بقلم : د.عبدالخالق حسين
يواجه العراق تصعيداً جديداً غير مسبوق لأزماته المزمنة. فبعد صدور قرار من القضاء لإلقاء القبض على السيد طارق الهاشمي، نائب رئيس الجمهورية، إثر اعترافات عناصر من حمايته بدورهم في الإرهاب، وبأوامر مباشرة منه، وهروبه إلى كردستان لتجنب المحاكمة، دخلت جهات أخرى مختلفة على الخط العراقي لخلط الأوراق، والتصيد بالماء العكر، وآخرها محاولة الإيقاع بين رئيس الجمهورية السيد جلال طالباني، ورئيس الوزراء السيد نوري المالكي، ودق الإسفين بين تحالفيهما، إضافة إلى محاولات أخرى لتشويه صورة المالكي وضرب العملية السياسية.
ومن هذه المحاولات ما يلي:
1- قيام صحيفة تصدر في كردستان تدعى «روداو» نشرت "تصريحات نسبتها إلى الأصولي الكردي العراقي نجم الدين فرج أحمد المعروف بـ«الملا كريكار»، زعيم جماعة أنصار الإسلام، والمهدد بالطرد من النرويج، جاء فيها أن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي عرض عليه العودة إلى العراق وأنه سيدعمه في قتال الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة الرئيس العراقي جلال طالباني، والحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني."(الشرق الأوسط، 3/1/2012). والجدير بالذكر أن «الملا كريكار» نفى هذا الخبر، كما نفى مصدر مقرب من المالكي هذه المزاعم.
2- نشر خبر آخر مفاده أن محافظ نينوى، أثيل النجيفي (شقيق أسامة النجيفي)، أبلغ بارزاني بطلب وفد إحدى كتل مجلس المحافظة من المالكي استخدام السلاح لإخراج قوات البيشمركة الكردية من المناطق المتنازعة في المحافظة. وهذا الخبر هو الآخر مفبرك لا يصدقه أي عاقل.
3- قيام النائب حسين الأسدي من كتلة (دولة القانون) بتصريحات استفزازية "في الأول من كانون الثاني الحالي، في حديث لـ"السومرية نيوز"، إن رئيس الجمهورية جلال الطالباني تنطبق عليه أحكام المادة الرابعة/ب من قانون مكافحة الإرهاب لإيوائه نائبه طارق الهاشمي، معتبراً أن التستر على الهاشمي خرقاً دستورياً وقانونياً صريحاً للقضاء". وهذا تصريح غير مسؤول، الغرض منه شق وحدة الصف. وقد أكد ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء نوري المالكي، أمس الاثنين، (2 كانون الثاني 2012)، أن تصريحات النائب حسين الأسدي بشأن رئيس الجمهورية جلال الطالباني شخصية ولا تمثله، رافضاً المساس بشخص رئيس الجمهورية، فيما اعتبره صمام أمان للدستور والعملية السياسية.
لا شك أن استضافة قيادة إقليم كردستان المتهم طارق الهاشمي هو عن حسن نية، ومحاولة منهم لتهدئة الوضع إلى أن تتضح الأمور. لذلك، فتصريحات الأسدي لا تخدم القضية العراقية بل تضر بها ويجب أن يحاسب عليها.
4- واحتجاجا على تصريحات الأسدي، انسحب نواب التحالف الكردستاني، الثلاثاء، 3/1/2012 من جلسة مجلس النواب العراقي، وطالبوه بالاعتذار، في حين أكد الأسدي أنه مصر على موقفه.
هذه خلاصة الأزمة وتداعياتها لحد كتابة هذه السطور.
