ÇáÃÞÈÇØ ãÊÍÏæä
طباعة الصفحة

الشجرة المُثمِرَة والإنسانية

عزمي إبراهيم | 2012-01-30 00:00:00

 بقلم: مهندس عزمي إبراهيم


لقد ضاعت الإنسانية منا نحن شعب مصر، وكانت صفة من صفاتنا حين كنا طيبين خيِّرين إنسانيين. بل ضاعت من أبناء الشرق جميعاً، وبالأخص ممن يلقون بقوميتهم المصرية الأفريقية الحقيقية والعظيمة المشرفة خلف ظهورهم، ويفتخرون بالعروبة الأسيوية ويسمون أنفسهم عرباً (إدعاءأً وكذباً). ووللعجب والأسف أن ما ضيع الإنسانية من مصر هو التشدق بالدين، والتغني بالدين، والتشعبط على الدين، والتلكك بأسباب الدين، والتستر خلف ستار الدين، وانتقاء ما يحلو لمن يشاء من أيات الدين متجاوزاً الإنساني منها، لفعل كل ما هو مشوب وغير انساني.


أقسم أنه لو شاء ديني أن ينزع عني ثوب إنسانيتي ما ترددت لحظة أن اتخلى عن ديني. لا أقول ذلك مدعياً المثالية، ولكني أقدر إنسانيتي التي خلقها ربي فيَّ يوم خلقني في رحم أمي، ونمـَّاها فيَّ أبي وأمي. ثم أكدها الدين الذي اكتسبته أو ورثته تلقائياً بعد ذلك.
قال السيد المسيح لمن طلبوا أن يرجموا المرأة الخاطئة: "من كان منكم بلا خطيئة، فليتقدم وليرمها بأول حجر. فانصرفوا واحدا بعد الآخر. فقال السيد المسيح للمرأة: أين هم؟ ألم يحكم عليك أحد؟ فأجابت لا يا سيدي. فقال لها: وأنا لا أحكم عليك، اذهبي، ولكن لا ترجعي الى الخطيئة مرة أخرى."
وعندما غضب أحد تلاميذ السيد المسيح على اهانة معلمه من أحد رؤساء الكهنة اليهود فسحب سيف عبد رئيس الكهنة وقطع أذن العبد، فنهره معلمه قائلا: "رد سيفك إلى مكانه،.لان كل الذين يأخذون بالسيف بالسيف يهلكون."
وقال: "ولماذا تنظر القذى الذي في عين أخيك وأما الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها. يا مرائي اخرج أولا الخشبة من عينك وحينئذ تبصر جيدا أن تخرج القذى من عين أخيك."
وقال: "أحبوا اعداءكم، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلّوا لاجل الذين يسيئون اليكم."


وقال: "إذا كنت لا تحب أخيك الذي تراه فكيف تحب الله الذي لا تراه."
وقال: "لا تدينوا لكي لا تدانوا. لأنكم بالدينونة التي بها تدينون تدانون وبالكيل الذي به تكيلون يُكال لكم، فكل ما تريدون أن يفعل الناس بكم افعلوا هكذا أنتم أيضا بهم."


وقال: "لأنه إن احببتم الذين يحبونكم فأي أجر لكم، أليس العشارون (الخطاة) أيضا يفعلون. ذلك. وإن سلـَّمتم على اخوتكم فقط فاي فضل تصنعون، أليس العشارون (الخطاة) أيضا يفعلون هكذا."


هذا هو ديني. وبه من تلك التعاليم كنوز علمتني أن أعامل الآخرين كما أود أن يعاملوني. وعلمتني المحبة والسماحة وثبـَّتت في إنسانيتي. أشكر الله أن أكرمني بدين مبنيٌّ على قواعد المحبة والاخاء والسماحة والانسانية فثبـَّت في أعماق نفسي تلك المباديء الفاضلة.
إن الإنسانية هي ما تجعل الانسان إنساناً كما أراده الله خالقه أن يكون. وإذا نظرنا إلى طبيعة الإنسان، سنجد أن الله خلق الإنسان إنساناً أولا، ومنحه العقل والشعور والاحساس قبل أن يمنحه الدين. فمن يتخلى عن إنسانيته، فقد تخلى عن عقله ونقاء روحه وعدالته وكل ما هو مستحق التقدير في الانسان. ومعظم الأديان تتبنى الإنسانية وتستند بها وإليها، فمن يتخلى عن الإنسانية فقد تخلى عن أبسط مباديء الدين وقواعده وأساسياته،. بل لم يعد لديه من الدين إلا اسمه، مهما ادعى غير ذلك.


إن الله هو العدل ذاته. والعدل صفة من صفاته واسم من أسمائه. ولو حاد الإنسان عن العدل فقد حاد عن الله نفسه. والعدل هو جوهر الدين (أي دين)، لأنه لو خلا الدين من العدل فكيف يكون ديناً؟؟. إن من يتخَلـَّى عن العدل والانسانية فقد كفر بمباديء دينه، وبالتالي يكون قد كفر بربـِّه!!


