلماتها .. قالت لي : أنا " مريام " مدرسة الموسيقي لصاحبك الصغير .. إنزعجت وابتهجت .. وقبل ما أنطق قالت لي : يشرفني ويشرف زوجي رئيس فريق الترنيم بالكنيسة الرئيسية أن نضم إبنك الأسمراني مع الفريق .. أظن ماعندكش مانع ..! ويادوب إستيقظت من المفاجأة لكي ارد عليها " ليس لدي مانع " .. رنت في أذني نفس الضحكة وراحت ماشية زي الدنيا ماتيجي في ثانية وتمشي في ثانية ....!
نظرت إلي صورة زوجتي وقلت لها : أنا آسف ياحبيبتي .. كنت مضطرا لأنني إحتجتُ حتي ولو للحظة أنني اشبع رغبتي في أن أحب .. لكن بعدما سمعت لحن صديقنا الصغير شبعتُ حنان وحب وعوضني عن ما أفقده من أحاسيس ...!
ملحوظة :
كتبت هذه القصة عندما كنت اسمع ارقي وامتع الأغاني لعبد الحليم حافظ من ألحان الموسيقار العظيم عبد الوهاب ومن تأليف الشاعر الساحر حسين السيد ... أحببت فقط ان نتمتع سويا بهذه الاغنية قبل ما تخرج علينا الهيئة إياها بالخرزانات والعصي لكي نمتنع عن تذوق الفن الجميل . وياريت تقرأها وانت بتسمعها علي العنوان التالي :
http://www.6rb.com/songs/8137.html
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com