من المستفيد من تصعيد الأزمات؟
نطرح أدناه الأسئلة التالية:
أولاً، من المستفيد من اتهام رئيس الوزراء نوري المالكي بالاتصال بشخص متهم بالإرهاب مثل «الملا كريكار» الذي له علاقة بالقاعدة؟
ثانياً، من المستفيد من الإيقاع بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، وفي هذه الظروف العصيبة بالذات؟
ثالثاً، من المستفيد من خلق صراع بين التحالفين الكبيرين، الوطني والكردستاني؟
الجواب على جميع هذه الأسئلة هو أن كتلة "العراقية" هي وحدها المستفيدة من هذه الأزمة وتصعيدها، وربما هي وراءها، فنوعية هذه الأزمة، وفي هذا الوقت بالذات تحمل بصمات خريجي المدرسة البعثية. ففي 28 ديسمبر 2011، نشر مقال في صحيفة نيويورك تايمس بعنوان: (كيف ننقذ العراق من الحرب الأهلية) بتوقيع: إياد علاوي وأسامة النجيفي ورافع العيساوي، حاول كاتبوها إلقاء شتى التهم على المالكي، وإظهار أنفسهم بالحمل الوديع، ومنقذي العراق من الفتنة الطائفية التي "يثيرها المالكي"، وفيه الكثير من التأجيج والبكاء على تهميش السنة، والتهديد بالحرب الأهلية.
تفيد الحكمة: ’من حفر جباً لأخيه وقع فيه‘، و’من يزرع الشوك لا يحصد إلا الشوك‘. لذلك نرى كتلة "العراقية" في حالة يرثى لها إذ تحصد ما زرعته من بذور الشر. فرغم مقاطعة ممثلي الكتلة لجلسات مجلسي، الوزراء والبرلمان، نجد خروج النجيفي على قرار قيادة كتلته، وحضوره جلسات البرلمان، كما وأصدر النجيفي بياناً نفى فيه علمه بالمقال المنشور في صحيفة نيويورك تايمس، وهذه ضربة قاصمة لرئيس كتلة "العراقية" أياد علاوي.
والملاحظ، وبشهادات سياسيين عملوا مع أياد علاوي، بينوا أنه مازال يسلك سلوك البعثيين في إتباع طرق تآمرية ملتوية وغير نزيهة ضد خصومه السياسيين، إذ وصفه أحدهم (خلف العليان)* بالمجرم، وآخر، عبدالإله كاظم، بأنه أفشل سياسي. ونعرف أن علاوي لجأ قبل أعوام إلى تأجير شركة علاقات عامة أمريكية للترويج له، وتشويه صورة خصمه اللدود، السيد نوري المالكي، في محاولة مستميتة منه إقناع الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس بوش بأنه (علاوي) بأنه هو الشخص المناسب لرئاسة الحكومة العراقية، وقيل في وقتها أنه دفع مبلغ 300 ألف دولار للشركة. واضح أن علاوي لم يتخلص من عاداته البعثية، إذ كما وصفه الأستاذ حسن حاتم المذكور أنه يتبنى وسائل بعثية في زمن غير بعثي.
فالسياسات الملتوية والتآمرية التي اتبعتها قيادة "العراقية" لإفشال العملية السياسية كان مردودها معكوس على الكتلة نفسها، وارتدت سهامهم إلى نحورهم. إذ أفادت الأنباء عن انسحابات بالجملة لنواب وممثلي "العراقية" في محافظات الوسط والجنوب، ففي محافظة البصرة وحدها بلغ عدد المنسحبين من الكتلة نحو 42 بين نواب ونشطاء سياسيين. وقبل أشهر خرج عشرة نواب من "العراقية"، وشكلوا كتلة مستقلة باسم (العراقية البيضاء). وفي المحصلة خروج جميع النواب الشيعة وعدد من السنة منها، بل وحتى هناك أنباء تفيد أن بعض الكيانات السياسية، العربية السنية، في الرمادي وكركوك تنوي الخروج من الكتلة. وهذا يعني أن "العراقية" تمزقت وربما مشرفة على الاختفاء. وهذه هي نتيجة من يسلك سلوك التحايل والغش والخداع لتحقيق أغراضه السياسية.
وأخيراً وليس آخراً، صرح أحد أعضاء القائمة "العراقية" عن أسماء إثني عشر نائباً من القائمة العراقية سيعلنون انسحابهم خلال الأيام القليلة القادمة بسبب ما وصفوه بانحراف القائمة عن مسارها الوطني.
وما جرى في كتلة "العراقية" من انسحابات لدليل على أن الكتلة كانت تضم عناصر وطنية نزيهة هدفها خدمة العراق، والحفاظ على وحدته أرضاً وشعباً، ولكن ما أن اكتشفوا أن قيادتهم تعمل لصالح أجندات أجنبية، وبالأخص السعودية، ودعم الإرهاب، حتى وأعلنوا براءتهم منها حرصاً منهم على المصلحة الوطنية وتبرئة أنفسهمم مما ترتكبه قيادتهم باسمهم.