يتهم البعض المهندس نجيب ساويرس بتهمة ازدراء الأديان. وطبعاً يقصدون ازدراء الدين الإسلامي، فالأديان الأخرى لا قيمة لها لدي المسلمين، لا في مصر ولا فيما يسمونها بالبلاد الإسلامية. لا جُرم ولا خطيئة لمن يزدري الدين المسيحي بمصر. فالدين المسيحي يُزدَرَى ويُفتـَرَى عليه وعلى تابعيه علناً كل يوم من كل من هَبّ ودّبّ حتى من مدَّعي الدين والإعلام المتحيز والأقلام السايبة والأصوات المأجورة، وذلك في الصحف والمجلات والتلفزيون والمواقع والفضائيات والمكاتب والأسواق والشوارع والتاكسيات، وعلى مسمع ومرأى المسئولين في الحكم والأمن والهيئات القضائية والدينية في مصر.
نعم، ازدراء الدين المسيحي يخرق آذان وقلوب المسيحيين علناً ويومياً بلا هوادة وبلا رادع من مسئول مسلم. ويصل الازدراء والإهانة إلى الإجرام والقتل وقطع الآذان والخطف وحرق المنازل ومحال أكل العيش وهدم المقدسات، ولا يتحرك أحد من المسئولين بأي جهة أو هيئة أو إدارة أو وزارة لاتهام أو محاكمة أو معاقبة المجرم والقاتل والمُهَيِّج والدافع والمدفوع.. والمدفوع له. لا عقاب على مزدري الدين المسيحي أو على مزدري أي دين غير الإسلام بمصر. بل لا تقام عقوبة القتل على المسلم إذا كان المقتول غير مسلم. فنعم العدالة والإنسانية بالقضاء المصري!!


المهندس نجيب ساويرس لم يَقتل ولم يقطع أذن أحد ولم يسب الدين ولم يهدم أو يحرق جامعاً بما فيه من مصلين، ولم ينزل الهلال من فوق جامع، ولم يمنع بناء قـُبـَّة أو مئذنة فوق جامع، ولم يخطف أو يغتصب مسلمة، ولم يقل أن القرآن مُحَرَّف، ولم يهن نبي المسلمين، ولم يدعو المسلمين هالكين وكفاراً زناديقاً أولاد قرود وخنازير. كل هذا يحدث يومياً للمسيحيين (المصريين) ومقدساتهم وأرزاقهم.


كتب عدد من المسلمين العاقلين مشكورين مناصرين لنجيب ساويرس. ولكن ما يدهشني أن لا يرفع مسلم "مسئول" بالحكومة أوالقضاء أوالإعلام أوالهيئات الاسلامية صوته بأن ما اتـُّهـِم به هذا الرجل الوطني الشريف (رغم أنه اتهام كاذب وملفق وتافه) لا يصل إلى واحد في الألف مما قيل عنه وفـُعِل ضده شخصياً. ولا يصل إلى واحد في الألف مما يُقال ويُفعَل ضد أبناء دينه المصريين.


هل حوَّل الدين مصر إلى غابة؟؟ هل جعل الدين من مجتمعنا مجتمعأ فاقداً للمشاعر الإنسانية؟؟ هل ساء فهمنا لمعنى الدين، فأصبح عندما نفتح الباب للدين تطفـَّش الإنسانية خارجة من النافذة؟؟ هل جعل الدين من بلادنا بلاد ينقصها شرف القضاء العادل؟؟ هل ضاعت العدالة من مصر باسم الدين وتحت غطاء الدين، ولم يبق بها إلا الظلم السافر الصريح؟؟ هل أصبح الظلم مباركاً واللاإنسانية مقبولة عرفياً واجتماعياً وقانونياً وتشريعياً ودينياً؟؟
المهندس نجيب ساويرس رجل أعمال عالمي ناجح ترحب أي دولة من الدول المتقدمة أن يكون مواطنا بها. ولكنه مصري مخلص، لا يَشـُكَّ في اخلاصه وصدق مصريته ونزاهته إلا مغرض مغالط. ولا يُنكر فضله على مصر وأبنائها إلا جَحود حَقود.


يظن البعض أن أكبر خطأ لنجيب ساويرس هو مزجه الاقتصاد بالسياسة، وأن السياسة قـذرة لا قلب ولا ضمير لها. ولكني أرد عليهم بأني لا أشك لحظة بأن نجيب ساويرس كان سيُحارَب من المتعصبين أعمياء الضمير، وسماسرة الدين، الخاويين من الوطنية ومن أبسط مباديء الدين وأدق مشاعر الإنسانية حتى لو لم يدخل السياسة. أؤكد أنه كان سيحارَب لمجرد أنه "مسيحي ناجـح"، ولأن من يحاربه ظلمأ يعلم أنه لن يُعاقـَب بل لن يصده رجل دين مسئول أو قاضي مسلم.


كيف يدهشني هذا التصرف!؟ في حين قال "أحد الدعاة المصلحين" أنه يفضل أن يحكم مصر مالييزياً مسلماً ولا يحكمها مصري مسيحي. مع الافتراض أن الإثنين على كفاءة متساوية، يُحرِّم ويضِنّ هذا المتعصب معدوم العقل والضمير على مصري أن يحظى بحكم وطنه، ويبيحه لأجنبي لا حق له فيه، لا لأي سبب إلا لأنه مسلم. لم يدهشني رأي هذا الأحمق. ولكن أدهشني أني لم أسمع صوت مسئول ديني أو سياسي أو قضائي واحد بمصر يُخَطـِّيء هذا المدعي الاسلام ويُصلحه!!


أما عن التحامل الغبي وغير العادل على المهندس الشريف نجيب ساويرس، فتحضرني عدة أمثلة: أولها الدبة الغبية التي قتلت صاحبها، لأنها حيوان خلقه الله بلا عقل بالطبيعة. وثانيها الرجل الغبي الجشع الذي ذبح الدجاجة التي كانت تبيض له بيضة من ذهب كل يوم. وثالثها وأفضلها:
إن الشجرة المثمرة هي التي يقذفها الناس بالطوب!! خاصة إذا كانت الشجرة ليست مسلمه.

 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع

جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com