بقلم/ نسيم عبيد عوض
بالحقيقة أن المادة الثانية فى دستور مصر ‘ وبنصها الذى بدأ وضعه إعتبارا من دستور 1971 ‘وحتى التعديلات الدستورية التى أصدرها المجلس العسكرى فى 30 مارس 2011 والتى تنص ان " الإسلام دين الدولة ‘واللغة العربية لغتها الرسمية ‘ ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع" ‘ هذه المادة أجمع كلالفقهاء الدستوريين ‘ أنها مادة لا لزوم لها ‘ فى دولة واحدة ‘ ليست دويلات ‘ وليست دولة منقسمة ‘فهل هذا يعنى ان المسيحيين لهم دولة أخرى تدين بالمسيحية ‘ ولكن ذلك غير حقيقى ‘ لأن مسيحيى البلاد هم الشعب الأصلى لمصر ‘ فكيف تقسمه بهذه المادة ‘ وتفصله من جسم دولة مصر . وللعلم نحن الأقباط مهما سمعنا من تصريحات هنا أو هناك ‘ وحتى أقوال بعض الأقباط ‘ أو بعض الكهنة والأساقفة ‘ نحن الأقباط لا نوافق على بقاء هذه المادة فى دستور مصر ‘ وهذا أيضا إجماع كل فقهاء مصر الدستوريين ‘ لأن وضع المادة يجعل المسيحيين فى درجة أقل فى الدولة المصرية التى دينها الإسلام ‘ فالمسيحى فى هذه الدولة لا يكون له حقوق وواجبات المواطن فى دولة دينها الإسلام ‘ وأصبح وجود هذه المادة فى دستور مصر ‘ السبب الرئيسى فى التمييز بين المسلم وغير المسلم فى كل نواحى الحياة ‘ لأن المساواة تكون غير دستورية ‘ لأن الدولة التى دينها الإسلام ‘لا يتساوى الغير مسلم فيها ‘كماهو الحال فى دولة كالسعودية مثلا . ولذلك أقول بشكل قاطع ‘إذا كنتم تريدون لمصر أن تكون دولة واحدة لها هدف واحد (وهذا نص ماورد بالتعديل الدستورى الذى أصدرته قيادة الثورة فى 10 ديسمبر 1952 والذى ألغت فيه العمل بدستور 1923 ) وأعلنت فترة إنتقالية لإعداد دستور جديد للبلاد ‘ ونص هذا التعديل على جملة عظيمة (فالوطن واحد ‘ والهدف واحد ‘ والله ولى التوفيق.) ولم يشر التعديل الى دين الدولة مطلقا .
ولنرجع ونقلب فى صفحات التاريخ ‘ سنجد انه بعد بدء حكم الولاة العرب ‘ منذ غزوهم لمصر وحتى ولاية محمد على لم يحكموا البلاد من منطلق دستورى ‘ لأنهم كانوا يحكمون كل البلاد التى غزوها بنظام الخلافة الإسلامية ‘ ولذلك ألغيت الهوية الإساسية لكل هذه البلاد ‘ فالخلافة إسلامية والحاكم مسلم الديانة ‘ وليست هناك أهمية لهوية الأرض . وظل هذا النظام معمولا به ‘ ولم يحكم مصر منذ عام ولاية العرب لمصر عام 641 م وحتى عام 1952 أى حاكم مصرى ‘ حتى أنه حكم مصر مواطنون ليسوا مصريون من كل أنحاء العالم بشرط واحد أنهم مسلمون ‘ والعجيب فى الأمرانه والحكام مسلمون لم يكن هناك دستور ينص على دين الدولة ‘ لأنهم مسلمون ‘ وحتى عندما وضع الدستور إعتبارا من عام 1882 وحتى دستور عام 1923 والمعمول به حتى عام 1971 ‘ لم تنص هذه الدساتير على مثل نص المادة الثانية هذه .
بدأت نهضة مصر الحديثة عام 1805 وتولى محمد على الالبانى حكم مصر ‘ وتبعه أولاده ‘ يحكمون مصر بدون دستور ‘ وظل الشعب المصرى يكافح ويجاهد ليقنن دستورا للبلاد ‘ وفى عام 1879 إستطاع الشعب وضع مايشبه الدستور ‘ حتى جاء عام 1882 وحكم الخديوى محمد توفيق ووضع أول دستور للبلاد الذى جاء الإحتلال الإنجليزى وألغاه ‘ولكن الافت للنظر فى هذا الدستور ‘ انه حاول ان يتوافق مع إعلان حقوق الإنسان والمواطن حسب إعلان المبادئ التى أعلنتها الثورة الفرنسية عام 1789التى نصت فى المادة الثالثة على أن (مبدأ السيادة كلها يكمن أساسا فى الأمة ولا تستطيع أية هيئة أو فرد أن يمارس سلطة لا تكون الأمة مصدرها الصريح ) وتبنى هذا الدستور هذا المبدأ ‘ ولكنه للأسف أعتبر الحاكم هو الأمة فله كل السلطان ‘ ولكن أيضا لم يشر هذا الدستور الى ديانة الدولة ‘ أو أية مبادئللتشريع فيها ‘ كان كل أهم مافيه ‘ اعلان الحياة النيابية فى مصر .
