بقلم يوسف سيدهم
في مؤسسات الأعمال المختلفة عندما يمر أحد العاملين بضائقة مالية يمكنه أن يتقدم بطلب الحصول علي سلفة بضمان مرتبه, ويحق للإدارات المعنية في معرض فحصها لطلبه هذا وقبل البت فيه أن تراجع قيمة السلفة المطلوبة ومدي تناسبها مع راتبه وقدرته علي سداد السلفة وفاء لقيمة الأقساط المستحقة عليه منها في المدة المقررة لذلك... والجميع في مجال الأعمال يتفهمون ويتقبلون هذا المسلك دون أن يتبرموا أو يحتجوا أو يتهموا أصحاب الأعمال بالتسلط علي المقترض والتدخل في شئونه ومحاولة إذلاله!!
إذا كنا نتفق علي ذلك ونحترم حق المقرض في ضمان وفاء المقترض للقرض الذي يحتاجه,لماذا يختلف الأمر عندما تتحول تلك العلاقة من مستوي الأفراد إلي مستوي الدول؟...لماذا عندما تتقدم مصر بطلب قرض من الدول الأخري أو من المؤسسات الدولية النقدية تتملكنا حساسيات زائدة ولا نقبل أي حديث من جانب من سنقترض منه حول كفاءة الاقتصاد المصري والضوابط المطلوبة للتحقق من قدرتنا علي سداد القرض؟...مصر جاهدت بعد ثورة 25يناير لتلافي تعثر اقتصادها,لكن الضريبة الباهظة التي كان عليها أن تدفعها نتيجة الثورة تمثلت في ارتباك الأعمال وانحسار الاستثمار وانكماش الإنتاج والتصدير وتدني نشاط السياحة وتأرجح سوق الأوراق المالية...كل ذلك كان له مردوده المدمر علي الاقتصاد وعلي خطط التنمية وعلي الاحتياطي النقدي,الأمر الذي أفرز احتياجا شديدا للاتجاه إلي الاقتراض من الخارج لتوفير سيولة تساعد أجهزة الدولة علي مواجهة العجز والركود وتسمح بضخ دماء جديدة في مجالات الاستثمار والتنمية.
تقدمت مصر بطلب إلي صندوق النقد الدولي-باعتبارها عضوا في الصندوق يحق له الاقتراض-لمنحها قرضا في حدود ثلاثة مليارات دولار,وأعلن الصندوق أنه عاكف علي دراسة طلب مصر وأنه سوف يرسل وفدا لمراجعة أحوال الاقتصاد المصري قبل البت في الطلب...وهنا قامت قائمة الإعلام والسياسيين-ولاحظوا إنه لم يكن بينهم رجال اقتصاد-احتجاجا علي ما أعلنه الصندوق ورفضا لما أسموه التدخل في شئون مصر,وانطلق البعض منددين برغبة الصندوق في السيطرة علي مصر خدمة لمصالح غربية,وانفجرت حملة محمومة تنادي بالذود عن الكرامة المصرية ورفض فرض أية شروط علي مصر!!
لم يأبه صندوق النقد الدولي بتلك الصيحات والصرخات وأعلن مؤخرا عن توصياته التي انتهي إليها والواجب علي الحكومة المصرية الالتزام بها لإمكان حصولها علي القرض المطلوب...من يقرأ هذه التوصيات-سواء اعتبرها توصيات أو شروطا- سوف يلمس فيها خطوطا واضحة يضعها الصندوق لضمان إقالة الاقتصاد المصري من عثرته وإصلاح بعض السلبيات التي تعتريه من أجل تحسين كفاءته والتأكد من قدرة مصر علي سداد القرض المطلوب....وأستعرض هنا التوصيات والمقترحات والشروط التي أعلنها الصندوق لنتبين منها هل هي نعمة أم نقمة علي الاقتصاد المصري:
00منح صندوق النقد الدولي حق مراقبة منظومة الأداء الاقتصادي المصري بشكل ربع سنوي,ومطالبة الحكومة المصرية بنشر تقارير دورية عن السياسة النقدية لتسهيل مهمة الصندوق في رصد مدي التزام الحكومة بتنفيذ شروط القرض.
