ÇáÃÞÈÇØ ãÊÍÏæä
طباعة الصفحة

مشكلة أن يصبح الإخوان المسلمون ليبراليين!

| 2012-03-09 15:34:27

الجماعة تواجه اليوم مأزقاً لم تكن تتوقعه، فهي كلما اقتربت من السلطة بالنهج الليبرالي كلما تآكلت كتنظيم عقائدي له قواعد من الشباب مستقيمة ولكن لا تعرف أصول اللعبة.

صورة ارشيفيةطالما سالت أحبارٌ ليبرالية كثيفة نقداً لجماعة الأخوان المسلمين، خلاصته أن هذه الجماعة تقوم على البرغماتية (النفعية) وعليه فهي تستخدم الدين ولا تخدمه، بل توظفه بما يشكل أخطاراً غير محدودة على المناخ السياسي فضلاً عن إعاقة العملية التنموية والتي تتطلب التحديث لا المحافظة. وذلك نقد وإن كان صحيحاً في مجمله إلا أن مجرد الوقوف عنده أو التشكي منه إنما يعبر عن عجز في التعامل مع تلك الجماعة التي ظهرت على هوامش الثورة الوطنية الديمقراطية والمعروفة باسم ثورة 1919.

ويرصد الباحثون كيف أن الجماعة الإخوانية – كتعبير ثقافي وسياسي عن شرائح تجارية وخدمية من الرأسمالية المصرية الناشئة وقتئذ - لم تلتفت قط لنقد ناقد بله أن تفكر ولو لحظة في ممارسة النقد الذاتي، وهكذا راحت تواصل هجومها على مسيرة التحديث بخيول وسهام الماضوية بمنطق من يمتلك الحقيقة المطلقة معصوما من الخطأ.

أما دعاة التحديث فقد اكتفوا بسكب مزيد من أحبار النقد على أوراق الصحف بذات المعاني وربما بنفس الألفاظ. وكان هذا بالطبع موقفاً عقيماً غير منتج لدلالة معرفية تتجاوز تحصيل الحاصل إلى بناء إستراتيجية فعالة للتعامل مع جماعة لها وزنها حتى وإن كان هذا الوزن مبالغاً فيه بسبب توظيفها للمشاعر الدينية لدى المواطنين.

والواضح أن الجماعة أدركت منذ نشأتها الأولى أنها ستكون صاحبة دور اقتصادي وسياسي قادم ما دامت جزءاً لا يتجزأ من البنية الرأسمالية المتخلفة في أطراف العالم وقت أن صار للمركز الأوروبي الهيمنة شبه المطلقة. وفي هذه النقطة بالذات فلا يستطيع أحد من دعاة الفكر الليبرالي أن يلوم الجماعة على أهدافها، فالجماعة في هذا السياق لم تخطئ حين سعت إلى توسيع قاعدتها الخاصة في المجال الاقتصادي المحلي المحدود، بحسبانه المجال الذي قد يسمح لها بالغوص في مياه السياسة الإقليمية حسب علاقتها بالأنظمة الحاكمة،تحتمي بها تارة وتناجزها تارة أخرى.

كان هذا ديدن الجماعة منذ ثلاثينات القرن الماضي وحتى قيام ثورة يناير 2011. فلقد كانت هذه الثورة بمثابة الفرصة التاريخية للجماعة أن توسع من قدرتها المادية (2% من الاقتصاد المصري) وأن تمارس واقعاً جديداً قدوته حزب العدالة والتنمية التركي الذي بنا له رئيسه السابق نجم الدين أربكان من تجمع رجال الأعمال الإسلاميين قاعدة اقتصادية بلغت حوالي 12% من الاقتصاد التركي. فهل ينجح خيرت الشاطر بمثل ما نجح أربكان؟ سؤال يمكن الإجابة عنه بالإيجاب شريطة الالتزام بالنهج الليبرالي القويم.

ومن ناحية أخرى فلقد أسهمت ثورة يناير التي شاركت فيها الجماعة - ولو متأخرة – في تحفيزها على ارتداء الزى الليبرالي عساها به تحوز سلطة الدولة، وهو ما لا يمكن تحقيقه إلا بشروط معينة: أن تنبذ العنف وتعترف بحقوق الأغيار من القوى السياسية المختلفة فضلا عن النساء والأقباط، ومن قبل هؤلاء جميعاً أن تنال رضاء القوات المسلحة والمجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية.

وما من شك في أن نجاح الأخوان في الانتخابات البرلمانية الأخيرة إنما يعود إلى انصياعهم لكثير من هذه الشروط، إلى درجة أن معظم أصوات النخب السياسية باتوا يمتدحون تلك الانتخابات "النزيهة والشفافة" بينما جرت الأحاديث سراً ثم بعد ذلك جهراً عن صفقة أو توافق تأسس بين الأخوان وبين المجلس العسكري، وإلى درجة إطلاق الأخوان للتصريحات المطمئنة لروع أميركا بخصوص الحفاظ على مصالحها في المنطقة وكذلك استمرار السلام مع إسرائيل، وهكذا وعند أول اختبار أن رأينا أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي يشيدون بالدور "البناء" الذي قامت به الجماعة وحزبها السياسي الحرية والعدالة لحل أزمة الأجانب المحظورين من السفر (ضغطاً على القضاء المصري) منوهين بأن البيان الذي أصدرته الجماعة في 20 فبراير قد ساعد بالفعل على الخروج من الأزمة!

هكذا بدا المشهد وكأن الجماعة قد تحولت إلى فصيل ليبرالي لا شية فيه يسر الناظرين إلا قليلا. فالمشكلة التي ستواجه الأخوان في قادم الأيام إنما تتمحور حول نقطتين: الأولى كون الأميركان – رغم إعلانهم الرضا الظاهري عن الجماعة – لا يثقون إلا بالرأسمالية الكومبرادورية الكبيرة، والثانية كون المجلس العسكري له حساباته الخاصة فيما يتعلق باقتصاديات الجيش وفيما يتعلق بتردده – وهذا حقه - في تسليم مفاصل الدولة ممثلة في وزارات الدفاع والخارجية والداخلية لجماعة تاريخها ملبد بالغيوم وحاضرها غير واضح الملامح، لا سيما وأن أجنحة الصقور فيها قد بدأت تكشر عن أنيابها للمجلس العسكري متهمة إياه بالمسئولية عن إلغاء قرار حظر سفر الأميركيين، وذلك بغرض استعادة الصوت الراديكالي للجماعة الذي طالما طربت له الناس..بينما هو صوت تنزعج منه دون شك أسماع الجنرالات القابضين على جمرة السلطة العليا في البلاد.

والخلاصة أن الجماعة تواجه اليوم مأزقاً لم تكن تتوقعه، فهي كلما اقتربت من السلطة بالنهج الليبرالي كلما تآكلت كتنظيم عقائدي له قواعد من الشباب مستقيمة ولكن لا تعرف أصول اللعبة.. ومن ثم صارت الجماعة مهددة من داخلها بمزيد من الانشقاقات، أما خارجها فلقد باتت معرضة لأن تنصرف عنها الجماهير، التي ما صوتت لها في الانتخابات إلا على خلفية العشم بأنها الجماعة التي تخدم الدين ولا تستخدمه لأغراضها السياسية والاقتصادية.

 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع

جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com