كيف يمكن حماية مدنية الدولة فى ظل التعددية الدينية
سلطة الدولة كان لها دور رئيسى في اغتراب المواطن عن مشروع المواطنة
كتبت: ميرفت عياد
الكشف عن جذور الاتجاهات العامة التي تسيطر على المشهد السياسي في اللحظة الآنية، بتعقيداته وتناقضاته التاريخية ، وحول أبعاد التحديات التي يفرضها هذا الصعود للقوى السياسية الدينية، أمام تحقيق شعارات الثورة الرئيسية المتمثلة فى الديمقراطية والكرامة والعدالة الاجتماعية اصدر مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان دراسة تقع تحت عنوان" المرحلة الانتقالية: الخلفيات، التناقضات، وسيناريوهات ،المستقبل " لباحث الدكتوراه عمرو عبد الرحمن ، حيث يقدم رؤية للسيناريوهات المطروحة أمام أطراف الصراع العاجزة عن حسم المعركة لصالحها، كما تقدم قراءة نقدية في طبيعة المعوقات التي تواجه عملية التحول الديمقراطي في مصر في أعقاب ثورة 25 يناير .
أزمات العنف الطائفي
وتشير الدراسة الى انه حدث انشقاق بين القوى الإسلامية التي أصرت على الالتزام بنتائج استفتاء 19 مارس الذى ترتب عليه إجراء الانتخابات البرلمانية قبل كتابة الدستور وما بين القوى الليبرالية واليسارية التى طرحت فكرة التوافق حول مبادئ حاكمة للدستور وآلية لتشكيل الجمعية التأسيسية لصياغة الدستورقبل الذهاب للانتخابات وفى خضم هذا الاضطراب تفاقمت أزمات العنف الطائفي واتخذت بدورها منحى خطير ألقى بظلاله على عملية الانتقال برمتها كما رأينا في أحداث ماسبيرو يوم 9 أكتوبر 2011 أضف إلى ذلك التغير الدائم في التكتلات الحزبية إلى الحد الذي يتعذر معه فهم الخريطة السياسية بوضوح كافٍ قبل أيام من بدء المعركة الانتخابية، حيث ان هذه التحولات كانت تلوح في الأفق منذ انقسام معسكر الثورة على نفسه بمناسبة الاستفتاء على التعديلات الدستورية.
التعددية الدينية ومدنية الدولة:
كيف يمكن إذن حماية مدنية الدولة وواقع التعددية الدينية الذي يتعرض للعديد من المخاطر؟ تكشف الدراسة ان إجابة هذا السؤال مرهونة بإمكانية حدوث تحولات عميقة على المستوى الفكري والحركي لطيف واسع من التيارات السياسية المصرية، وفى القلب منه التيارات الإسلامية ، هذا التحول الفكري يرتكز على العمل داخل المجال العام والدعوة لمشروعه والتأثير في السياسات أو حتى إدارة جهاز الدولة مع الحفاظ على قدر من الحياد الضروري لهذا الجهاز لمنع الاستبداد وقمع حريات المواطنين ، وهنا يكمن الجذر التاريخي في ان سلطة الدولة كان لها دور رئيسى في اغتراب المواطن عن مشروع المواطنة نفسه وسيادة هوى استبدادي لدى الجميع كان مسئولاً عن مناخ الاستقطاب الذي تم توريثه.
تصفية مؤسسات النظام القديم:
وعن تصفية مراكز القوى المرتبطة بأي نظام في خضم تحولات ثورية عميقة كتلك التي تمر بها مصر يوضح الباحث انه يجرى الاعتماد على آليتين رئيسيتين: العدالة الانتقالية وقوانين العزل السياسي. العدالة الانتقالية سواء أخذت شكل محاكمة رموز النظام السابق، كما يجرى في مصر وكما جرى في أغلب تجارب التحول، أو شكل "لجان الحقيقة والمصالحة" والتي تكتفي بالتحقيق في انتهاكات النظام القديم وكشف المتورطين فيها مع إصدار العفو العام عن هؤلاء المتورطين، وهو الحال في العديد من التجارب كجنوب إفريقيا وجميع تجارب أميركا اللاتينية باستثناء واحد وهو الأرجنتين. هدف هذه العملية لا يقتصر على تطهير البؤر المناوئة للنظام الجديد ورد اعتبار الضحايا فقط، ولكنها تعد بمثابة التأسيس الرمزي للشرعية الجديدة عبر إدانة النظام القديم. بالتوازي مع ذلك، تستهدف إجراءات العزل السياسي إحلال نخبة الثورة محل النخبة القديمة كليةً أو بالتدريج ، وهنا لا يبدو المشهد في الحالة المصرية باعثًا على التفاؤل .
بناء النظام الجديد
وعن إجراءات بناء النظام الجديد توضح الدراسة ان غياب الحسم اثر بالسلب على إجراءات تصفية النظام القديم، وكذلك أثر هذا الموقف المعلق بالسلب على الإجراءات التي كان من المفترض أن ترسى قواعد النظام الجديد الذى يعد بمثابة جوهر التحول إلى الديمقراطية في مصر ، مشيرا الى ان أفضل السيناريوهات التي يفيد تبنيها في تجنب مخاطر الانزلاق في صراع هوياتي يقضي على المساحة التي يمكن اقتناصها للإبقاء على أسس العيش والفعل السياسي المشتركين تتبلور فى الاحتفاظ بفرصة بناء الديمقراطية، حتى لو كانت هشة ومؤقتة، وذلك باعتبارها السيناريو الأقل كلفة، لتجنب القضاء على ما تبقى من أسس الدولة المدنية، وفي الوقت ذاته لا توصد الأبواب أمام مساعي تحقيق الديمقراطية الكاملة، وإنقاذ البلاد من الوقوع في براثن السيناريوهات المؤسسة لسلطوية جديدة.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com