ظل الشعب المصرى يصارع الإحتلال الانجليزى للبلاد ‘ من أجل وضع دستور لمصر ‘ وبعد الإعتراف مصر دولة مستقلة ذات سيادة ‘أجتمعت اللجنة التأسيسية المصرية لوضع دستور لمصر ‘ليحل محل القانون النظامى لسنة 1913 ‘ وكانت اللجنة مكونة من 30 عضوا ضمت ممثلين لكل الإحزاب السياسية والزعامات الشعبية وقادة الحركات الوطنية برئاسة عبد الخالق ثروت ‘ حتى صدر الدستور فى أبريل عام 1923 ويبدأ الدستور بالمادة الأولى ونصها : مصر دولة ذات سيادة وهى حرة مستقلة ‘ وفى الثانية : الجنسية المصرية يحددها القانون ( وهذا أول نص صريح بالهوية المصرية ) وفى المادة الثالثة : المصريون لدى القانون سواء . وهم متساوون فى التمتع بالحقوق المدنية والسياسية .. لا تمييز بينهم فى ذلك بسبب الأصل أو اللغة أو الدين .. ‘ ثم جاء فى الباب السادس – أحكام عامة- ونصت المادة 149 على ان : الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية . والشريعة الإسلامية المصدر الرسمى للتشريع ‘ وفى هذا التشريع بالذات عارض مندوبو الأقباط النص فى الدستور أنهمأقلية ولهم إمتيازات خاصة ‘ وأصروا على أن يكونوا مصريين ضمن نسيج الوطن الواحد ‘ ويتساوون مع مواطنيهم المسلمين فى الحقوق والواجبات. وظل العمل بهذا الدستور الراقى الى إنقلاب الضباط الأحرار سنة 1952‘ واعلنوا فى 10 ديسمبر إلغاء العمل بدستور سنة 1923 .
وعندما طلب مجلس قيادة الثورة عام 1953 وضع دستور جديد للبلاد بنظام جمهورى وليس ملكيا ‘ كلفت لجنة من خمسين عضوا من أبرز الشخصيات السياسية والثقافية والقضائية تحت قيادة على ماهر رئيس الوزراء والفقيه الدستورى عبد الرزاق السنهورى ‘ وعمالقة الفقه الدستورى ‘ ووضعوا دستورا للبلاد عام 1954 ‘ وكان هذا الدستور ينهج على منوال دستور 1923 . ولم يرحب الضباط الأحرار بمسودة الدستور ووضعفى الأدراج ولم ير النور ‘رغم ان هذا الدستور كان على درجة عالية من الصياغة ولا ينقص عنسائر دساتير العالم الحديث شيئا ‘لأن الضباط كان هدفهم السيطرة على البلاد ‘ وحكمها أبديا . وفى الحقيقة كان فى مبادئ هذا الدستور الكثير لنتعلم منه ‘ فيبدا بان مصر دولة موحدة ذات سيادة وهى حرة مستقلة ‘ وحكومتها جمهورية نيابية برلمانية
‘ وفى المادة الثانية ( الجنسية المصرية يحددها القانون ‘ ولا يجوز بحال إسقاطها عن مصرى ‘ ولا يجوز تغييرها ممن أكتسبها إلا فى حدود القانون) . ثم جاء فى الباب العاشر – أحكام عامة - وفى المادة 195 نص : الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية ‘ وهنا إرتقى المشرعون عن دستور 1923 ولم يشيروا الى مبادئ وضع التشريع ‘ وفى رأيي أن هذا الدستور من أرقى الدساتير حتى الآن ‘ وإذا رغبوا الآن للدولة الحرية والتحديث والديمقراطية وأن تكون دولة واحدة غير منقسمة على ذاتها أخذوا بهذا الدستور ‘ ونصه موجود فى تاريخ دساتير مصر ‘ للذى يرغب فى الإطلاع عليه.
وفى 11 سبتمبر 1971 وبرغبة الرئيس المؤمن الذى أعلن أنه رئيس مسلم لدولة إسلامية ‘ تم تعديل الدستور وجاء نص المادة الثانية كما تعرفونها جميعا ‘ بل أنه طورها لتصبح مبادئ الدين الإسلامى المصدر الرئيسى للتشريع ‘ وأدخلت على هذا الدستور تعديلات سياسية تتعلق بمدد البقاء فى رئاسة الجمهورية وبهذ الغطاء الدينى ‘ حتى جاء المجلس العسكرى وأصدر إعلانه الدستورى المعمول به حاليا ‘ وأبقى نص المادة الثانية كما هو . وبطبيعة الأحوال ومع صعود التيارات الإسلامية لتتربع على عرش البرلمان ولأول مرة فى تاريخ مصر ‘نتوقع أن يضاف الى المادة الثانية المزيد من المواد ذات العلاقة ‘ والأيام قادمة وسنرى العجب العجاب .
والقصد فى النهاية أننا نحن الأقباط لا نوافق على بقاء المادة الثانية ‘من أجل وحدة الوطن ‘وللقضاء على آفة التمييز بين أبناء الوطن الواحد‘ لنؤكد على هويتنا المصرية التى إكتسبناها من أرض مصر ‘ لأننا إذا أبقيناها سنلغى هوية مصر ‘ وربما يجئ اليوم لنرى مسلما غير مصرى يحكم مصر .
ونتضرع لإلهنا الذى بارك بلادنا وقال فيها " مبارك شعبى مصر "أن يهدى النفوس والقلوب ويغير الأحوال ‘ ويجمع كل اطياف شعب مصر على كلمة سواء.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com