بقلم: عزمي إبراهيم
أشرق جبران خليل جبران على عالمنا يوم وُلـِد في 6 يناير 1883 وتمتعت الأرض بصحبته حتى ودعنا في 10 إبريل 1931.
في ذكرى عيد ميلاد هذا العملاق وددت أن أقدم نبذة بسيطة عنه وعن تاريخ حياته وبعضاً مختاراً من قصائده وجدتها تناسب ما يجري بمصرنا في هذه الأيام... بل وتناسب الستين عاماً الغابرة. وقد كـُتِبـَت مقالات وكتب ودراسات ومعاجم بلغات عديدة تملأ المكتبات والمدارس والجامعات والمحافل والمتاحف لم يُكتـَب مثلها عن أي أديبٍ أو شاعرٍ أو فيلسوفٍ عربي. ومقالي هذا ليس إلا قطرة لن تزيد هذا المحيط العظيم قدرَ ذرة.
جبران هو قمة شعراء المهجر ومن أشهر شعراء الشرق عامة في نهضة القرن العشرين. شاعر وأديب ومفكر وفيلسوف ورسام ولد في بلدة بشري شمال لبنان من أسرة فقيرة من أب غير مهتم وأم عظيمة حكيمة مدركة لمستقبل إبنها الموهوب. من الصعب، بدون مغالاة، أن تكتب نبذه عن جبران في صفحة أو صفحتين فقط، فسأختصرها، جاهداً، فيما يلي.
هناك عديد من قدامى شعراء العرب لقبوا بـ "النابغــة" ولذلك أبدأ سيرة جبران بنص للأديب المهجري المغمور "فوزي بريدي" عند تقديمه لشخصية جبران في إحدى المناسبات الاحتفالية، قال:
"تعلمون أيها السادة أن أدبنا العربي قد سَرَت فيه بعهده الأخير روح تبعث على التجديد، وهي الروح التي نتوسم فيها حياة جديدة لأدبنا العربي على الإطلاق. ولا أظن أحداً منكم إلا ويذكر فضل هذه الروح التي بثــّها قلم ساحر وريشة مبدعة وخيال واسع وإلهام هو شيء من نفحات السماء. وكل هذه مجموعة بشخص أقدمه إليكم، عرفتموه بالروح وبالذات، فرأيتم فيه وفي خدماته وفي نياته وأخلاقه ملاكاًً بصورة إنسان، ونبياً في أمته خدمها ويخدمها بحياته ومآثره الغراء "النابغة جبران خليل جبران".
سافرت الأم بجبران وإخوته تحت ضغوط الحياة القاسية بلبنان إلى أمريكا عام 1895، حيث درس الطفل فن التصوير. ثم عاد إلى لبنان وبين أمتعتة الأناجيل وكتاب لتوماس بلفنيتش في الميثولوجيا اكتشف فيه الفنان الناشئ دراما بروميثيوس وأسطورة أورفيوس والنبي الفارسي زرادشت، والأساطير الهندية والفلسفة الفيثاغورسية... وهناك تعلم العربية والفرنسية وتعرف على كنوز اللغة العربية خاصة ابن خلدون والمتنبي وابن سينا والشعراء الصوفيين. وتدرب على الرسم والموسيقى. ولما لاحظت أمه قوة ميل الرسم لديه، زودته بألبوم صور لـ ليوناردو دافنشي، الذي بقي معجباً به بصمت.
بعد وقت طويل، كتب جبران يقول: "لم أر قط عملاً لليوناردو دافنشي إلاّ وانتاب أعماقي شعور بأن جزءاً من روحه تتسلل إلى روحي. وبعد أربع سنوات قصد باريس لمدة ثلاث سنوات وهناك تعمق في فن التصوير. بعدها عاد إلى بوسطن بالولايات الأمريكية المتحدة، ولكنه لسوء حظه وصل بعد وفاة شقيقته سلطانة، ثم وفاة شقيقه بطرس، تبع ذلك وفاة أمه بعد فشل عملية جراحية في نفس السنة.
