كتب: عماد توماس
أعرب عدد من المنظمات الحقوقية عن استنكارها الشديد لاستمرار حملة تشويه وإرهاب منظمات المجتمع المدني، خاصة منظمات حقوق الإنسان، وأكَّدت أن إحالة 43 مصريًا وأجنبيًا لمحكمة الجنايات هو في حقيقته مسألة ذات أهداف وبواعث سياسية بالأساس، حيث أن المؤسسات المُحالة للمحاكمة تمارس نشاطها منذ عدة سنوات، دون أن يُطلب منها وقف نشاطها أو إغلاق مقارها. كما أن الحكومة المصرية وجهت الدعوة في أكتوبر الماضي لاثنين من هذه المنظمات لمراقبة الانتخابات البرلمانية، رغم أنه طبقًا للمادة الثانية من القرار رقم (20) لسنة 2011 الصادر من رئيس اللجنة العليا للانتخابات بشأن تنظيم دور المجتمع المدني في متابعة الانتخابات، لا يجوز للمنظمة المدنية غير المصرية أن تتابع العملية الانتخابية إلا بعد تقديم "ما يفيد تصريح وزارة الخارجية بمباشرة هذا النشاط في مصر؟!"، ولعل هذا التصريح وإن كان محدد بنشاط مراقبة الانتخابات إلا أنه يضفي مشروعية لعمل المنظمات المصرح لها حيث أن التصريح بممارسة نشاط محدد يقتضي مشروعية وقانونية وجود المنظمة في مصر بداهة.
وقال البيان: "إن القفز فجأة فوق كل هذه المعطيات، ومداهمة مقار هذه المنظمات– ومنظمات حقوقية مصرية أخرى- بالقوات المسلحة، وتحويلها للمحاكمة، لا يثير فقط عشرات علامات التعجب والاستفهام، ولكنه يثير التساؤل عما إذا كان هذا التطور يجد سندًا في المزاعم التي يروجها كبار المسئولين في الحكومة عن "سيادة القانون"، و"استقلال القضاء"؟
وأشار الموقعون على البيان، إلى أن أول من يشهد على عدم استقلال القضاء في "مصر" هم كبار القضاة المصريين أنفسهم، جنبًا إلى جنب مع كل الذين يكافحون من أجل دولة الحق والقانون في "مصر" أيًا كانت انتماءاتهم السياسية. وقد كافح –ومازال- قضاة تيار استقلال القضاء من أجل تحقيق هذا الهدف الوطني الرفيع لعدة عقود، ودفعوا ثمنًا غاليًا في كل العهود، غير أن مشكلة الافتقار لاستقلال القضاء لا تقتصر فقط على مدى مصداقية هذا الهجوم السياسي المسلح بآليات ترتدي ثوب القضاء والقانون، بل إن إدارة عملية التحقيق في القضية ذاتها تدحض القول باستقلالية السلطة القضائية؛ فالتحقيقات تجري في مقر حكومي (وزارة العدل)، ويقوم قاضيان اختارهما بالاسم رئيس محكمة استئناف القاهرة بمفرده، وهو الأمر الذي انتقده كثيرون، واستنكره أحد أبرز قضاة تيار الاستقلال (المستشار هشام جنينة رئيس محكمة الاستئناف)، حيث تساءل كيف يتم اختيار قضاة بالاسم في قضايا خطيرة مثل هذه؟ (كان يعني عدة قضايا جرى تعيين قضاة التحقيق فيها بالاسم!). ولعل معرفة السيرة الذاتية لقاضيا التحقيق قد تجيب عن هذا السؤال، حيث إنهما عملا لفترة طويلة كرؤساء لنيابة أمن الدولة العليا، تلك النيابة التي كانت مثار انتقاد واسع ومطالبات بإلغائها من قِبل الداعيين لاستقلال القضاء والمنظمات الحقوقية والقوى السياسية المختلفة لارتبط اسمها بالتستر على جرائم تعذيب المتهمين في قضايا سياسية على يد زبانية مباحث أمن الدولة، وأيضًا لأنها كانت أداة في يد نظام مبارك يستخدمها لتصفية الحساب مع خصومه السياسيين.
وأضاف البيان: "لقد زعمت الحكومة المصرية أن المداهمات التي جرت في ديسمبر الماضي لعدد من مقار المنظمات المصرية والدولية هي عملية تفتيش قضائية تمت وفقًا للقانون، غير أن ما حدث كان في واقع الأمر جريمة جرى خلالها التضحية بالقانون، حيث تم استخدام القوات المسلحة في مهاجمة هذه المقار، دون تقديم أي تفسير قانوني أو غير قانوني لوجود هذه القوات، التي صادرت بالقوة الجبرية المسلحة مئات الملفات والحاسبات الإلكترونية، دون أن يتم توثيق ما تم نقله من هذه المقار في محاضر رسمية قانونية معتمَدة بشكل قانوني من الأطراف ذات الصلة، الأمر الذي يفتح الباب لاصطناع أدلة سواء عن طريق الإضافة أو الاستبعاد، كما جرى تشميع هذه المقار بالمخالفة للقانون."