كذلك أخبرني أصدقاء في العراق أنهم لمسوا تحولاً نوعياً إيجابياً في وعي الشارع العراقي من مختلف المكونات والمستويات، حيث بدأ الناس يشعرون بدور بعض شرائح "العراقية" في الإرهاب وأن غايتهم إعادة العراق إلى ما قبل 2003، وما حصل من انسحابات من "العراقية" في الآونة الأخيرة لدليل على صحة هذا التحول.
ما المطلوب عمله؟
أولاً، لقد عانى العراقيون كثيراً من الأزمات ونالهم من المصائب فوق ما يتحمله البشر، وقد آن الأوان أن يقف العقلاء من قادة العراق السياسيين صفاً واحداً في مواجهة هذه الأزمات بمنتهى الصبر والحكمة.
ثانياً، لا يكفي أن تنأى "دولة القانون" بنفسها عن تصريحات النائب حسين الأسدي، بل عليها أن تعاقبه بالطرد من الكتلة، إذ يجب على جميع الكتل السياسية وضع ضوابط لتصريحات المسؤولين فيها، فالوضع العراقي معقد ومتشابك وهش لا يتحمل خلق المزيد من الصراعات بتصريحات غير مسؤولة.
وبهذه المناسبة، أحييِّ قرار رئاسة مجلس النواب بمنع النائب الأسدي من الدخول إلى قاعة البرلمان إلى أن يقدم اعتذار لرئيس الجمهورية، فهذا النائب أثبت أنه خطر على العملية السياسية، وبالأخص على السيد المالكي الذي لا تنقصه الخصومات لكي يقوم أحد المحسوبين عليه بتوجيه التهم جزافاً إلى أقرب وأهم حليف له. إن تصريحات الأسدي ضد الرئيس طالباني تقدم خدمة مجانية لأياد علاوي وجماعته.
والشيء بالشيء يذكر، لو كان حسين الأسدي قد تهجم على المالكي لصنع كتاب فخري كريم منه بطلاً شعبياً كما صنعوا من صباح الساعدي من قبل حيث كانوا يلقبونه بالحرامي، ولكن ما أن تهجم على المالكي حتى وصار عندهم أبو ذر الغفاري!!.
ثالثاً، أرى من المفيد قيام المسؤولين في حكومة إقليم كردستان بمقاضاة مسؤول صحيفة «روداو» لقيامها بفبركة الأخبار الكاذبة ضد السيد المالكي لضرب الصف الوطني. فاتهام رئيس وزراء دولة بالتعامل مع مشبوهين بالإرهاب تهمة خطيرة لا يجب السكوت عنها مطلقاً، لأن فبركة هكذا أخبار لا تقع ضمن حرية الصحافة والتعبير والتفكير، بل يهدد أمن واستقرار البلاد.
رابعاً، عدم التساهل مع الإرهاب، ومن يدعم الإرهاب مهما كان موقعه السياسي، فالقوات المسلحة والأجهزة الأمنية العراقية قد بلغت من القوة والجاهزية الآن بحيث بإمكانها ملاحقة الإرهابيين ودحرهم، وإذا كان الوضع في الماضي يتطلب السكوت عن دور بعض المشاركين في العملية السياسية في الإرهاب حفاظاً على الوحدة المزيفة، فالمطلوب اليوم عدم السماح لأية جهة سياسية أن تكون لها قدم في الحكومة وأخرى في الإرهاب. لذلك فالمطلوب من القيادة الكردستانية عدم التساهل مع المتهم بالإرهاب السيد الهاشمي، في سبيل علاقات شخصية، بل عليهم تسليمه إلى الحكومة الفيدرالية لتقديمه إلى محاكمة عادلة في بغداد، فقرار الفضاء يجب أن يحترم، وعليهم الاستفادة من دروس التاريخ، وخاصة وقوفهم مع البعث في انقلاب 8 شباط 1963 وما جلب عليهم وعلى العراق من كوارث.
فهل من يتعظ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
عنوان المراسلة مع الكاتب: Abdulkhaliq.Hussein@btinternet.com
الموقع الشخصي: http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
* مع خلف العليان فى مقابلة تلفزيونية عن أياد علاوي
http://www.youtube.com/watch?v=nTLBLYJw_tw&feature=related
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com