مع فجر القرن العشرين، كانت بوسطن، التي سميت حينئذ أثينا الأمريكية، مركزاً فكرياً حيوياً اجتذب فنانين مشهورين وواعدين. وكان بعضهم راغباً في الخروج من معاقل المادية للبحث عن سبل فنية جديدة واستكشاف ميثولوجيا وحضارات الشرق بل وعلومه الباطنية والروحية. وغاص جبران في هذا المجتمع البوسطني الذي تزدهِـر فيه حركات صوفية كان أبلغها تأثيراً الحكمة الإلهية التي أنشأتها عام 1875 الأرستقراطية الروسية هيلينا بتروفنا بلافاتسكي التي اطلعت على تراث الهند، والتيبت وشجعت نهضة البوذية والهندوسية. وشيئاً فشيئاً، اتضح له أن الروحانية الشرقية التي تسكنه يمكن أن تجد تربة خصبة في هذه البيئة المتعطشة للصوفية.
تعرف جبران على شاباً لبنانياً إسمه أمين غريب يصدر صحيفة بالعربية في نيويورك اسمها «المهاجر»، تقرب منه وأطلعه على رسومه وكتاباته وقصائده. قبل غريب مقابل دولارين في الأسبوع لجبران، وظهرت أول مقالة له في «المهاجر» بعنوان «رؤية». كان نصاً مفعماً بالغنائية أعطى الكلام فيه لـ «قـلـب الإنسان، أسير المادة وضحية قوانين الأنام». بدأ جبران يكتب أكثر مما يرسم. وخصّه أمين غريب بزاوية منتظمة بعنوان «أفكار»، ثم استبدله بعنوان « دمعة وابتسامة"، حيث راح جبران يتحدث عن المحبة، والجمال والشباب والحكمة. ونشرت له «المهاجر» عام 1905م كتاباً بعنوان «الموسيقى».
كان جبران قارئاً نهماً، وقد أعاد قراءة « جيد » و« ريلكه » و« تولوستوي » و« نيتشه »، وكان قلقاً، دائم الشك، طموحاً، ومثالياً، متصوراً تجديد العالم عن طريق الفن والشعر والأدب، وسعى إلى إقناع الآخرين بأفكاره ونظرياته. وفي 1920م، رأى الكتاب السوريون واللبنانيون في اجتماع لهم في نيويورك أنه يجب التصرف من أجل إخراج الأدب العربي من أوحال حالة الركود والإضمحلال والتفاهة والتقليد وأنه يجب حقنه بدم جديد. وقرر المشاركون تأسيس تنظيم يتمحور حول الحداثة ويكرس لجمع الكتاب وتوحيد جهودهم لخدمة الأدب والوطن العربي. وفي الاجتماع التالي حددوا أهداف التنظيم الذي أسموه «الرابطة القلمية»، التي ضمت جبران، وإيليا أبو ماضي وميخائيل نعيمة وعبد المسيح حداد صاحب مجلة «السايح» وآخرين، في نشر أعمال أعضائها وأعمال الكتاب العربي الآخرين وتشجيع تعريب أعمال الأدب العالمي، فضلاً عن أهداف أخرى، وانتخب جبران رئيساً للرابطة. وبقيت الرابطة تجتمع دورياً تقريباً حتى وفاة جبران.
نشر أعضاء الرابطة مقالات في مجلة «السايح» وكرسوا عدداً في العام للمختارات. وأضحت الرابطة بأفكارها المتمردة رمزاً لنهضة الأدب العربي. رأى جبران أنه لن يكون للغته العربية مستقبل إذا لم تتحرر من القوالب القديمة ومن "عبودية الجمل الأدبية السطحية"، وإذا لم تتمكن من إرساء حوار حقيقي مع الغرب وتتمثل تأثير الحضارة الأوروبية دون أن تجعلها تهيمن عليها.
