رغم توقع خبراء أن تدخل العلاقات بين واشنطن والقاهرة نفقاً مظلماً
تثار تساؤلات عديدة بشأن مصير العلاقات المصرية الأميركية خلال الأيام والأشهر القادمة، لا سيما بعد قرار السلطات المصرية تحويل 19 أميركيًا لمحكمة الجنايات؛ لبدء محاكمتهم بتهم إدارة منظمات دون الحصول على التراخيص المطلوبة، والعبث باستقرار البلاد.
اقتحام الجمعيات أدى إلى توتر العلاقات المصرية الأميركية
القاهرة: يرى العديد من الخبراء أن قرار السلطات المصرية تحول 19 أميركياً للمحاكمة بتهمة إدارة جمعيات غير حكومية بطريقة غير قانونية، يدخل العلاقات بين القاهرة وواشنطن في نفق مظلم، ولاسيما بعد تهديد البيت الأبيض بقطع المعونة العسكرية لمصر، والمقدرة بمليار وثلاثمائة مليون دولار، وكذلك المعونة الاقتصادية والمقدرة ب(52)مليون دولار، ومطالبة وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون السلطات المصرية بسرعة الإفراج عن المحتجزين، وإطلاق الحرية لعمل منظمات المجتمع المدني.
منعطف الثورة
ويقول الدكتور جهاد عودة، أستاذ العلوم السياسية جامعة حلوان، إن العلاقات بين واشنطن والقاهرة أخذت منعطفاً جديداً بعد الثورة، قائما على الندية بعيدًا عن التبعية التي كانت سائدة في عهد النظام السابق قبل الثورة، وهذا يرجع في الأساس إلى تخوف المجلس العسكري من الإرادة الشعبية، ورفضها الأسلوب الذي كان متبعاً من قبل. مضيفا أن الولايات المتحدة الأميركية تعلم ذلك جيدًا، ولديها قناعة بأن التهديد بسلاح "المعونة" الذي كانت تستخدمه لجعل القاهرة ترضخ لرغباتها أنهته ثورة يناير، ومن هذا المنطلق فإن الولايات المتحدة تريد فقط الضغط على مصر دون أن يكون في نيتها اتخاذ قرار بشأن قطع المعونة العسكرية تحديدًا.
وأشار إلى أن واشنطن حريصة على استمرار علاقاتها الإستراتيجية مع مصر؛ لكونها أكبر حليفة لها على مدار السنوات الماضية في منطقة الشرق الأوسط، واستقرارها واستمرار التحالف يضمن أمن حليفتها "إسرائيل"، وأن أزمة التحقيق مع ال(19 )أميركيا، وقضية منظمات المجتمع المدني لن تكون سببا كبيرا لخلق أزمة مع القاهرة ، حيث ينتظر أن يتم البحث عن خروج آمن للأزمة يرضي الطرفين.
بالونة اختبار
يقول سعيد اللاوندي الخبير في مركز الأهرام الاستراتيجي: "إن ما يحدث بين القاهرة وواشنطن بدأ ببالونة اختبار في صراع الإرادات بين الطرفين، حيث كان لدى أميركا وأوروبا معلومات بأن المجلس العسكري في طريقه لفتح كشف حساب لمنظمات المجتمع المدني الأجنبية والمحلية في مصر، وقد بدأ هذا الصراع بقيام أميركا وبعض دول الاتحاد الأوروبي بحرمان مصر من المكافأة الغربية التي خصصت لدول ثورة الربيع العربي، والمقدرة ب (20) مليار دولار، بل قاموا بالضغط على صندوق النقد الدولي للتشدد مع حكومتي شرف والجنزوري في ما يتعلق بالقروض، وهو ما أتبعه رد فعل مصري باقتحام مقر المنظمات؛ ما حول الأمر إلى أزمة حقيقية بين القاهرة وواشنطن وحلفائها الأوروبيين".
ويضيف اللاوندي: "وخطورة ما في الأمر هذه المرة هو أن أعضاء نافذين في الكونغرس الأميركي ومسؤولين في البيت الأبيض يرون أن ما فعله المجلس العسكري تحدٍ خطر للسياسة الجديدة التي اتبعها الرئيس الأميركي الرامية إلى نشر الديمقراطية عن طريق منظمات المجتمع المدني بدلاً من الخيار العسكري الذي تبناه سلفي جورج بوش الابن".
وأضاف أن هناك تخوفا أميركيا كبيرا من تداعيات الموقف المصري على الدول الأخرى المستهدفة بنشر الديمقراطية من الولايات المتحدة؛ ما يحفز أعضاء الكونغرس هذه المرة على حلحلة الموقف المصري من جديد، وحمله على الإفراج عن الأميركيين المحتجزين سواء الأجانب أو المصريين، والسماح لهم بالعمل، وإلا قطع المعونة مع استمرار إيصال المعونة المقابلة بموجب معاهدة كامب ديفيد إلى إسرائيل.