00التأكيد علي قيام البنك المركزي المصري بنشر تقارير رقابية عن أداء البنوك المحلية بشكل ربع سنوي وكذا نتائج أعمالها,كما حث الصندوق القطاع المالي المصري علي وضع ضوابط لزيارة كفاءة رأس المال وتقليل نسبة التعرض للمخاطر المصرفية توافقا مع اتفاقبازل-2.
00منح صندوق النقد الدولي حق مراقبة نسبة العجز في الموازنة العامة للدولة ومستوي الاحتياطي النقدي والأصول المحلية التابعة للبنك المركزي المصري وحجم القروض التي حصلت عليها الحكومة المصرية, وفي هذا الصدد طلب الصندوق أن تتضمن منظومة الأداء بعض المرونة فيما يتعلق بالاحتياطي النقدي الأجنبي بحيث نترك للبنك المركزي القدرة للتدخل في أسواق صرف العملات,لكن مع السماح لأسعار الصرف بالتحرك صعودا أو هبوطا في نطاق آمن لا تتجاوزه.
00إصدار قانون جديد للجمارك لتحسين النظام الجمركي وزيادة العائدات.
00فرض ضريبة تتراوح بين50% و60% علي السجائر.
00توسيع قاعدة الضريبة وإصدار قانون ضريبة القيمة المضافة ليحل محل قانون ضريبة المبيعات.
00إعداد خطة متوسطة الأجل لتحسين وضع الدعم وتوجيهه للفئات الأكثر فقرا عن طريق أن تستبدل به أدوات أكثر تأثيرا علي الصعيد الاجتماعي.
00توسيع القاعدة الضريبية لتضم الأرباح المكتسبة من أنشطة سوق المال,وضم الصناديق الخاصة التي تحتوي مايقرب من 2.50 مليار جنيه لتقوية الموازنة ولمراقبتها.
00إعداد دراسة عن السلع التي تتسبب في ارتفاع الأسعار لمعرفة أسباب ارتفاع معدلات التضخم وعلاجها.
00يقوم مجلس إدارة صندوق النقد الدولي بمراجعة مقدار التقدم الذي ستحرزه الحكومة المصرية في البرنامج الاقتصادي بشكل ربع سنوي ليتزامن ذلك مع مواعيد صرف دفعات القرض المطلوب.
**في حالة موافقة مصر علي هذه التوصيات-أو الشروط-يتم توقيع اتفاقية بين الصندوق وبين البنك المركزي المصري ووزارة المالية المصرية لتحديد التزامات جميع الأطراف في هذا الخصوص,وبناء عليه سوف تحصل مصر علي قرض قيمته 3.20مليار دولار بفائدة نسبتها1.31 تضاف عليها مصروفات القرض وذلك لتغطية العجز في موازنة2012/2011 وموازنة 2013/2012 علي أن يسدد القرض خلال 3-5سنوات,والجدير بالذكر أن قيمة القرض تقترب من ضعف حصة مصر في الصندوق والتي تبلغ 1.90مليار دولار.
000هذه هي توصيات وشروط صندوق النقد الدولي نظير منح مصر القرض المطلوب وأتصور أنها تتركز حول تصحيح مسار الاقتصاد المصري وتحسين أدائه مع زيادة الموارد من الجمارك والضرائب والحرص علي عدم المساس بالفقراء والكادحين...فهل توجد مخاوف من تربص الصندوق بمصر للسيطرة علي اقتصادها وإذلال شعبها؟...لست أجد شبهة في ذلك وأترك الرأي النهائي للاقتصاديين ولمائدة المفاوضات بين الصندوق والجانب المصري.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com