ÇáÃÞÈÇØ ãÊÍÏæä
طباعة الصفحة

المرشح التواطئى

بقلم: حمدي قنديل | 2012-02-20 08:54:00

عندما شاعت فى الصحف مؤخراً أنباء اختيار الدكتور نبيل العربى رئيساً «توافقياً» للجمهورية، بدا كما لو كان فرس الرهان الوحيد للمجلس العسكرى، كلما فرغ منصب مهم فى البلد لم يجد المجلس غيره ليدفعه فى السباق إليه.. حدث هذا عند ترشيحه لتولى منصب وزير الخارجية، وعند ترشيحه أميناً عاماً للجامعة العربية، وكذلك عندما بدأ البحث عن مرشح «توافقى» للرئاسة مؤخراً.

الأمر ليس كذلك بالضبط.. نبيل العربى ليس فرس الرهان الوحيد، لكنه الاحتياطى الاستراتيجى للمناصب العليا، الذى يحتفظ به المجلس العسكرى ليتقدم به عندما تتعقد الأمور.. لسبب ما، لعله الصمت الغامض أو الكبرياء الشخصى، يظل «العربى» فى كل مرة الاختيار الثانى للمجلس العسكرى وليس الاختيار الأول.. حدث هذا عندما أقيلت حكومة الفريق شفيق وذهب معها وزير خارجيتها «أبوالغيط».. كان المرشح الأبرز وقتها هو نبيل فهمى، إلا أنه لم يكن بمقدور المجلس وقتها والثورة فى أوج تألقها أن يتقدم باسم سفير أمضى فى واشنطن نحو عشر سنوات، كما أن ضغط ميدان التحرير كان طاغياً لتعيين «العربى»، ففاز بالمنصب فى النهاية.. ولم يمض نبيل العربى فى منصبه أكثر من شهرين حتى رُشح أميناً عاماً للجامعة العربية بعد رحيل عمرو موسى..

 مرة ثانية جاء هذا الترشيح بعد أن كانت مصر قد رشحت رسمياً الدكتور مصطفى الفقى ثم تراجعت وسحبت الترشيح.. وها نحن نرى المشهد يتكرر، كلاكيت ثالث مرة، فى الترشيح لرئاسة الجمهورية.. حتى أيام قليلة مضت كان الاسم «التوافقى» الذى يتردد هو منصور حسن الذى كان اختيار المجلس العسكرى المفضل لرئاسة مجلسه الاستشارى، ثم تصاعدت أسهمه لدى المجلس بسلوكه المنضبط على مدى الشهرين الماضيين، إلا أنه على ما يبدو لم يُظهر الحماس اللازم، ولم تكن أصداء ترشيحه لدى الرأى العام مبشرة بالقدر الكافى.

سواء انتهى الأمر بنا فى العثور على مرشح «توافقى» إلى طرح اسم نبيل العربى أو منصور حسن أو غيرهما فسوف يحرق التوافق اسم المرشح، وها نحن نرى أن اسم منصور حسن قد اختفى فى غمضة عين ربما إلى غير رجعة، ولن ينجو نبيل العربى من المصير نفسه إلا إذا أوقف التسريبات المتناقضة حول ترشيحه بتصريح حاسم يعلن فيه خلع عباءة المجلس العسكرى ورفض مظلة التوافق.. التوافق هنا تعبير خادع، فهو إن حدث لن يكون بين قيادات متناقضة سياسياً، ولكن بين قمتى السلطتين التنفيذية والتشريعية، بين المجلس العسكرى والإخوان، المتوافقين أصلا، أى أنه فى حقيقة الأمر ترشيح «تواطئى» بينهما، يتجاهل جميع التيارات السياسية الأخرى ويفرض على الإرادة الشعبية مرشحا بعينه رغم أنفها.. المجلس العسكرى الآن، بعد ممارساته المشينة، أو فى أحسن الأحوال ممارساته المرتبكة، أصبح يصنف على رأس القوى المناهضة للثورة، والإخوان المسلمون الآن على المحك، إذ عليهم أن يراجعوا أمرهم جيدا قبل أن يتخذوا القرار المرتقب، وأى خطوة جديدة للتوافق بينهم وبين المجلس سوف تتسبب فى انشقاق داخل صفوفهم واعتراض من شبابهم وخلاف مع أنصارهم من تيارات الإسلام السياسى وحرج مع بعض مرشحى الرئاسة المنتسبين لهذه التيارات، وسيُنظر إلى هذه الخطوة لا على أنها مبادرة من أجل الوطن ولكن صفقة لتحقيق المصالح، يضمن فيها الإخوان للمجلس المكانة اللائقة بين مؤسسات الدولة والخروج الآمن قدر ما يستطيعون، ويضمن المجلس للإخوان رئيسا مريحا ويساندهم من وراء ستار، أما الرئيس «التواطئى» فسيكون فى أفضل الأحوال مغلول اليدين بين الجانبين، وفى أسوئها مطية لهما.