وقد كتب شاعر مصر الكبير حافظ إبراهيم "شاعر النيل" مقرزاً شعراء الهجر:
عافــُــوا المَذلــَّـة في الدّنـــيا فعـنـدهمُ عــِـزُّ الحـيـاةِ وعــِـزُّ المـَـوْتَ سـِيــّانِ
لا يَصْـبـِرُونَ عـلى ضَـيــْـمٍ يُحــاوِلــُه بــاغٍ مِنَ الإنــسِ أو طـاغٍ من الجـانِ
شـَقـَقـْتُ أسـْـواقَ بَيــرُوتٍ فما أَخـَـذتْ عـيــنايَ في ساحـِهَا حـانـوتَ يونـانِي
فقـلــتُ في غـِبـطــَـةٍ: للـــــهِ دَرُّهـُـــمُ وَلــَّـوْا سـِـراعاً وخـَلــَّـوْا ذلك الــواني
تـَيَمـَّمُوا أرضَ كـُولـُمبٍ فـما شـَعـَرَت منـهم بــوَطءِ غـَريـبِ الــدارِ حَيــرانِ
ســادُوا وشــادُوا وأبلـَـوا في مَناكِبــِها بـــلاءَ مُضظـَلـِـعٍ بالأمــــرِ مَعــْــوانِ
إنْ ضاقَ ميــدانُ سـبـقٍ منْ عزائمـِهِمْ صاحـتْ بــهمْ فـأروهـَا ألـــفَ ميــدانِ
لا يستشـيـرونَ إِن همـّـوا سـوى همـَمٍ تــــأبَى المُـقــــامَ على ذلٍّ وإِذعـــــانِ
ولا يُبــالـــونَ إنْ كـانــت قـُبـــُــورُهُمْ ذرا الشـَّـوامـِخ أو أجـــوافَ حـِيـتـــانِ
في الكونِ مورقهمْ في الشـامِ مغرسهمْ والغـــرسُ يزكـو نـقـــالاً بينَ بلـــدانِ
إنْ لـم يَفــُــوزا بسـلطـــانٍ يُـقـــِــرُّهـُمُ فـفي المُهـاجـَـرِ قـد عـَــزُّوا بسـلطـانِ
أو ضاقـتِ الشـأمُ عن برهـانِ قـدرتهَمْ فـفي المُهـاجـَـرِ قـد جــاءُوا ببـرهــانِ
إنــّا رأيـــــنا كـرامــــاً من رجــالــهمُ كانــوا عليـهمْ لـديـــنا خـيــر عـنــوانِ
كان في كتابات جبران اتجاهين، أحدهما يأخذ بالقوة ويثور بالروح على قيود العقائد والدين، والآخر يتتبع الميول والعواطف الإنسانية والاستمتاع بالحياة. وبالإضافة إلى ما سبق ذكره، صدر له كتاب ضم بعض مقالاته «البدائع والطرائف» وروايته «الأجنحة المتكسرة» وهي أكثر أعماله رومانسية، والتي أنبأت بأسلوبه وفكره المستقبلين. أما «المواكب». ففيها دعوة للتأمل، كتبها على شكل حوار فلسفي بصوتين: يسخر أحدهما من القيم المصطنعة للحضارة؛ والآخر الأكثر تفاؤلاً يغني أنشودةً للطبيعة ووحدة الوجود، متميزاً بتعابيره البسيطة والصافية والتلقائية.
وفي سنة 1923م ظهرت أعظم إبداعات جبران وهي رائعة «النبي».(1996م) وهو كتاب في التفاؤل والأمل والتأمل. وبطريقة شاعرية وأسلوب سلس، يقدم لنا جبران فيه رسالة روحية تدعونا إلى تفتح الذات و"إلى ظمأ أعمـق للحيـاة»
في عام 1931، رحل جبران عن هذا العالم بعد حياة دافقة بالفكر والإنتاج. وقبل أن يودعنا جبران كتب بخصوص «النبي»: "شغل هذا الكتاب الصغير كل حياتي. كنت أريد أن أتأكد بشكل مطلق من أن كل كلمة كانت حقاً أفضل ما أستطيع تقديمه". لم تذهب جهوده عبثاً؛ فبعد ما يقرب من ثمانين عاماً على وفاته وما يقرب من تسعين عاماً على إصدار «النبي»، ما يزال يأخذ بمجامع قلوب ملايين القراء في أنحاء العالم، وقد بيعت من هذا الكتاب الرائع، في الولايات المتحدة وحدها، تسعة ملايين نسخة. وترجم إلى أكثر من أربعين لغة.
مختارات من شعره
إذا ما رمـي مصـراً بضعـفٍ وحـطـةٍ غـــُــلاة مـن الأعـــــداء أو جُهــَــلاءُ
فـكـن عـلي الخـيـــر أعــــدلَ شـاهـــدٍ لـفـتـيــــة مصـــر، أنـــَّــهم نـُبـــَــلاءُ
رعـى اللــه ذاك العهـد فالعيـش بعــده وجـــــوم عــلى أيــــــامه ووجـيـــب
يقـولـون لـيــــل جــاءنا بعـده الهــدى صدقـتــم هــدى لكـن أسـى وكــروب
إن تـكـونــــــوا حـماتــــها وبنـيــــــها ما لـتـــلك الـذئـــاب تعـتــس فـيـــها؟
أفـتـرضــون أن تهــــــون عـتـيــــــدا بعـــد ذاك الإبـــــــاء فـي ماضـيــــها
تـــلك أوطـانــــكـم تبـــــاع عـليــــكـم صـفـقـــة بخـســـة، فمـن مشـتريــها!