وأشار الدكتور سعيد اللاوندي إلى أن زيارة السفيرة الأميركية في القاهرة للدكتور سعد الكتاتني رئيس مجلس الشعب كانت تحمل تلميحات بهذا الصدد خاصة وأنه تخللها مواءمات دبلوماسية على شاكلة تأكيد السفيرة الأميركية أن أميركا لا تسعى للتدخل بالشأن الداخلي، ومطالبة الكتاتني لها بدعم مصر اقتصاديا بعد الثورة في المقابل.
ويرى الخبير الاستراتيجي أن سبب تصاعد وتعقد المشكلة هو أن هناك مصريين وأميركيين في الوقت نفسه معارضون للمعونة، حيث يرى المعارضون لها من المصريين أنها بلا فائدة، وأنها لا تمثل سوى 2% من الدخل القومي المصري، وأنها تضر بالجيش المصري بالاعتماد على أسلحة أميركية متخلفة بجيل أو بجيلين عن تلك التي تذهب لإسرائيل، في حين يرى المعارضون لها من أميركا أنه لم يعد هناك جدوى لاستمرارها بعد تغير الأمور في منطقة الشرق الأوسط وضمان الولايات المتحدة تبعية العراق وليبيا لها، وبين هذا وذاك يوجد مسؤولون أميركيون يؤمنون بأن قطع المعونة وخاصة العسكرية سوف تجعل القاهرة تبحث عن مصادر سلاح أخرى بشكل يعوق الإدارة الأميركية عن ضبط ميزان القوى بين مصر وإسرائيل، خاصة وأن هناك دولا مثل روسيا والصين على استعداد لفتح جسور التعاون العسكري بينها وبين مصر.
"منطق الصغار"
وأكد الدكتور محمد منصور أستاذ العلوم السياسية جامعة أسيوط أن الولايات المتحدة لن تقوم بقطع المعونة العسكرية والاقتصادية؛ لكونها دولة عظمى لا تتعامل بمنطق الصغار، وتبقي على العلاقات مفتوحة بينها وأي دولة حتى في حالة الحرب، وبالتالي هي لن تقطع العلاقات ولن تقلل مستوى التمثيل الدبلوماسي، وإنما ستستغل كل ما لديها من أوراق في زعزعة الموقف المصري في ما يتعلق بملف منظمات المجتمع المدني.
مشيرا: إلى أن ملف المنظمات ليس ملفا شائكا يصعب حله، وإنما من الملفات البسيطة التي يسهل علاجها، لكن الذي يوحي بأنه ملف صعب هو فتحه بعد الثورة والحيثيات الثورية للمصريين المتهمين فيه خاصة وأنهم لعبوا دورا على صعيد حقوق الإنسان ساهموا بقوة في اندلاع الثورة.
وعن الموقف المصري توقع الدكتور محمد منصور أن المجلس العسكري سوف يتبع أسلوب المماطلة في القضية ،حيث إنه مضطر بعدم الإفراج عن المحتجزين الأميركيين احتراما للإرادة الثورية والشعبية والتي تسانده بقوة ضد التهديدات الأميركية ، على أن يترك ملف المنظمات برمته للرئيس المنتخب القادم.
الأمن القومي الإسرائيلي والبترول
ويقول د.عبد الخبير عطا أستاذ العلوم السياسية في جامعة أسيوط إن الولايات المتحدة الأميركية لها ثوابت ومتغيرات تحكمها في العلاقة مع الآخرين، ومن أهم هذه الثوابت الحفاظ على الأمن القومي الإسرائيلي، وضمان ضخ البترول إلى أميركا. وأضاف من الضروري جدا أن نعرف على وجه الدقة من هم المؤثرون في القرار الأميركي؟ هل هو اللوبي اليهودي أم الشعب الأميركي بثقافته المغلوطة؟.
متوقعا استخدام الولايات المتحدة وسائل معينة سوف تلجأ إليها للضغط على مصر من بينها الضغط الاقتصادي، والعمل الدبلوماسي،خاصة وأن التعاون الصناعي مع الولايات المتحدة ليس بالقليل، وهناك مدخلان لذلك هما السوفت باور وهو ما يسمى بالقوة الناعمة ووسائلها في ذلك:الإعلام، والدبلوماسية، وما يتصل بحقوق الملكية والأفكار والهارد باور وتسمى القوة الصلبة، ويتصل بالحرب العسكرية، والمعونات الاقتصادية.
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com