كشف الشعب الملعوب، وبدأت الحركات السياسية الجديدة وشبكات التواصل الاجتماعى تقصف المرشح المنتظر، وكأنما لم تكن هى التى هللت له وهو فى «الخارجية» يفتح معبر رفح، وينجز المصالحة الفلسطينية، ويطالب إسرائيل بدفع فروق ثمن الغاز المصدر لها من مصر، ويفتح صفحة جديدة من العلاقات مع إيران وتركيا.. الآن يتذكرون أن «العربى» فشل فى إدارة وزارة الخارجية وأبقى على كل أعوان «أبوالغيط» وسفراء مبارك المدللين، ويتساءلون: كيف للذى فشل فى إدارة وزارة أن يدير البلد؟! ويقولون إنه قضى معظم سنى حياته فى الخارج، وإنه لم يعترض يوما ما على سياسات مبارك، وإن الشهور التسعة التى قضاها فى الجامعة العربية لم تثمر شيئا يذكر، ويعايرونه بسنوات عمره الـ٧٧ التى تجعله أكبر المرشحين للرئاسة سناً، وبالتالى أبعدهم عن الجيل الذى أشعل فتيل الثورة.

هكذا يمكن أن تهتز مكانة مرشح بقامة نبيل العربى إذا ما طالته لعنة «التوافق»، وهو الأمر الذى يجب أن يدفع القوى الثورية وغيرها من القوى المستقلة للإجهاز على فكرة التوافق التواطئية، ولكن الأهم هو أن تقوم هذه القوى بتوحيد المبادرات لدعم مرشح يمثل طموحات التغيير، أو دعم فريق رئاسى يضم مثل هذا المرشح مع نواب ومستشارين ومساعدين يمثلون أوسع طيف ممكن من أبناء الوطن.. الوقت أزف لإحباط تصنيع مرشح تواطئى سابق التجهيز، وتقديم مرشح حقيقى يمثل القوى الجديدة ويجتذب القطاعات العريضة من المواطنين الذين لن تستطيع الأحزاب التأثير عليهم فى انتخابات الرئاسة بقدر ما أثرت فى الانتخابات البرلمانية.

لا مكان بيننا لمرشحين يُستدعون من المعاش، أو من مخازن العهد البائد، أو من العسكر.. حكم مصر ليس صفقة.. حكمها طموح ثورة، لكنه يجب أن يكون طموحاً حكيماً وعملياً، يبنى على حسابات دقيقة متعقلة وليس على عواطف هوجاء وانتماءات حزبية عمياء.. وفى هذه الحالة يتحتم ألا تستبعد الحسابات أى وجوه جديدة، وأن تأخذ فى الحسبان ترشيحات قائمة مثل أبوالفتوح وصباحى، ولم لا «العربى» أيضاً.. هذه واحدة من أهم المعارك فى صفحة الثورة المصرية، ولابد لها أن تنجح فيها خاصة أن التوفيق جانبها فى معارك أخرى

نقلا عن المصري اليوم

 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع

جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com