ورفضت المنظمات الموقعة على البيان كل المغالطات والتشويه لمنظمات حقوق الإنسان، مؤكدةً أن التخطيط للهجوم على منظمات حقوق الإنسان كان معدًا وجاهزًا منذ 2010 في عهد الرئيس المخلوع "مبارك"، وذلك في إطار تأمين عملية توريث السلطة لنجله "جمال مبارك" في مناخ هادئ بأقل قدر من الاعتراضات. ولذا لا يثير الدهشة أن مذكرة تحريات “مباحث أمن الدولة”، التي يستند إليها قضاة التحقيق، تم إعدادها قبل ثورة يناير، كما أن مقترح قانون الجمعيات الأهلية الجديد الذي أعلنت عنه الحكومة مؤخرًا، مؤرخ بتاريخ أبريل 2010، أي قبل الثورة، وهو كان يستهدف- في عهد "مبارك" والآن- المزيد من التقييد لمنظمات المجتمع المدني، بجعلها خاضعة تمامًا للجهات الإدارية والأمنية.
واختتم البيان:
"إن اصطناع المعارك الوهمية مع دول أخرى لصرف الانتباه عن كوارث الإدارة السياسية الفاشلة للبلاد، وعن المذابح التي تقتل المصريين كل يوم، دون محاسبة للجناة الحقيقيين، لا يمكن أن يكون هدفًا وطنيًا، بل يلبي مصلحة قلة محدودة ترغب في الاستئثار بالسلطة والثروة، دون محاسبة أو مراقبة.
إن الافتخار العلني بعدم الدراية والافتقار إلى المعرفة الذي يمارسه يوميًا عدد من الوزراء وكبار المسئولين، خلال التشهير بمنظمات حقوق الإنسان ودورها، والتضليل المتعمد للرأي العام حول القوانين واللوائح والنُظم المطبّقة في دول عربية وغير عربية بخصوص المجتمع المدني، لا يُشكل مصلحة وطنية، بل ينبغي أن يحاكم هؤلاء المسؤولين على هذا التضليل المتعمد للرأي العام.
إن التآمر غير الأخلاقي على المجتمع المدني المصري لا يمكن أن يشكل هدفًا أو مصلحة وطنية. إن الأوطان تنهض في كل الدنيا بتحرير المجتمع المدني وليس بقمعه. يجب على البرلمان أن يمنح أولوية لتحقيق هذا الهدف، عبر إقرار مشروع القانون المقترح من منظمات المجتمع المدني.
إن عسكرة القضاء المدني، من خلال إدارته بالأوامر العسكرية، يحطم ما تبقى من استقلاليته ويحوله لأداة سياسية رخيصة، ولا يمكن أن يشكل مصلحة وطنية، بل يجب الحظر الكلي لإحالة المدنيين للقضاء العسكري، وتحرير إرادة القضاء المصري، وتمكين القضاة من إدارة شئون القضاء باستقلالية تامة، بما في ذلك محاكمة المسؤولين عن جرائم حقوق الإنسان المرتكبة خلال ثلاثة عقود قبل الثورة، والمذابح المتوالية التي ارتكبت بعدها.
إن استمرار نفس منهج نظام مبارك في استخدام آليات قضائية لتحقيق أهداف سياسية ضيقة، على حساب المصالح الوطنية العليا للبلاد يجب أن يتوقف. يجب الضغط من أجل تحقيق استقلال القضاء في مصر، يجب على البرلمان أن يعتمد دون تردد أو إبطاء المشروع المقدم من رئيس المجلس الأعلى للقضاء لهذا الغرض.
الموقعون:
مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
البرنامج العربي لنشطاء حقوق الإنسان
جماعة تنمية الديمقراطية
الجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية
جمعية حقوق الإنسان لمساعدة السجناء
جمعية شموع لرعاية حقوق المعاقين
جمعية صاعد للتنمية وحقوق الإنسان
حملة حرية التنظيم
دار الخدمات النقابية والعمالية
الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان
فرقة الورشة المجتمعية
المؤسسة العربية لدعم المجتمع المدني وحقوق الانسان
مؤسسة المرأة الجديدة
المؤسسة المصرية للنهوض بأوضاع الطفولة
مؤسسة قضايا المرأة المصرية
مؤسسة مبادرون للتنمية الثقافية والإعلام
المبادرة المصرية للحقوق الشخصية
مجموعة المساعدة القانونية لحقوق الإنسان
مرصد الموازنة العامة وحقوق الإنسان
المركز الدولي لدعم الحقوق والحريات
مركز القاهرة للتنمية
المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية
مركز أندلس لدراسات التسامح
مركز هشام مبارك للقانون
مصريون ضد التمييز الديني
المكتب العربي للقانون
المنظمة العربية للإصلاح الجنائي
المنظمة المصرية لحقوق الإنسان
نظرة للدراسات النسوية
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com