وأنــــا لا أحــــــب فـي الـمــــــرء إلا مـا لـه عـنــد قـــومـــه مـن أيـــــادي
وأجـــِــلُّ الـفــــتى عـلى قــــــدر ما جـلـــــَّـــت مسـاعـيـه فـي سـبيـــل الـبـــــلادِ
لـيــس لـي مطـمــــعٌ ولا لـي ديــــــنٌ غـيـــر هـــــذا لـمـبــــدأٍ أو معـــــــادِ
مـن لـنـــا أن نــــرى تحقــــقَ حـلــــم لـيـس بابـن الـكــرى بل ابن السـهــادِ
أمــــَّــــة عـنـــد ظـنـنـــــا تـتـــــآخـَى وقـلـــــوب كـهمـــِّــنا فـي اتـِّحـــــــادِ
عــَـــلَّ يــــومـا ولا يـكـــون بعـيــــدا يلـتــــقي والـمــــــنى عـلى ميعــــــادِ
فيعـــــز اللـــــه الـبــــــلاد ويقـــضي لأعــزائـــــها بنجــــــــح المــــــــرادِ
يا بـــــلادي هــل فـي العـنـــــاء كــما عـانيتـــِـهِ مـن ضــروب الاسـتعـبــادِ
أي تعـــــس كتعـــــس دار عـليــــــها يـتــــــوالى الفــســـادُ بعـــد الفـســــادِ
كـل جـيــش إن قــــام فيــها بدعـــوى رد عـــــادٍ أقـــــام عـــــذراً لـعـــادي
واذكـــر مـا يميــت مـن همـــم الـنـــا س تـــــوالي مهـــانـــــة واضطهـــاد
تــَــرَ ما جـــرّه عـلى وحـــدة الـقـــوم انفـكــــاك الـعــــرى مـن الأحـقـــــاد
أبهــــذا الـشـتــــات فـي كــل شــــيء يجمعــون القــــوى لصــــد أعــــادي
هـــو ذا الفجــــر فقــــومي ننصــرفْ عـن ديـــــارٍ ما لنـــا فيــها صديــــقْ
ما عــسى يرجــــو نبـــــاتٌ يختـلــف زهـــــرُهُ عـن كـــلِّ وردٍ وشـقيــــــقْ
وجـديـــد القـلـــــب أَنــــَّـَى يأتـلـــــفْ مـَعْ قـلـــــوبٍ كـلُّ ما فيــها عـتيـــــقْ
هـــو ذا الصُّـبــــحُ ينــــادي فاسـمعي وهـَلـــمُـــِّي نقتــــــــفي خـُطـــْــواتـِـهِ
قــد كفـــــانـا مـن مســــــاءٍ يـــــدَّعي أنَّ نـــــــورَ الصـُّبــــح مـن آيــــــاتـِهِ
يا بــــــلاداً حُجـِبــَـــتْ منــــــذ الأزلْ كيــــفَ نرجــــوكِ ومـن أيِّ سـبيــــلْ
أَسـَـــــرابٌ أنــــتِ أم أنــــتِ الأمــــلْ في نفـــــوسٍ تتمــَـــنـَّى المسـتحيــلْ؟
رمسيس مصــر
أكـبـِـرْ برمسيـس ميـتـــا لـن يلــّـم بـه مـــوتٌ، وأكـبـِــرْ به حـيــــا إلى الآن
تقــوض الصـرح فيـما حـولـه ونجـــا عـلى التـقـــادم لـم يمســس بحـدثـــان
لـولا تمـاثيـــلـه الخـــــرى محـطمـــة مـا جــال في ظـــن فــــانٍ إنـّه فــــان
في مصر كم عـزَّ فـرعون فما خلـدوا خـلــــوده بـيـــن أبـصـــار وأذهــــان
ولـم يـتـــم لـــهـا فـي غـيـــر مـدتــــه ما تـــم من فـضـل إثـــراءٍ وعـمـران
ولـم يســر ببـنيـــهـا مثــــل سـيـــرتـه ســاعٍ الى النـصـر لا ســاهٍ ولا وانـي
من منتـهى النيــل في أيــامه اتسـعـت إلـى أعـالـيــه في نــــوبٍ و ســـودان
ومن علي الذرى في الطور عن كثب إلى قـصي الــربى فـي أرض كنعــان
يا مجـد رمسيس كم أبقيت من عجـبٍ فـيـــــه ومـســألــة عـنــــه لحـيـــران
فـيـم الأولـَى صنعـوا أنصـابه درسـت رسـومـهم منــذ باتــوا رهــن أكفـــان
ومـا لأسـمائــهم دون اسـمــه دفـنـــت شـعـثــا منكـــرة فـي رمــس كـتمــان
إن يجهـل الـشعـب فالحكـم الخليـق به حـق العـزيــزيـن مـن والٍ وسـلطــان
أو يرشـد الشعب يمس الأمـر في يـده ولا اعـتـــــداد بأمـــــلاكٍ وأعـيـــــان
لـيـت الـبــلاد الـتي أخلاقــها رسـبـت يعـلـــو بأخــلاقـها تـيـــــار طغـيـــان
الـنــار أسـوغ وردا فـي مجــال عـلى من بـــارد العـيـش في أفـيــاء فـينــان
أكــرم بذي مطمع في جـنـب مطمعـه ينجــو الأذلاء مـن خـسـف وخـسران
يهــــب فـيـــهم كإعصــار فيـنقـلــــهم من خفـض عـيـش إلى هـيجاء ميـدان
بعـض الطـغـــاة إذا جـَلــَّـتْ إســاءتـُه فـقـــد يكـــون بـه نـفــــــعٌ لأوطــــان
في كـل مفخــرة تسـمو الشـعـوب بـها تـفــــنى جـمــوع مفــــاداة لأحــــدان
كم في ســـنا الكوكـب الوهـاج مهلـكة في كـــل لـمـــح لأضـــواء وألــــوان
لم تــرق حـقـبــة مصـر كـما رقـيــت في عـصـره بيــن أمـصــار وبلــــدان
لمـا رمــت كل نــائي الشـوط ممتنــع بسـابـقيـن إلـى الغــايـــات شـجـعـــان
ألا ترى في بقايا الصرح كيف مضوا بأوجــــه باديـــات الـبـشــر غـــــران
وكـيــف عــادوا ورمسيــس مقـدمـهم إلـى الـربـــوع بأوســــاق وغـلـمـــان
فبعــد أن صــال بيــن المالـكيـن بــهم صــار الكـبيـر المعــلى بيــن أوثـــان
بالأمــس يدنـيــــه قـربــــان لآلــــهـة والـيـــوم يـأتـيــــه أربـــابٌ بقـربـــان
إن يغـــد ربـــهم الـعـــلى فـلا عجــب هــل من نظـــام بـلا شـمـس لأكــوان
جهــــالـة ولـــدت فـيـــها قـرائحــــهم ضـروب نحـــت وتصـوير وبـنيـــان
ممـا لـو مـا تطلـــع الـــراني نفـائســه لمـا انقـضى عـــج المستطلع الــراني
فـي كـــل منكـشـف كـنــــز ومسـتتـر مظـنــــــة لخـبـــــايـا ذات أثـمــــــان
آيــــاتٌ مقـــــدرة جـلــَّــت دقـائقـــهـا شـــأي بها كـل قـــوم قــــوم هـامــان
تقــادم العـصـر الخــالي بـــها ولــــها تــم الجـديديـن مـن حــــذق وإتـقـــان
ورب رزء بآثــــــار أشـــــــد أســــى منــــه ملـــمـا بأشـخـاص وأعـيــــان
مـا زال والـدهــــر يطـويـه وينـشــره يــزهى جــــلالا رواقـــــاه المديــدان
في النقـش منه لأهـل الذكـر قد كتبـت آيـــــات ذكــــــر بإحـكـــام وتـبيــــان
تنـزلــت صــورا واسـتكملـت ســورا في مصحـف من دعـامـات وجــدران
شـاقــت بفتـنتــها الأقـــوام فاقـتبســوا منــهـا أصـــول حكـومــات وأديــــان
ومن حــلاهـا اسـتـمـدوا كـل تحـليـــة بـلا محـاشــاة إغـريــــق ورومـــــان
هـذا هـو المجــد نفـــنى والبـقـــاء لــه عـلى تعــاقـــب أجـيــــال وأزمـــــان
تاريـــخ مصـــر ورمسيـس فـريــدتـه عـقـــد مـن الــــدر منظـــوم بعقـيــان
ما مثــله في طـروس الفخـر من قــدم طرس من الفخـر أوعـى كل عـنـوان
...... جبران خليل جبران (لبناني مهجري - عصر النهضة)
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com